كُنْ حيادياً ... I " قصة قصيرة "
๑۩۩๑ المملكـــــــــــة الأدبيــــــــــــة ๑۩۩๑ :: أقـــــلام نـشـــطــة :: عندما تغفو الشموس قليلا / لنا عودة :: عبَرَ مِن هُنا / دانية بقسماطي
صفحة 1 من اصل 1
12052009
كُنْ حيادياً ... I " قصة قصيرة "
" الرواية الحقيقية لا تُكتب من السطر
الأخير و حسب
بل يجب أن تُقرأ من السطر الأخير "
- إبراهيم الكوني -
كنت قد قرأت في مجلة " أسلوب الحياة الصحي " أنّ كثرة المُعانقة بشكل مُنتظم
تترك آثاراً إيجابية على الصحة .
و ثمة دراسات أميركية تُشير إلى أنّ نبض القلب يكون مُنتظماً , ضغط الدم مُعْتدلاً
و مستوى هرمون الكولسترول منخفضاً لدى الأشخاص الذين يُكثرون من العناق .
في الواقع أن الإتصال الجسدي يُؤدي إلى إفراز هرمون أوكسيتون في الدماغ , و وظيفته تعزيز شعور المرء بالأمان .
إنطلاقاً من المقال أطرح سؤالي ,
أينطبق ذلك على الأشخاص الذين يُفرطون في عناق الكتب ,
مُستحضرة مقولة إبراهيم الكوني :
" ما نفع وقت لا نُنْفقه بِرفقة كتاب "
كم هو موجع وقتٌ لا ننفقه برفقة كتاب ,
بل كم هو فاجع وقت نهدُرُه برفقة أشخاص يسرقون مِنا الوقت بالمجان .
يا أنت , يا من يروق لك أن تحيا في أحضان الكتب
عليكَ أن تُحسِّن إختيار صديقك الأوحد ,
أو بالأحرى أحسن إختيار مُطالعاتك الحميمة , بإلقاء تحيّة حذرة على عناوينها !
ثمةً كتب ساذجة تذهب إليها إستسلاماً , تمنحك فرصة تأمل الحياة دون جهد و دون أن تعكّر سلام روحك . و غالباً تُؤدي بِكَ إلى التثاؤب , تُعاقبكَ بِمواصلة قراءتها
و الإحساس بالندم لإقتنائك لها .
و أُخرى فاحشة تنقل إليك عدوى رداءتها .
و هناك كتب فاضحة , تُشبه إمرأة تستحم بينها و بين الشارع زجاج نافذة مُبلّل .
و تِلْك الكتب الوقورة الثقيلة ببلاغتها , تهرع إليها لحاجة مهنية .
نادراً ما تتعثّر بكتب مُذهلة , هاربة من قاموس الرتابة للكلمات ,
تذهب إليها فُضولاً تُغريكَ بِشرائها , تفتح شهيتكَ لإحتضانها , تجلس في حضرتها
خاشعاً عارياً من أثقال الحياة , كالصلاة
تُعلّق على باب صومعتك " ممنوع الدخول "
في حضرتها , تجدْ نفسك تُطفىء سيجارتك فجأة , تُضرب عن الطعام , تمتنع عن مباهج الحياة .
كتب تُدهشك , تُفرحك دون أن تُجازف بعقلك و عافيتك .
و من أروع المصادفات حين تتعثّر بكتب مُتعبة مرهقة ,
كتب غير معنيّة بسلامة القارىء , تصفعكَ بصخَب ألمها و سحر فوضاها و ذهول عبثها
كتب مُثقلة بالغموض , تدفعك إلى قراءة النصوص مرات عديدة لكي تُحاول أن تفهم تأخذك لإعادة قراءتها ملهوفاً في مسعى محموم لكي تستوعب ما يقصد الكاتب ...
تِلْك الكتب القاتلة لا تخرج منها مُعافى من ضربات مُفرطة لِنبضات القلب , و إرتفاع في ضغط الدم , تشعر و أنت في أحضانها أنكَ على شفير الجنون .
كتب تُحيك لكَ مكيدة حزن , تضمر لك قهراً دسماً
كتب تستعصي عليك فلا تقدر أن تُعرّي لغتها , و تفك شيفرة ذاكرتها , تُورطك
في تسلّق أبراج الأسئلة , لِتتركك مُعلّقاً على قمة قهر شاهق الخيبة .
الأخير و حسب
بل يجب أن تُقرأ من السطر الأخير "
- إبراهيم الكوني -
كنت قد قرأت في مجلة " أسلوب الحياة الصحي " أنّ كثرة المُعانقة بشكل مُنتظم
تترك آثاراً إيجابية على الصحة .
و ثمة دراسات أميركية تُشير إلى أنّ نبض القلب يكون مُنتظماً , ضغط الدم مُعْتدلاً
و مستوى هرمون الكولسترول منخفضاً لدى الأشخاص الذين يُكثرون من العناق .
في الواقع أن الإتصال الجسدي يُؤدي إلى إفراز هرمون أوكسيتون في الدماغ , و وظيفته تعزيز شعور المرء بالأمان .
إنطلاقاً من المقال أطرح سؤالي ,
أينطبق ذلك على الأشخاص الذين يُفرطون في عناق الكتب ,
مُستحضرة مقولة إبراهيم الكوني :
" ما نفع وقت لا نُنْفقه بِرفقة كتاب "
كم هو موجع وقتٌ لا ننفقه برفقة كتاب ,
بل كم هو فاجع وقت نهدُرُه برفقة أشخاص يسرقون مِنا الوقت بالمجان .
يا أنت , يا من يروق لك أن تحيا في أحضان الكتب
عليكَ أن تُحسِّن إختيار صديقك الأوحد ,
أو بالأحرى أحسن إختيار مُطالعاتك الحميمة , بإلقاء تحيّة حذرة على عناوينها !
ثمةً كتب ساذجة تذهب إليها إستسلاماً , تمنحك فرصة تأمل الحياة دون جهد و دون أن تعكّر سلام روحك . و غالباً تُؤدي بِكَ إلى التثاؤب , تُعاقبكَ بِمواصلة قراءتها
و الإحساس بالندم لإقتنائك لها .
و أُخرى فاحشة تنقل إليك عدوى رداءتها .
و هناك كتب فاضحة , تُشبه إمرأة تستحم بينها و بين الشارع زجاج نافذة مُبلّل .
و تِلْك الكتب الوقورة الثقيلة ببلاغتها , تهرع إليها لحاجة مهنية .
نادراً ما تتعثّر بكتب مُذهلة , هاربة من قاموس الرتابة للكلمات ,
تذهب إليها فُضولاً تُغريكَ بِشرائها , تفتح شهيتكَ لإحتضانها , تجلس في حضرتها
خاشعاً عارياً من أثقال الحياة , كالصلاة
تُعلّق على باب صومعتك " ممنوع الدخول "
في حضرتها , تجدْ نفسك تُطفىء سيجارتك فجأة , تُضرب عن الطعام , تمتنع عن مباهج الحياة .
كتب تُدهشك , تُفرحك دون أن تُجازف بعقلك و عافيتك .
و من أروع المصادفات حين تتعثّر بكتب مُتعبة مرهقة ,
كتب غير معنيّة بسلامة القارىء , تصفعكَ بصخَب ألمها و سحر فوضاها و ذهول عبثها
كتب مُثقلة بالغموض , تدفعك إلى قراءة النصوص مرات عديدة لكي تُحاول أن تفهم تأخذك لإعادة قراءتها ملهوفاً في مسعى محموم لكي تستوعب ما يقصد الكاتب ...
تِلْك الكتب القاتلة لا تخرج منها مُعافى من ضربات مُفرطة لِنبضات القلب , و إرتفاع في ضغط الدم , تشعر و أنت في أحضانها أنكَ على شفير الجنون .
كتب تُحيك لكَ مكيدة حزن , تضمر لك قهراً دسماً
كتب تستعصي عليك فلا تقدر أن تُعرّي لغتها , و تفك شيفرة ذاكرتها , تُورطك
في تسلّق أبراج الأسئلة , لِتتركك مُعلّقاً على قمة قهر شاهق الخيبة .
عدل سابقا من قبل دانيه بقسماطي في 12/5/2009, 12:48 pm عدل 1 مرات
دانية بقسماطي- شــاعـرة المملكــة
-
عدد الرسائل : 371
العمر : 55
البلد الأم/الإقامة الحالية : طرابلس - لبنان
الهوايات : الكتابة
تاريخ التسجيل : 25/09/2008
كُنْ حيادياً ... I " قصة قصيرة " :: تعاليق
كُنْ حيادياً ... II
كانت الساعة الخامسة إلاّ ربعاً من نهاية الأسبوع , و الناس مشغولون بتحضير مباهجهم ...
هو , إقتنصَ الوقت لِيُهيىء أفراحهُ الصغيرة , ليخفف من تعب الركض المتواصل و وحشة الغربة .
الواجهات تعرض الربيع القادم في دفء فساتين ورديّة , و مكتبة توقفَ أمامها تعرض الكتب , الدفاتر , المحابر ,الأقلام و طوابع بريديّة لمدينة تحتفي بصور و تماثيل طيور ليلية .
ها هو لم يتغيّر , ما زال يتوق إلى إحتضان تِلْك الكتب المُربكة , يقف أمامها صامتاً باسماً , لا يملك إلاّ أن يرتمي بين ذراعيها
أيضاً ... الآن
كتابٌ أرادهُ عربياً , كمَن أراد أن يستحضّر وجه الوطن في كتاب
كمن أراد أن يُخفّف من ألم الفقدان و غياب الأحباب
راح يتجوّل بين الرفوف , عيناه تتفرسان دون أن تقعا على هدف مُحدّد
في رفٍ سفلي وقع نظرهُ على السلسلة الكاملة للأديبة " غادة السمان " , كتبها مُجاورة لزكريا تامر و أمين معلوف , تناول بعضاً منها و راح يُلقي نظرة سريعة على عناوينها
أثناء إعادته للكتب على الرّف , وقعَ نظره على عنوان كتاب يُعلّق بخط عريض عن حفلة راقصة مع بوم مسبوقٍ بإسم الأديبة نفسها
الكتاب بدا لهُ مدهشاً , يزف إليه تذكرة لسهرة راقصة
حملهُ بزهو طفولي , و عبَرَ الرواق مُتجهاً إلى الصندوق لِيمد البائعة بثمنه .
شكرها بمرح أدهشها و خرج بخُطى نافذة الصبر , كما لو أنهُ على موعد هام .
إستقّلَّ سيارة أجرة و أمام دهشة السائق , أخرج الكتاب من الكيس الورقي و دسَّهُ تحت قميصه كما لو أنه منشور سريّ .
برغم فرحه العارم إنتابهُ أحاسيس مُتناقضة , بين الدهشة الجميلة و الحزن السريّ الغامض
أكان بإمكانه أن يعرف أنه بتلك الدعوة المُدهشة قد اشترى تذكرة بهجة واهمة ؟
أكان بإمكانه أن يتفادى تِلْك الخيبة الموجعة ؟
أكان بمقدوره أن يُؤجّل فضوله أو يُفوّت عليه تلك الرقصة الرائعة ؟
أكان بإمكانه أن يُغلق الباب في وجه ضيف مُفاجىء ؟
دخل غرفته مُتأبطاً كتاب فرح فاخر و شموع بنفسجيّة ملفوفة بشرائط قزحية الألوان
أغلق باب الغرفة , خلع سترته البيضاء , علّقها على المشجب و معها علّق مرحه و كأنه يخلع عنهُ تهمة فرح كاذب
دوماً , كان رجل الفرح الكاذب
هو , إقتنصَ الوقت لِيُهيىء أفراحهُ الصغيرة , ليخفف من تعب الركض المتواصل و وحشة الغربة .
الواجهات تعرض الربيع القادم في دفء فساتين ورديّة , و مكتبة توقفَ أمامها تعرض الكتب , الدفاتر , المحابر ,الأقلام و طوابع بريديّة لمدينة تحتفي بصور و تماثيل طيور ليلية .
ها هو لم يتغيّر , ما زال يتوق إلى إحتضان تِلْك الكتب المُربكة , يقف أمامها صامتاً باسماً , لا يملك إلاّ أن يرتمي بين ذراعيها
أيضاً ... الآن
كتابٌ أرادهُ عربياً , كمَن أراد أن يستحضّر وجه الوطن في كتاب
كمن أراد أن يُخفّف من ألم الفقدان و غياب الأحباب
راح يتجوّل بين الرفوف , عيناه تتفرسان دون أن تقعا على هدف مُحدّد
في رفٍ سفلي وقع نظرهُ على السلسلة الكاملة للأديبة " غادة السمان " , كتبها مُجاورة لزكريا تامر و أمين معلوف , تناول بعضاً منها و راح يُلقي نظرة سريعة على عناوينها
أثناء إعادته للكتب على الرّف , وقعَ نظره على عنوان كتاب يُعلّق بخط عريض عن حفلة راقصة مع بوم مسبوقٍ بإسم الأديبة نفسها
الكتاب بدا لهُ مدهشاً , يزف إليه تذكرة لسهرة راقصة
حملهُ بزهو طفولي , و عبَرَ الرواق مُتجهاً إلى الصندوق لِيمد البائعة بثمنه .
شكرها بمرح أدهشها و خرج بخُطى نافذة الصبر , كما لو أنهُ على موعد هام .
إستقّلَّ سيارة أجرة و أمام دهشة السائق , أخرج الكتاب من الكيس الورقي و دسَّهُ تحت قميصه كما لو أنه منشور سريّ .
برغم فرحه العارم إنتابهُ أحاسيس مُتناقضة , بين الدهشة الجميلة و الحزن السريّ الغامض
أكان بإمكانه أن يعرف أنه بتلك الدعوة المُدهشة قد اشترى تذكرة بهجة واهمة ؟
أكان بإمكانه أن يتفادى تِلْك الخيبة الموجعة ؟
أكان بمقدوره أن يُؤجّل فضوله أو يُفوّت عليه تلك الرقصة الرائعة ؟
أكان بإمكانه أن يُغلق الباب في وجه ضيف مُفاجىء ؟
دخل غرفته مُتأبطاً كتاب فرح فاخر و شموع بنفسجيّة ملفوفة بشرائط قزحية الألوان
أغلق باب الغرفة , خلع سترته البيضاء , علّقها على المشجب و معها علّق مرحه و كأنه يخلع عنهُ تهمة فرح كاذب
دوماً , كان رجل الفرح الكاذب
جلس على طرف السرير و راح يتأمل الكتاب بقلب مرتعش
اليد الأرستقراطية تُداعب وجه الكتاب و كأنها تُداعب وجه حبيبة ,
الحواس إبتهجت , رائحة عطر تستعمر الأوراق و رائحة بهجة عارمة خلقها ذلك الغلاف الكاريكاتوري ...
ضحك عالياً , ضحك طويلاً
علا صوته باندهاش جميل :
- يا لأُنثى تنثر عطرها أينما حلَّت
يا لعطر يعبث بأعماقٍ مُحتلّة ...يا لعقابي الجميل
أُنثى تجلس على الكرسي المُقابل لِدهشته , تُراقبه بهدوء مُفرط , تُشعل غليونها المُعطّر و تنفث الدخان في أرجاء روحه المبعثرة
و يدها الصديقة تُسرِّح شعرهُ , مُبتسمة قالت :
- " الفرح يليقُ بحضرتك "
و كأنها تُلقي عليه تحيّة مسائية ,
و الحواس ترتشف زجاجة العطر الأنثوي في لحظة واحدة حتى الثمالة .
يسترخي على السرير مُستغرقاً في قراءة كتاب مكتوب بقلمين , ككمان يتناوب عليه عازفان يُقسِّمان ببراعة مقطوعة موسيقية .
تبدأ الكاتبة بعزف منفرد , و تُكمل العازفة الأُخرى عزفها بقلم واثق , ثمّ يتركنًّ الكمان جانباً لِيواصل القلم نقاطاً أو علامات إعجاب بعد كل خاطرة ...
تصفّح الصفحة الأولى بفضول , قرأ مقولة جورج ميردث :
" جميلة هي انحناءات البوم الأبيض و تكويراته
و هو يتماوج في الغسق , المشع بنجمته الكبيرة "
أسفل المقولة , تستوقفه مقولة بقلم آخر :
" جميلتان هُما عينايّ و هُما تتسعان دهشة و ذهولاً أمام بشاعات العالم
تماماً كعينيّ بومي الجميل !!! "
تابع القراءة بشغف , غرق في عوالم يرقص لها الخيال على نغمات الدهشة , الإثارة و التوق إلى الإكتشاف .
" هل شاهدْتَ مرة بومة في سيرك ؟
هل شاهدت مرة بومة مُستقرّة في قفص تُغرِّد لِذلها ؟ "
تابع القلم الأسود العزف :
" شاهدتُ بومة تُصطاد و تُحنَّط لِتُعلّق فوق جدار
لكن قولوا لي من يجرؤ على استضافة بومة محنطة في بيته
دون أن يشعر بالشؤم ؟!
لهذا هي مخلوق يستعصي على التدجين حتى بعد موتها !!! "
كان سيبدي إعجابه بالأديبة , بإبداعاتها لو لم يكن ذهنه مبهوراً بكتابات الكاتبة الأُخرى , في انتقائها معزوفة وجع ساخر , في ما تُضيفه تبتكره من جمل بصيغة أجوبة رائعة
ضحكت السيدة " الأديبة " بلا إكتراث , و ألقت جملتها في وجهه :
" أثقلتك بأحزاني الشخصية و أنت بلا ذاكرة
كورقة بيضاء
لا تقلق , سأبعثك حياً في روايتي القادمة "
واصل القلم الآخر و بالأسود دوماً :
" لا تقلق , سأبعثك حُراً
فمن العبث إبقاء بوم زئبقي إلى مأدبة عامرة بالقلق و التمزّق "
التحيّة المسائية تلاشت تدريجياً , و معها تلاشت ذبذبات البهجة .
إصطدم بسطور قاتمة و عتاب عارم مدفون تحت أشلاء الكلمات , شعر بعجز فكره عن تلمّس معالمها . حاول التعمّق في الفهم , تابع القراءة بحذر :
" إنْ شاهدت رأسي ينزف على طرف رصيف باريسي
أتركه ينتحب أحزانه تحت المطر
و لا تلتقطه و تحنطه و تعلقه على جدار غرفتك "
دقّق في الكلمات أسفلها كُتِب :
" إن شاهدت رأسي ينزف على طرف الجسر
أتركه ينتحب قهره
لا تلتقطه و لا تُعلقه على جدار روحك ! "
القامة النحيلة تهاوت على جملة أُضيفت أسفل الصفحة :
" تزوجت من خيبتها
و أنجبت عدة كتب , و دمعة سرّية "
واصل الأسود :
" تزوجت من خيبتها الشاهقة
و أنجبت كتاباً معطوباً , ودمعة مُكابرة ! "
نزلت الجملة عليه كالصاعقة , كاد يجهش إعتذاراً عن الحلم المهدور , الضائع
فوجىء بصفحات تحمل مآسي الوطن و فجائع الأُمة , دوّنت عليها ملاحظات مُثقلّة بأحلام وطنية و قومية ضائعة
أيعقل أن يبحث عن الدفء هارباً من الوطن
فيرتطم بصقيع الوطن ؟؟؟
تائهاً مُبعثراً بين السطور , يتصبّب قلقاً
تعثّر أسفل صفحة لاحقة بجملة :
" العتاب هزلي في السفن الغارقة "
تِلْكَ الجملة الأخيرة بدَت لهُ غامضة , طوقتهُ , تركتهُ مُعلقاُ بعلامات الإستفهام :
لِمَ إختارت كتاب " الرقص مع البوم " لِتسجيل خواطرها ؟
لِغلافه المُثير ؟
أو لِعشقها لِتلْك الطيور الليلية و إشتهائها للرقص و مباهج الفرح البريء ؟
تُراها تُهديني أحلاماً مؤجلة ؟
أم تُحضرني لخيبة موجعة أُطالعها في كتاب
أم تُهيئني لِغياب ؟؟
واصل بحيرة و سخط :
سيدتيّ ,
هل تتحدثين عن الماضي , عن الحاضر أم عن المستقبل ؟
أرجو أن تُراقبي ذاكرتك فأنتِ بهذا تخلطين الأُمور ...
توقع أن تنتشلَه من أنين الحيرة المرير , لكنها
حتماً لم تفعل , بل أوغلت في صمت الإرباك تاركة القلم يشهر في وجهه جملتها :
" ... و أزحفُ إلى صدفتي كما ينبغي
و أُوغل في صمتي كما يليق "
علا صوته بنبرة أسى :
- يا لأُنثى بحجة إسعادك
تُحرّض عليك الحزن في كتاب
يا لحزني الجميل
عاد لقراءة الصفحات , شعر و كأنها دَسَّت خنجراً بين الحروف لِتطعن شخصاً وحدها تعرفه ...
أربكتهُ تِلك الرموز الهائلة , إنتابهُ هاجس التفاصيل و فك شيفرة ذاكرتها
تُربكهُ تِلك النقاط الكثيفة التي أمعنت في وضعها عند نهاية كل خاطرة ...
دائماً تُنهي جملتها بنقاط صمت , صمت مُؤقت و كأنها قد تعود إليها فيما بعد لِتواصل كتابتها في كتاب لاحق , في رقصة لاحقة
أو في ميتة مُتربصة , دوماً !!
داهمتهُ إحدى مُطالعاته من كتاب أمثال الزمان لإبراهيم الكوني :
" الإنسان طلسم , و لن يُكتب الهناء لإنسان
لم يفلح في فك الطلسم "
طوقتهُ مقولة أُخرى :
" من لم يفلح في فك طلسمه , فقد عبَر لكنه لم يحيا "
إنتفض مُرتعباً , قال :
- هل أنا القصيدة ,
أم عابر بين الرموز ؟؟
القلم الأسود يمضي في خرائب الموت , يصرخ في وجهه :
" الميتات تتكرّر ... "
وسط عذاب الموت يلمس إشارة أُخرى :
" الفراق موت لكن الفراق حرية و الحرية حياة
الموت السعيد كان دائماً ثمن الحرية "
قال القلم الأسود بأسى :
" هل هناك موت سعيد أو فراق بهيّ ... سيدتيّ ؟ "
بحثَ عن وهج يُذيب صقيع تِلك الجُمل المُكفنّة بالبياض , قلب الصفحة إلى الوراء , قفز عمداً عن السطور , قرأ :
" الشموع الأياريّة تُشرق تتعانق بذراعيها
تحتفل بطيورها كما يليق "
عانق السطور بولع , سطعت روحه بومضات بهجة , تدثّر بوشاح الورد للأُمنيات بوشاح الفرح المعطوب
تابع القلم العزف :
" للظلام فضل على حُبنا
فلولاه لما عشقت ضوء حضورك في عتمتي "
أضاف الأسود :
" ظلامنا مُشرق بأنوار سرمديّة "
تتناوب عليه الجُمل حسب تقلبات القدر , تُمطره بخيبات مُتلاحقة
لِيُدرك أن الزمن الجميل ولىّ
و هو في حضرة كلمات لن تتكرّر و لو مُصادفة .
إرتمى على الأريكة المجاورة للسرير ليتلقى سهام قدر أخرق :
" حكمة شعب البوم
الطيور الليلية لا تطعن من الخلف في سلسلة الظهر
بل مواجهة , في الصدر مباشرة ً "
تلمّس السطور بِيد مرتجفة , فاصطدم بخاطرة أُخرى , قرأها مُدارياً امتعاضه :
" حين تكون من شعب البوم
عليكً أن تخلع عنكً قناع الشراسة المُقنعّة
علك أن تبتعد عن الصفعات المُهذبة
إصفع , صوِّب سهمك في عين البوم مباشرةً
كُن شفافاً شرساً كعين بوم , كُن جديراً بقوم البوم
تذكَّر أني أُنثى تكره الإهانات المهذبة !!! "
السطور بدَت جليّة واضحة , الرموز مخطوطة بقلم أسود شرس دقيق , لكن الخوف منعَهُ من قراءتها , أو بالأحرى تغافل عن تعرية معالمها .
الخوف دفعَهُ لإلتقاطها مُشوشة غير مقروءة , إختلط داخله الشعور بالأسى , الخجل و الضآلة
جهدت ملامح وجهه على إخفائها وراء إبتسامة مُحايدة لا لون لها , لا هي أبتسامة رضى و لا إبتسامة سخط
لكن الهروب من مواجهة الشىء ألا يُؤدي إلى الجفاء و التشتت ؟
اليد الأرستقراطية تُداعب وجه الكتاب و كأنها تُداعب وجه حبيبة ,
الحواس إبتهجت , رائحة عطر تستعمر الأوراق و رائحة بهجة عارمة خلقها ذلك الغلاف الكاريكاتوري ...
ضحك عالياً , ضحك طويلاً
علا صوته باندهاش جميل :
- يا لأُنثى تنثر عطرها أينما حلَّت
يا لعطر يعبث بأعماقٍ مُحتلّة ...يا لعقابي الجميل
أُنثى تجلس على الكرسي المُقابل لِدهشته , تُراقبه بهدوء مُفرط , تُشعل غليونها المُعطّر و تنفث الدخان في أرجاء روحه المبعثرة
و يدها الصديقة تُسرِّح شعرهُ , مُبتسمة قالت :
- " الفرح يليقُ بحضرتك "
و كأنها تُلقي عليه تحيّة مسائية ,
و الحواس ترتشف زجاجة العطر الأنثوي في لحظة واحدة حتى الثمالة .
يسترخي على السرير مُستغرقاً في قراءة كتاب مكتوب بقلمين , ككمان يتناوب عليه عازفان يُقسِّمان ببراعة مقطوعة موسيقية .
تبدأ الكاتبة بعزف منفرد , و تُكمل العازفة الأُخرى عزفها بقلم واثق , ثمّ يتركنًّ الكمان جانباً لِيواصل القلم نقاطاً أو علامات إعجاب بعد كل خاطرة ...
تصفّح الصفحة الأولى بفضول , قرأ مقولة جورج ميردث :
" جميلة هي انحناءات البوم الأبيض و تكويراته
و هو يتماوج في الغسق , المشع بنجمته الكبيرة "
أسفل المقولة , تستوقفه مقولة بقلم آخر :
" جميلتان هُما عينايّ و هُما تتسعان دهشة و ذهولاً أمام بشاعات العالم
تماماً كعينيّ بومي الجميل !!! "
تابع القراءة بشغف , غرق في عوالم يرقص لها الخيال على نغمات الدهشة , الإثارة و التوق إلى الإكتشاف .
" هل شاهدْتَ مرة بومة في سيرك ؟
هل شاهدت مرة بومة مُستقرّة في قفص تُغرِّد لِذلها ؟ "
تابع القلم الأسود العزف :
" شاهدتُ بومة تُصطاد و تُحنَّط لِتُعلّق فوق جدار
لكن قولوا لي من يجرؤ على استضافة بومة محنطة في بيته
دون أن يشعر بالشؤم ؟!
لهذا هي مخلوق يستعصي على التدجين حتى بعد موتها !!! "
كان سيبدي إعجابه بالأديبة , بإبداعاتها لو لم يكن ذهنه مبهوراً بكتابات الكاتبة الأُخرى , في انتقائها معزوفة وجع ساخر , في ما تُضيفه تبتكره من جمل بصيغة أجوبة رائعة
ضحكت السيدة " الأديبة " بلا إكتراث , و ألقت جملتها في وجهه :
" أثقلتك بأحزاني الشخصية و أنت بلا ذاكرة
كورقة بيضاء
لا تقلق , سأبعثك حياً في روايتي القادمة "
واصل القلم الآخر و بالأسود دوماً :
" لا تقلق , سأبعثك حُراً
فمن العبث إبقاء بوم زئبقي إلى مأدبة عامرة بالقلق و التمزّق "
التحيّة المسائية تلاشت تدريجياً , و معها تلاشت ذبذبات البهجة .
إصطدم بسطور قاتمة و عتاب عارم مدفون تحت أشلاء الكلمات , شعر بعجز فكره عن تلمّس معالمها . حاول التعمّق في الفهم , تابع القراءة بحذر :
" إنْ شاهدت رأسي ينزف على طرف رصيف باريسي
أتركه ينتحب أحزانه تحت المطر
و لا تلتقطه و تحنطه و تعلقه على جدار غرفتك "
دقّق في الكلمات أسفلها كُتِب :
" إن شاهدت رأسي ينزف على طرف الجسر
أتركه ينتحب قهره
لا تلتقطه و لا تُعلقه على جدار روحك ! "
القامة النحيلة تهاوت على جملة أُضيفت أسفل الصفحة :
" تزوجت من خيبتها
و أنجبت عدة كتب , و دمعة سرّية "
واصل الأسود :
" تزوجت من خيبتها الشاهقة
و أنجبت كتاباً معطوباً , ودمعة مُكابرة ! "
نزلت الجملة عليه كالصاعقة , كاد يجهش إعتذاراً عن الحلم المهدور , الضائع
فوجىء بصفحات تحمل مآسي الوطن و فجائع الأُمة , دوّنت عليها ملاحظات مُثقلّة بأحلام وطنية و قومية ضائعة
أيعقل أن يبحث عن الدفء هارباً من الوطن
فيرتطم بصقيع الوطن ؟؟؟
تائهاً مُبعثراً بين السطور , يتصبّب قلقاً
تعثّر أسفل صفحة لاحقة بجملة :
" العتاب هزلي في السفن الغارقة "
تِلْكَ الجملة الأخيرة بدَت لهُ غامضة , طوقتهُ , تركتهُ مُعلقاُ بعلامات الإستفهام :
لِمَ إختارت كتاب " الرقص مع البوم " لِتسجيل خواطرها ؟
لِغلافه المُثير ؟
أو لِعشقها لِتلْك الطيور الليلية و إشتهائها للرقص و مباهج الفرح البريء ؟
تُراها تُهديني أحلاماً مؤجلة ؟
أم تُحضرني لخيبة موجعة أُطالعها في كتاب
أم تُهيئني لِغياب ؟؟
واصل بحيرة و سخط :
سيدتيّ ,
هل تتحدثين عن الماضي , عن الحاضر أم عن المستقبل ؟
أرجو أن تُراقبي ذاكرتك فأنتِ بهذا تخلطين الأُمور ...
توقع أن تنتشلَه من أنين الحيرة المرير , لكنها
حتماً لم تفعل , بل أوغلت في صمت الإرباك تاركة القلم يشهر في وجهه جملتها :
" ... و أزحفُ إلى صدفتي كما ينبغي
و أُوغل في صمتي كما يليق "
علا صوته بنبرة أسى :
- يا لأُنثى بحجة إسعادك
تُحرّض عليك الحزن في كتاب
يا لحزني الجميل
عاد لقراءة الصفحات , شعر و كأنها دَسَّت خنجراً بين الحروف لِتطعن شخصاً وحدها تعرفه ...
أربكتهُ تِلك الرموز الهائلة , إنتابهُ هاجس التفاصيل و فك شيفرة ذاكرتها
تُربكهُ تِلك النقاط الكثيفة التي أمعنت في وضعها عند نهاية كل خاطرة ...
دائماً تُنهي جملتها بنقاط صمت , صمت مُؤقت و كأنها قد تعود إليها فيما بعد لِتواصل كتابتها في كتاب لاحق , في رقصة لاحقة
أو في ميتة مُتربصة , دوماً !!
داهمتهُ إحدى مُطالعاته من كتاب أمثال الزمان لإبراهيم الكوني :
" الإنسان طلسم , و لن يُكتب الهناء لإنسان
لم يفلح في فك الطلسم "
طوقتهُ مقولة أُخرى :
" من لم يفلح في فك طلسمه , فقد عبَر لكنه لم يحيا "
إنتفض مُرتعباً , قال :
- هل أنا القصيدة ,
أم عابر بين الرموز ؟؟
القلم الأسود يمضي في خرائب الموت , يصرخ في وجهه :
" الميتات تتكرّر ... "
وسط عذاب الموت يلمس إشارة أُخرى :
" الفراق موت لكن الفراق حرية و الحرية حياة
الموت السعيد كان دائماً ثمن الحرية "
قال القلم الأسود بأسى :
" هل هناك موت سعيد أو فراق بهيّ ... سيدتيّ ؟ "
بحثَ عن وهج يُذيب صقيع تِلك الجُمل المُكفنّة بالبياض , قلب الصفحة إلى الوراء , قفز عمداً عن السطور , قرأ :
" الشموع الأياريّة تُشرق تتعانق بذراعيها
تحتفل بطيورها كما يليق "
عانق السطور بولع , سطعت روحه بومضات بهجة , تدثّر بوشاح الورد للأُمنيات بوشاح الفرح المعطوب
تابع القلم العزف :
" للظلام فضل على حُبنا
فلولاه لما عشقت ضوء حضورك في عتمتي "
أضاف الأسود :
" ظلامنا مُشرق بأنوار سرمديّة "
تتناوب عليه الجُمل حسب تقلبات القدر , تُمطره بخيبات مُتلاحقة
لِيُدرك أن الزمن الجميل ولىّ
و هو في حضرة كلمات لن تتكرّر و لو مُصادفة .
إرتمى على الأريكة المجاورة للسرير ليتلقى سهام قدر أخرق :
" حكمة شعب البوم
الطيور الليلية لا تطعن من الخلف في سلسلة الظهر
بل مواجهة , في الصدر مباشرة ً "
تلمّس السطور بِيد مرتجفة , فاصطدم بخاطرة أُخرى , قرأها مُدارياً امتعاضه :
" حين تكون من شعب البوم
عليكً أن تخلع عنكً قناع الشراسة المُقنعّة
علك أن تبتعد عن الصفعات المُهذبة
إصفع , صوِّب سهمك في عين البوم مباشرةً
كُن شفافاً شرساً كعين بوم , كُن جديراً بقوم البوم
تذكَّر أني أُنثى تكره الإهانات المهذبة !!! "
السطور بدَت جليّة واضحة , الرموز مخطوطة بقلم أسود شرس دقيق , لكن الخوف منعَهُ من قراءتها , أو بالأحرى تغافل عن تعرية معالمها .
الخوف دفعَهُ لإلتقاطها مُشوشة غير مقروءة , إختلط داخله الشعور بالأسى , الخجل و الضآلة
جهدت ملامح وجهه على إخفائها وراء إبتسامة مُحايدة لا لون لها , لا هي أبتسامة رضى و لا إبتسامة سخط
لكن الهروب من مواجهة الشىء ألا يُؤدي إلى الجفاء و التشتت ؟
الآن هو في قلب الآتون , في وسط الدائرة يتلقى السهام :
" وحدهم الذئاب المُلقبون بالبشر يُطاردوننا بالأذى
وحدها أنيابهم الحادة تجرح , تُهشِّم , تُرديك قتيلا
وحدها الإهانات تقتل الشعوب "
وقف نظره المُرهق إلى خاطرة جانبية إلى يمين السطور , أدرك أنّه لم ينتبه إلى وجودها أثناء إنشغاله بقراءة السطور الأُولى :
" إذا كنت تعرف رعشة الكوابيس الاستثنائية ...
إذا كنت تُصافح حزني بأنفاسك , إذا كنت تقرأ
بشفتيك رعشة صوتي
تصير جديراً بالإنضمام إلى طيراني البومي الليلي "
خاطرة بالأسود أسفلها :
" إذا كنت تسمع همسي , أنيني , ضحكتي حين أصمت
و فك رموز لغتي
تصير جديراً بالإنضمام إلى روحي البومية !!! "
تابع السطور بعينين ذاهلتين , تائهتين
ذهوله يصرخ رافضاً هذا الخراب ,
- هل لديكِ شك ؟؟
و بومة الطيران الليلي لا تُجيب , حدقَّت إليهِ بنظرات زائغة ثُمّ أشاحت بوجهها تتفرّس في ما وراء النقاط :
" ... مقابر فاخرة
أنصابٌ تذكاريّة للأحلام المبتورة و القضايا الضائعة مُحنطّة في صناديق "
و خاطرة لاحقة :
" أُتقَّن قتل أحبابي على الورق , أوراقي كفن لأحبابي
و صناديقي مزارٌ لِبطاقات إحتفالية فاجرة الألوان
كتلك الأقنعة الصارخة التي كانوا يضعونها على وجوههم
و أُزيِّن شواهد القبور بزهور صفراء ذابلة تخليداً
أو إكراماً لكرنفالات الكذب التي طالما أتحفوني بِها "
سطور قادمة من أعماق كرنفال لِدفن الموتى أو عيد تذكاري للفقدان .
أغمضَ عينيه مُرتعباً , تحسَس قامته لِيتأكد من أنه نجا من كفن
أثناء ارتطامه بكرنفال دفن الأحياء الموتى , إكتشف أن الكتاب برسوماته الكاريكاتورية و غلافه المُبْهّج , ما هو إلاّ ديكورات مخادعة تضليليّة بقصد إخفاء ما هو أرهب من السهام المُتراشقة
كتاب ما هو إلاّ رسائل بريدية مُحملّة بالتحيات و الأشواق و الأماني المُتعثرة و الخيبات الكُبرى .
أنتَ من يتأمّل رسائل منثورة على شكل ألغام
عليك بكل شجاعة أن تُعطِّل إنفجارها من دون أن تفتك بِك
أنت من سقط في فخ الرموز المُفجعة في ثرائها
بعدما سقط في خدعة بهجة كتاب , لُغم كتاب !
لحظة فتحَ عينيه وجد الباب مُوارباً , فتحهُ بِحذر
و ها هي بقامتها النحيلة , و وجهها الأبيض الشاحب تبتسِّم لهُ إبتسامة قلقة ,
و تسأل بنبرة يسكُنها الحزن الحنين و الوجع :
- هل صادفت مرّة عيون الغزلان ؟
باغتَهُ السؤال
من خلال دهشته , سأل :
- أيّ غزلان ؟
- عيون الغزلان فاضحة الحزن
هل بتروا أعظم أحلامها ,
أسلبوها أغلى أصدقائها ؟؟
فقد صوته فجأة ,
تحسَّسَ قلادة فضيّة تتدلى من عنقه تحمل وسطها عينين تضجّان حزناً
راح يبحث داخلها عن ذكرى جميلة , عن حُلم مؤجّل , فاصطدم بحزن مُثقل بالخذلان .
إستوقفتهُ بِنبرة حزن ساخر :
- طفلي , لا تُتعب نفسك
لا شىء يستحق أن تُداهم عيناك الرائعتان حزن المنافي
لا شىء يستدعي أن تُعكّر ضياء عينيك و صفوة مزاجك بهمِّ العُمر و وجع الطعنات
قاطعها غاضباً :
- غاليتي , كوني أُنقِّب , أحترق , أتشظى
أُريد أن أعرف ما حجم المقبرة التي تحملينها داخلك ؟
ردَّت بإبتسامة هادئة :
- تشبّث بجمال روحك المرحة
فالمرَح جناح المرء
هو سلاحك الأوحد في وجهِ تِلك الحياة المُفجعة
لا تُقلِّع عن ذلك الفرح العابر ,
الذي لا يترك وشماً في الذاكرة
بعد شيء من الصمت , صمت الخيبة
أعاد طرح سؤاله بصيغة أُخرى :
- إكراماً للأحلام الشاهقة غير المُكتملَة
إخلعي عنكِ قناع اللؤم و ضباب اللغة و فوضى المشاعر , في حضرتي ؟!
أجابت بنبرة فائقة السخرية :
- أعدُكَ أنيّ سوف أُصدر مُلحقاً , أرتدي فيه ثوباً واضحاَ من الخواطر
... خصيصاً لحضرتك !
أي سؤال إضافي بدا لهُ عبثياً بعد تِلك الجملة الماكرة المُغلقة .
تراجع خطوة و أغلق الباب وراءه ,
كيف يُمكن أن يطرق باب أُنثى ثملة بهذا القدر من الحزن المُكابر ؟
كيف يُمكن أن يُوقف قلماً يمضي في خرائب هذا العُمر المُدمىَّ ؟
قال ساخراً و هو يستعمل لُغتها :
أهي التي خطَّت تِلك الخاطرة :
" أيدي الأطفال اليتامى لا تبقى باردة في الربيع ,
في الصيف , الخريف و الشتاء
بل في جميع الفصول "
يبدو أنَّ أيادي الأطفال اليتامى لا تبقى باردة في موسم الصقيع ,
بل تكون بلون الأُرجوان تحترق و تُحرِّق !!!
" وحدهم الذئاب المُلقبون بالبشر يُطاردوننا بالأذى
وحدها أنيابهم الحادة تجرح , تُهشِّم , تُرديك قتيلا
وحدها الإهانات تقتل الشعوب "
وقف نظره المُرهق إلى خاطرة جانبية إلى يمين السطور , أدرك أنّه لم ينتبه إلى وجودها أثناء إنشغاله بقراءة السطور الأُولى :
" إذا كنت تعرف رعشة الكوابيس الاستثنائية ...
إذا كنت تُصافح حزني بأنفاسك , إذا كنت تقرأ
بشفتيك رعشة صوتي
تصير جديراً بالإنضمام إلى طيراني البومي الليلي "
خاطرة بالأسود أسفلها :
" إذا كنت تسمع همسي , أنيني , ضحكتي حين أصمت
و فك رموز لغتي
تصير جديراً بالإنضمام إلى روحي البومية !!! "
تابع السطور بعينين ذاهلتين , تائهتين
ذهوله يصرخ رافضاً هذا الخراب ,
- هل لديكِ شك ؟؟
و بومة الطيران الليلي لا تُجيب , حدقَّت إليهِ بنظرات زائغة ثُمّ أشاحت بوجهها تتفرّس في ما وراء النقاط :
" ... مقابر فاخرة
أنصابٌ تذكاريّة للأحلام المبتورة و القضايا الضائعة مُحنطّة في صناديق "
و خاطرة لاحقة :
" أُتقَّن قتل أحبابي على الورق , أوراقي كفن لأحبابي
و صناديقي مزارٌ لِبطاقات إحتفالية فاجرة الألوان
كتلك الأقنعة الصارخة التي كانوا يضعونها على وجوههم
و أُزيِّن شواهد القبور بزهور صفراء ذابلة تخليداً
أو إكراماً لكرنفالات الكذب التي طالما أتحفوني بِها "
سطور قادمة من أعماق كرنفال لِدفن الموتى أو عيد تذكاري للفقدان .
أغمضَ عينيه مُرتعباً , تحسَس قامته لِيتأكد من أنه نجا من كفن
أثناء ارتطامه بكرنفال دفن الأحياء الموتى , إكتشف أن الكتاب برسوماته الكاريكاتورية و غلافه المُبْهّج , ما هو إلاّ ديكورات مخادعة تضليليّة بقصد إخفاء ما هو أرهب من السهام المُتراشقة
كتاب ما هو إلاّ رسائل بريدية مُحملّة بالتحيات و الأشواق و الأماني المُتعثرة و الخيبات الكُبرى .
أنتَ من يتأمّل رسائل منثورة على شكل ألغام
عليك بكل شجاعة أن تُعطِّل إنفجارها من دون أن تفتك بِك
أنت من سقط في فخ الرموز المُفجعة في ثرائها
بعدما سقط في خدعة بهجة كتاب , لُغم كتاب !
لحظة فتحَ عينيه وجد الباب مُوارباً , فتحهُ بِحذر
و ها هي بقامتها النحيلة , و وجهها الأبيض الشاحب تبتسِّم لهُ إبتسامة قلقة ,
و تسأل بنبرة يسكُنها الحزن الحنين و الوجع :
- هل صادفت مرّة عيون الغزلان ؟
باغتَهُ السؤال
من خلال دهشته , سأل :
- أيّ غزلان ؟
- عيون الغزلان فاضحة الحزن
هل بتروا أعظم أحلامها ,
أسلبوها أغلى أصدقائها ؟؟
فقد صوته فجأة ,
تحسَّسَ قلادة فضيّة تتدلى من عنقه تحمل وسطها عينين تضجّان حزناً
راح يبحث داخلها عن ذكرى جميلة , عن حُلم مؤجّل , فاصطدم بحزن مُثقل بالخذلان .
إستوقفتهُ بِنبرة حزن ساخر :
- طفلي , لا تُتعب نفسك
لا شىء يستحق أن تُداهم عيناك الرائعتان حزن المنافي
لا شىء يستدعي أن تُعكّر ضياء عينيك و صفوة مزاجك بهمِّ العُمر و وجع الطعنات
قاطعها غاضباً :
- غاليتي , كوني أُنقِّب , أحترق , أتشظى
أُريد أن أعرف ما حجم المقبرة التي تحملينها داخلك ؟
ردَّت بإبتسامة هادئة :
- تشبّث بجمال روحك المرحة
فالمرَح جناح المرء
هو سلاحك الأوحد في وجهِ تِلك الحياة المُفجعة
لا تُقلِّع عن ذلك الفرح العابر ,
الذي لا يترك وشماً في الذاكرة
بعد شيء من الصمت , صمت الخيبة
أعاد طرح سؤاله بصيغة أُخرى :
- إكراماً للأحلام الشاهقة غير المُكتملَة
إخلعي عنكِ قناع اللؤم و ضباب اللغة و فوضى المشاعر , في حضرتي ؟!
أجابت بنبرة فائقة السخرية :
- أعدُكَ أنيّ سوف أُصدر مُلحقاً , أرتدي فيه ثوباً واضحاَ من الخواطر
... خصيصاً لحضرتك !
أي سؤال إضافي بدا لهُ عبثياً بعد تِلك الجملة الماكرة المُغلقة .
تراجع خطوة و أغلق الباب وراءه ,
كيف يُمكن أن يطرق باب أُنثى ثملة بهذا القدر من الحزن المُكابر ؟
كيف يُمكن أن يُوقف قلماً يمضي في خرائب هذا العُمر المُدمىَّ ؟
قال ساخراً و هو يستعمل لُغتها :
أهي التي خطَّت تِلك الخاطرة :
" أيدي الأطفال اليتامى لا تبقى باردة في الربيع ,
في الصيف , الخريف و الشتاء
بل في جميع الفصول "
يبدو أنَّ أيادي الأطفال اليتامى لا تبقى باردة في موسم الصقيع ,
بل تكون بلون الأُرجوان تحترق و تُحرِّق !!!
خلفَ الباب المُوصد , تسلّق صمتاً شاهقاً و هو يرصد كرنفال العبث
لأُنثى أنْهَت للتوّ دفن أحلامها الكبرى , هاربة من مهرجانات الكذب
راح يتأملها و هي تستعين بشريطٍ صوفيٍّ لِتُكمِل طقوس حدادها .
إلتصق بالباب راصِداً ذبذبات اللحن المُنبعث على إيقاع الدفوف , وجد نفسهُ أمام
" عابد عاذرية " . يُغني قصيدة عمر الخيام :
" ما حيلتي ما اقتداري
حكم رب الأفلاك في الكون جاري
كل عمري كالماء في الأنهارِ
أو كريحٍ حيرانةٍ في الصحاري
يا حبيبي ... يا حبيبي ... يا حبيبي
فبأوراق كرمةٍ كفنوني
و بِكرمٍ من الدوالي إدفنوني ... يا حبيبي
و اغسلوني بالخمر صِرفاً سُلافاً
سلسبيلاً
صفواً زُلالاً حلالا ... يا حبيبي يا حبيبي "
أشعل سيجارة و قال بشيء من العصبية :
يا لأُنثى تذهب إلى أبعد نقطة في تعذيب النفس
يا لأُنثى مازوشية بتفوق
أخشى عليكِ من مازوشية تسكنك !!!
... من مازوشية تسكنك
لِمْ تُجب
فاستبدَّ بالمكان الصوت مُنشداً قصيدة " الهواء و الرّيح "
خانِقاَ شهوة إلى النواح ,
شهوة مُميتة إلى البكاء .
الثالثة و النصف فجراً ,
إنتهى زمن الغارات الوهمية , توقف القصف العشوائي
لِيخلف أجساداً مطروحة أرضاً و زعيق سيارات إسعاف تهرّع لإنتشال جثث الضحايا .
آخر صفحات الكتاب ثمة صور تذكارية تجمع قبيلة من طيور البوم , يصطفون في باحة الجامعة يتلوّن نشيدهم الخاص , طلاب يؤدون نشيد الصباح
و أنتَ في حالة ذهول شارد تتأمّل اللوحات , تُدقّق في أسمائها :
" بومة الحزن المسعور , بومة الإنكسارات , بومة الوفاء , بومة الدهشة ,
بومة شرسة , بومة مُتكبرّة , بومة التحليق , بومة الحرية , بومة القهر الموحّد ,
بومة مزاجيّة , بومة الياسمين , بومة الأُنوثة , بومة الأسرار , بومة مُكابرة ,
بومة الذهول , بومة الهذيان " .
عيناه تستيقظان مذعورتان لتقرآن النشيد :
" أعلى , أكبر , أقوى "
شعار أميركي شهير و نشيد لإحدى الجامعات في الولايات المتحدة ,
يُعبِّر عن روح البلد و المناخ النفسي لحضارتها .
و أسفل الشعار نشيد آخر يُبدع في التعبير عن الذات ,
تعتريه رغبة مُلحّة في البكاء و هو يُجاهد لمواصلة القراءة :
" أعذب .. أنقى .. أرقى "
هو شعار و نشيد شعب البوم ,
و أسفل الشعار توقيع لبومة الليل .
تسلّل إلى ذهنه شعار بني نصر آخر ملوك غرناطة المُسلمين :
" لا غالب إلاّ الله "
راح يُتمتِم بقهر عارم :
لا غالب إلاّ القهر , لا غالب إلاّ القهر
اليد تتملّص من الكتاب بذريعة التعب , بعدما عاهدَهُ أن يعود إليه في وقت لاحق
إرتمى على سرير الخيبة , شاحب الوجه غائر العينين
عينان أعياهما الوقوف خلف أبواب مواربة , تدثَرت وسادة مُطفأة حيثُ لا دهشة ,
لا إنبهار و لا تساؤل
العاشرة و النصف صباحاً ,
صباح القلب المُتشظي , و الحواس المقلوبة رأساً على عقب
صباح القهر المفجع في سخائه
صباح الأحلام الشاهقة المبعثرة
صباح الأمزجة الغامضة المالحة كالبحر
فتح عينيه ببطء شديد , حوَّل نظره في أرجاء الغرفة ,
الشموع محنية الرؤوس فوق الطاولة المتواضعة , تتسلّق نظراته الكتاب المُستلقي
على الطاولة المجاورة لسريره ’ بدا لهُ مرهقاً لِفرط ما احتضنهُ و رغم جسده المُنهك بدا و كأنه ينتظر لهفة يديه لِتًهُما بفتحهِ و إقتحامه ...
عاود سماع دقات قلبه المضطربة , مدَّ يده إلى الطاولة , تناول الكتاب و همسً لهُ :
" ... نقشٌ كالوشم فوق صدري رغم أناشيك البومية "
تنهَّد بحرقة و هو يُلامس الغلاف الأُنثوي بِرفق ,
ثُمَّ راح يفتح الصفحات بشكل عشوائي
إستقبلهُ الكتاب بتحيّة صباحيّة :
" الفرح يليق بحضرتك "
إبتسَم لهُ بإرتياب , عاد إلى صفحة البداية فإذا هو أمام إهداءات بقلم الأديبة :
" إلى الذين يتحدون الأقاويل المُتوارثة عن الشؤم
و الخير و الشر و الحب و الحرية بعيون جديدة
إلى الذين يرفضون أن يكون عقلهم من ضحايا العبودية
الأفكارالسائدة و يُصرون على إعادة النظر في كل شيء
كما لو أن الكون جديدٌ في كل لحظة
إلى المبدعين العرب النادرين الذين يرون البوم
طائراً من مخلوقات الله و يرفضون التطيّر
و إلى المبدعين الغربيين الكثر الذين استوحوا
من جماليات البوم "
فوجىء بنسخة مختلفة عن نسخته , لم يعثر سوى على كتابا فرديّة ,
القلم الأول يحتّل جميع الصفحات قلب الصفحة مجدداً ,
فإذا به أمام مقولة " جون لوك " :
الأفكار الجديدة هي موضع شك دائماً ,
و تتم مقاوتها غالباً ,
لا لسبب إلاّ لأنها لم تصبح شائعة بعد ...
لأُنثى أنْهَت للتوّ دفن أحلامها الكبرى , هاربة من مهرجانات الكذب
راح يتأملها و هي تستعين بشريطٍ صوفيٍّ لِتُكمِل طقوس حدادها .
إلتصق بالباب راصِداً ذبذبات اللحن المُنبعث على إيقاع الدفوف , وجد نفسهُ أمام
" عابد عاذرية " . يُغني قصيدة عمر الخيام :
" ما حيلتي ما اقتداري
حكم رب الأفلاك في الكون جاري
كل عمري كالماء في الأنهارِ
أو كريحٍ حيرانةٍ في الصحاري
يا حبيبي ... يا حبيبي ... يا حبيبي
فبأوراق كرمةٍ كفنوني
و بِكرمٍ من الدوالي إدفنوني ... يا حبيبي
و اغسلوني بالخمر صِرفاً سُلافاً
سلسبيلاً
صفواً زُلالاً حلالا ... يا حبيبي يا حبيبي "
أشعل سيجارة و قال بشيء من العصبية :
يا لأُنثى تذهب إلى أبعد نقطة في تعذيب النفس
يا لأُنثى مازوشية بتفوق
أخشى عليكِ من مازوشية تسكنك !!!
... من مازوشية تسكنك
لِمْ تُجب
فاستبدَّ بالمكان الصوت مُنشداً قصيدة " الهواء و الرّيح "
خانِقاَ شهوة إلى النواح ,
شهوة مُميتة إلى البكاء .
الثالثة و النصف فجراً ,
إنتهى زمن الغارات الوهمية , توقف القصف العشوائي
لِيخلف أجساداً مطروحة أرضاً و زعيق سيارات إسعاف تهرّع لإنتشال جثث الضحايا .
آخر صفحات الكتاب ثمة صور تذكارية تجمع قبيلة من طيور البوم , يصطفون في باحة الجامعة يتلوّن نشيدهم الخاص , طلاب يؤدون نشيد الصباح
و أنتَ في حالة ذهول شارد تتأمّل اللوحات , تُدقّق في أسمائها :
" بومة الحزن المسعور , بومة الإنكسارات , بومة الوفاء , بومة الدهشة ,
بومة شرسة , بومة مُتكبرّة , بومة التحليق , بومة الحرية , بومة القهر الموحّد ,
بومة مزاجيّة , بومة الياسمين , بومة الأُنوثة , بومة الأسرار , بومة مُكابرة ,
بومة الذهول , بومة الهذيان " .
عيناه تستيقظان مذعورتان لتقرآن النشيد :
" أعلى , أكبر , أقوى "
شعار أميركي شهير و نشيد لإحدى الجامعات في الولايات المتحدة ,
يُعبِّر عن روح البلد و المناخ النفسي لحضارتها .
و أسفل الشعار نشيد آخر يُبدع في التعبير عن الذات ,
تعتريه رغبة مُلحّة في البكاء و هو يُجاهد لمواصلة القراءة :
" أعذب .. أنقى .. أرقى "
هو شعار و نشيد شعب البوم ,
و أسفل الشعار توقيع لبومة الليل .
تسلّل إلى ذهنه شعار بني نصر آخر ملوك غرناطة المُسلمين :
" لا غالب إلاّ الله "
راح يُتمتِم بقهر عارم :
لا غالب إلاّ القهر , لا غالب إلاّ القهر
اليد تتملّص من الكتاب بذريعة التعب , بعدما عاهدَهُ أن يعود إليه في وقت لاحق
إرتمى على سرير الخيبة , شاحب الوجه غائر العينين
عينان أعياهما الوقوف خلف أبواب مواربة , تدثَرت وسادة مُطفأة حيثُ لا دهشة ,
لا إنبهار و لا تساؤل
العاشرة و النصف صباحاً ,
صباح القلب المُتشظي , و الحواس المقلوبة رأساً على عقب
صباح القهر المفجع في سخائه
صباح الأحلام الشاهقة المبعثرة
صباح الأمزجة الغامضة المالحة كالبحر
فتح عينيه ببطء شديد , حوَّل نظره في أرجاء الغرفة ,
الشموع محنية الرؤوس فوق الطاولة المتواضعة , تتسلّق نظراته الكتاب المُستلقي
على الطاولة المجاورة لسريره ’ بدا لهُ مرهقاً لِفرط ما احتضنهُ و رغم جسده المُنهك بدا و كأنه ينتظر لهفة يديه لِتًهُما بفتحهِ و إقتحامه ...
عاود سماع دقات قلبه المضطربة , مدَّ يده إلى الطاولة , تناول الكتاب و همسً لهُ :
" ... نقشٌ كالوشم فوق صدري رغم أناشيك البومية "
تنهَّد بحرقة و هو يُلامس الغلاف الأُنثوي بِرفق ,
ثُمَّ راح يفتح الصفحات بشكل عشوائي
إستقبلهُ الكتاب بتحيّة صباحيّة :
" الفرح يليق بحضرتك "
إبتسَم لهُ بإرتياب , عاد إلى صفحة البداية فإذا هو أمام إهداءات بقلم الأديبة :
" إلى الذين يتحدون الأقاويل المُتوارثة عن الشؤم
و الخير و الشر و الحب و الحرية بعيون جديدة
إلى الذين يرفضون أن يكون عقلهم من ضحايا العبودية
الأفكارالسائدة و يُصرون على إعادة النظر في كل شيء
كما لو أن الكون جديدٌ في كل لحظة
إلى المبدعين العرب النادرين الذين يرون البوم
طائراً من مخلوقات الله و يرفضون التطيّر
و إلى المبدعين الغربيين الكثر الذين استوحوا
من جماليات البوم "
فوجىء بنسخة مختلفة عن نسخته , لم يعثر سوى على كتابا فرديّة ,
القلم الأول يحتّل جميع الصفحات قلب الصفحة مجدداً ,
فإذا به أمام مقولة " جون لوك " :
الأفكار الجديدة هي موضع شك دائماً ,
و تتم مقاوتها غالباً ,
لا لسبب إلاّ لأنها لم تصبح شائعة بعد ...
من خلف الباب المُوصد , من أعماق ضجيج الصمت
إنبثقَ صوت إخترق أعماق روحه :
- لستُ سوى قلم عابر ,
علَّقَ يأسه على كتاب مُقيم .
هرعَ إلى الباب مشدوداً , فتحهُ على مصراعيه
كاد يسأل :
أيحدث للقلم أن يترجَّل
لكن الصوت انطمس , غاب , انسحب على رؤوس أصابعه
ليخلفه مفجوعاً مُطوقاً بعذاب القصائد و صدى الصوت المُترامي ,
و حشرجة السؤال المبتور في حلقه .
الباب يُصدر صريراً حاداً شبيهاً بالبكاء ,
و لم يكن ثمةَ من يُخرس بكاءه .
ضيفاً على باب المكان
حدَّق حوله
حدَّق خلفه
أنصتَ إلى نبض الهواء
حدَّق في ضوء الصمت الكثيف
لا صوت يعلو
لا صوت يهبط ,
و لا رسالة من عبارتين صغيرتين .
فرغَ الفضاء من حرير الكلام , فرغت اللغة من صخَب السهام .
غابَ القلم الأسود ,
غاب لِيواصِل الكتابة في وطن آخر
يحفر فوق صخرة عتمة يأسه الباذخ
غاب لِيخّط سيرته في كتاب لاحق
في رقصة لاحقة ,
في ميتة مُتربصّة دوماً !
هبطَ طائر كرذاذ ضوء
رمى جناحه على دفتيّ الكتاب
إحتسى شاي الصباح , و جلس على رُكبتيه
لمَّع نظارتيه من شظايا المفردات ,
فهدأ هجس الإشارة و العبارة
أفرغ الروح من عبء القصائد ,
فهدأ إيقاع الذهول في الخلايا المضطربة
و هدأت إبر الشوك في الوريد , و حلًّ السلام .
الآن
على أبواب الروح الموصدة ,
و على مرأى الذاكرة الصامتة , الغائبة
صار بوسع الدهشة أن تُلقي تحيّة هادئة على كتاب البهجة ,
و تُعيد قراءة رسائل مخطوطة بضوء الفجر .
و أنتَ يا غريب علِّق ضحكتكً عالياً
إضحكْ , بقدر ما استطعتَ من صخب الضحكات
لأنكَ ,
لم تكن عابراً في القصيدة
كُنتَ , أنتَ حامِل سهام القصيدة !!!
إضحكْ أيُها الغريب
لأن لُغماً طائشاً , لم يصرعك
ضلَّ الطريق إليك , تعثَّر
من فرط زحام المفردات و صخب المعاني
لم يُصبْكَ ,
أصابَ سِواك
تابوتٌ حمَلَ مصرع سِواك .
( خواطر القلم الأول مأخوذة من كتاب " الرقص مع البوم " للأديبة غادة السمان )
إنبثقَ صوت إخترق أعماق روحه :
- لستُ سوى قلم عابر ,
علَّقَ يأسه على كتاب مُقيم .
هرعَ إلى الباب مشدوداً , فتحهُ على مصراعيه
كاد يسأل :
أيحدث للقلم أن يترجَّل
لكن الصوت انطمس , غاب , انسحب على رؤوس أصابعه
ليخلفه مفجوعاً مُطوقاً بعذاب القصائد و صدى الصوت المُترامي ,
و حشرجة السؤال المبتور في حلقه .
الباب يُصدر صريراً حاداً شبيهاً بالبكاء ,
و لم يكن ثمةَ من يُخرس بكاءه .
ضيفاً على باب المكان
حدَّق حوله
حدَّق خلفه
أنصتَ إلى نبض الهواء
حدَّق في ضوء الصمت الكثيف
لا صوت يعلو
لا صوت يهبط ,
و لا رسالة من عبارتين صغيرتين .
فرغَ الفضاء من حرير الكلام , فرغت اللغة من صخَب السهام .
غابَ القلم الأسود ,
غاب لِيواصِل الكتابة في وطن آخر
يحفر فوق صخرة عتمة يأسه الباذخ
غاب لِيخّط سيرته في كتاب لاحق
في رقصة لاحقة ,
في ميتة مُتربصّة دوماً !
هبطَ طائر كرذاذ ضوء
رمى جناحه على دفتيّ الكتاب
إحتسى شاي الصباح , و جلس على رُكبتيه
لمَّع نظارتيه من شظايا المفردات ,
فهدأ هجس الإشارة و العبارة
أفرغ الروح من عبء القصائد ,
فهدأ إيقاع الذهول في الخلايا المضطربة
و هدأت إبر الشوك في الوريد , و حلًّ السلام .
الآن
على أبواب الروح الموصدة ,
و على مرأى الذاكرة الصامتة , الغائبة
صار بوسع الدهشة أن تُلقي تحيّة هادئة على كتاب البهجة ,
و تُعيد قراءة رسائل مخطوطة بضوء الفجر .
و أنتَ يا غريب علِّق ضحكتكً عالياً
إضحكْ , بقدر ما استطعتَ من صخب الضحكات
لأنكَ ,
لم تكن عابراً في القصيدة
كُنتَ , أنتَ حامِل سهام القصيدة !!!
إضحكْ أيُها الغريب
لأن لُغماً طائشاً , لم يصرعك
ضلَّ الطريق إليك , تعثَّر
من فرط زحام المفردات و صخب المعاني
لم يُصبْكَ ,
أصابَ سِواك
تابوتٌ حمَلَ مصرع سِواك .
( خواطر القلم الأول مأخوذة من كتاب " الرقص مع البوم " للأديبة غادة السمان )
دانيه بقسماطي كتب:و أنتَ يا غريب علِّق ضحكتكً عالياً
إضحكْ , بقدر ما استطعتَ من صخب الضحكات
لأنكَ ,
لم تكن عابراً في القصيدة
كُنتَ , أنتَ حامِل سهام القصيدة !!!
إضحكْ أيُها الغريب
لأن لُغماً طائشاً , لم يصرعك
ضلَّ الطريق إليك , تعثَّر
من فرط زحام المفردات و صخب المعاني
لم يُصبْكَ ,
أصابَ سِواك
تابوتٌ حمَلَ مصرع سِواك .
كم هو فاجع وقت نهدُرُه برفقة أشخاص يسرقون مِنا الوقت بالمجان
يا أنتَ , يا من يروق لك أن تحيا في أحضان الكتب
عليكَ أن تُحسِّن إختيار صديقك الأوحد ,
صديق لا يخرجك منه مُعافى من ضربات مُفرطة لِنبضات القلب ,
و إرتفاع في ضغط الدم ..
تشعر و أنت في أحضانه أنكَ على شفير الجنون...
يا أنتَ , يا من يروق لك أن تحيا في أحضان الكتب
عليكَ أن تُحسِّن إختيار صديقك الأوحد ,
صديق لا يخرجك منه مُعافى من ضربات مُفرطة لِنبضات القلب ,
و إرتفاع في ضغط الدم ..
تشعر و أنت في أحضانه أنكَ على شفير الجنون...
اقتحمتُ قصتكِ المُذهلة دانيه, فُضولاً,
هاربا من قاموس الرتابة للكلمات...
ففتحتْ شهيتي لإحتضانها...
جلستُ في حضرتها خاشعاً عارياً من أثقال الحياة
ولكني لم استطيع أن أعرّي لغتها ,
و أفك شيفرة ذاكرتها...
كأني اراكِ تُحيكين حزناً..
لقد ورطتيني في تسلّق أبراج الأسئلة ,
و تركيني مُعلّقاً على قمة قهر شاهق....
بورك قلمكِ الذكي المتمكن
جو
هاربا من قاموس الرتابة للكلمات...
ففتحتْ شهيتي لإحتضانها...
جلستُ في حضرتها خاشعاً عارياً من أثقال الحياة
ولكني لم استطيع أن أعرّي لغتها ,
و أفك شيفرة ذاكرتها...
كأني اراكِ تُحيكين حزناً..
لقد ورطتيني في تسلّق أبراج الأسئلة ,
و تركيني مُعلّقاً على قمة قهر شاهق....
بورك قلمكِ الذكي المتمكن
جو
دانيه بقسماطي كتب:ضحكت السيدة " الأديبة " بلا إكتراث , و ألقت جملتها في وجهه :
" أثقلتك بأحزاني الشخصية و أنت بلا ذاكرة
كورقة بيضاء
لا تقلق , سأبعثك حياً في روايتي القادمة "
واصل القلم الآخر و بالأسود دوماً :
" لا تقلق , سأبعثك حُراً
فمن العبث إبقاء بوم زئبقي إلى مأدبة عامرة بالقلق و التمزّق "
التحيّة المسائية تلاشت تدريجياً , و معها تلاشت ذبذبات البهجة .
إصطدم بسطور قاتمة و عتاب عارم مدفون تحت أشلاء الكلمات ,
شعر بعجز فكره عن تلمّس معالمها
كاتبة كبيرة أنتِ دانية ومتمكنة من القص كتمكنكِ من القصيدة،
وبهذا الأسلوب الجذاب والسريع
استطعتِ أن تأخذي باللب وتكتمي نـَفـَس القارئ
فلا يتنفس إلا مع الإنتهاء
شكرا لكِ ولهذه التحفة الفنية
فاطمة
وبهذا الأسلوب الجذاب والسريع
استطعتِ أن تأخذي باللب وتكتمي نـَفـَس القارئ
فلا يتنفس إلا مع الإنتهاء
شكرا لكِ ولهذه التحفة الفنية
فاطمة
دانيه بقسماطي كتب:" إذا كنت تعرف رعشة الكوابيس الاستثنائية ...
إذا كنت تُصافح حزني بأنفاسك , إذا كنت تقرأ
بشفتيك رعشة صوتي
تصير جديراً بالإنضمام إلى طيراني البومي الليلي "
خاطرة بالأسود أسفلها :
" إذا كنت تسمع همسي , أنيني , ضحكتي حين أصمت
و فك رموز لغتي
تصير جديراً بالإنضمام إلى روحي البومية !!! "
يا لأُنثى تذهب إلى أبعد نقطة في تعذيب النفس
يا لأُنثى مازوشية بتفوق
دانيه
شدتني القصة من أولها إلى آخرها
قصة تفتك بالمتلقي، وتستعبده..
قالب أدبي ساحر، تصوير متلاحق...
ولغة سيطرت على المعاني كأنها تفرض ما تريد بدقة ومتانة..
لا أحب أن أدلل,
لكن النص يشهد على ذاته
و (المكتوب مبين من عنوانه)
ابجل قلمك الجميل المتمكن
مع المودة
وليم
شدتني القصة من أولها إلى آخرها
قصة تفتك بالمتلقي، وتستعبده..
قالب أدبي ساحر، تصوير متلاحق...
ولغة سيطرت على المعاني كأنها تفرض ما تريد بدقة ومتانة..
لا أحب أن أدلل,
لكن النص يشهد على ذاته
و (المكتوب مبين من عنوانه)
ابجل قلمك الجميل المتمكن
مع المودة
وليم
على القارىء أن يمر على السطور بحياد شال رمادي
كي لا يجد نفسه في حضرة قهر دسم ... نعم جورج العبيدي
يا سيد المملكة
أغفر لي امعاني في حثك لتسلق أبراج الأسئلة , سأحييك بمقولة الكوني
" السطر الأخير ليس الكلمة الأخيرة من الرواية
و لكنه كلمة السر في الرواية
اغفرر لي يا العزيز
دانيه
كي لا يجد نفسه في حضرة قهر دسم ... نعم جورج العبيدي
يا سيد المملكة
أغفر لي امعاني في حثك لتسلق أبراج الأسئلة , سأحييك بمقولة الكوني
" السطر الأخير ليس الكلمة الأخيرة من الرواية
و لكنه كلمة السر في الرواية
اغفرر لي يا العزيز
دانيه
فاطمة
يا صاحبة القلم الورديّ ... شكراً للتوغل في السطور و الرموز
و شكرا للنقطة التي وضعتها في نهاية السطر
لإستعادة الأنفاس
دانيه
يا صاحبة القلم الورديّ ... شكراً للتوغل في السطور و الرموز
و شكرا للنقطة التي وضعتها في نهاية السطر
لإستعادة الأنفاس
دانيه
وليم
لي , قلمٌ يهوى الكتابة بقلمين
هواية تستبّد بي , كلّما أدهشني كتاب
تقديري العالي للأديبة غادة السمان
أحييي ذلك الوقت الذي حملك لتُقيم و تتأرجح بين القلين أو العازفتين
دانيه
لي , قلمٌ يهوى الكتابة بقلمين
هواية تستبّد بي , كلّما أدهشني كتاب
تقديري العالي للأديبة غادة السمان
أحييي ذلك الوقت الذي حملك لتُقيم و تتأرجح بين القلين أو العازفتين
دانيه
دانيه بقسماطي كتب:الآن
على أبواب الروح الموصدة ,
و على مرأى الذاكرة الصامتة , الغائبة
صار بوسع الدهشة أن تُلقي تحيّة هادئة على كتاب البهجة ,
و تُعيد قراءة رسائل مخطوطة بضوء الفجر .
كعادتك في جميع كتاباتك تمسكي بالقارئ من أول وهلة
فلا يستطيع الإقلات أو الإنصراف..
قصتك هذه تركت أثرها السريع في المتلقي، ودفعته إلى التفكير..
أهنئكِ وأحييكِ..
مع خالص التقدير والمودة
سلمى
فلا يستطيع الإقلات أو الإنصراف..
قصتك هذه تركت أثرها السريع في المتلقي، ودفعته إلى التفكير..
أهنئكِ وأحييكِ..
مع خالص التقدير والمودة
سلمى
شكراً , سلمى لمرورك اللاحيادي
أعتّز بك قارئة و زميلة و صديقة عزيزة
و أغفري تأخري في الرد...
أعتّز بك قارئة و زميلة و صديقة عزيزة
و أغفري تأخري في الرد...
مواضيع مماثلة
» ذاكرة تهوى التسكّع ... في حدائق الهذيان " قصة قصيرة "
» في معصمها ... سِوار أو حصار ؟ " قصة قصيرة "
» في بيت نزار قباني " محمود درويش " من ديوانه الأخير " لا أٌريد لهذي القصيدة أن تنتهي "
» "فوجيتسو سيمنز كمبيوترز" تُطلق أول شاشة حاسوبية "صفرية الواط"
» "مار جرجس" تتوسط مدينة "الحسكة" القديمة
» في معصمها ... سِوار أو حصار ؟ " قصة قصيرة "
» في بيت نزار قباني " محمود درويش " من ديوانه الأخير " لا أٌريد لهذي القصيدة أن تنتهي "
» "فوجيتسو سيمنز كمبيوترز" تُطلق أول شاشة حاسوبية "صفرية الواط"
» "مار جرجس" تتوسط مدينة "الحسكة" القديمة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى