الأسطورة في شعر البياتي
صفحة 1 من اصل 1
الأسطورة في شعر البياتي
الأسطورة في شعر البياتي
لم يكن تبني شعراء الخمسينيات استخدام الاسطورة تقليد أعمى للغرب بل جاء ثمرة إحساسهم بالغربة والانسحاق تحت قيم الحضارة الغربية, خاصة وإن الإنسان في الشرق روحاني يؤمن بمنظومة من الأفكار والمعتقدات الخاصة, وكانت الاسطورة لديهم طموحاً
لتغيير العالم العربي, كما فعل اسلافهم في الجاهلية والإسلام, فوجدوا في الاسطورة تعبيراً عن صفاء الإنسان وبذلك عاد الشعراء إلى المنابع الأولى للإنسان المتمثلة في الأساطير.
والبياتي كان رائداً في عصره بما اختزنه من ثقافة عربية وغربية فعدَّ واحد من رواد الحداثة والتجديد, ثم طور اسلوبه بعد اغترابه الطويل فاتخذ من الأساطير والمقبوسات من التراث العربي والإسلامي والتاريخ القديم جسراً لتجسيد رؤياه الشعرية.. وكان أمله في تغيير الواقع ذلك القناع الذي اختاره وأهم شكل له (عشتار) الأم التي تفيض بحنانها على الكون وتساعد المحتاجين.
ومن حضارة بلاد الرافدين الآلهة (نانا) مصدر الخصب والخير.
وأحياناً تستنبط رموزاً تتصل بالتراث ولا وجود لها في الواقع (كعائشة) وهي رمز لحلم الشاعر حيث يرتبط اسمها بالتراث العربي الإسلامي, أو يستعير نصوصاً من كتابات دينية أو تعابير شعبية (ماحك جلدك مثل ظفرك) (يا سامعين الصوت) لكن دور المرأة الطاغي في شعره كان بارزاً فهي الشجرة التي يفيء إليها وإليها تتجه شكواه وعليها يقع القهر ثم على أطفالها..
وكثيراً ما يتجاوز البياتي استغلال الرموز والأقنعة ليوسع مدلولاتها الاسطورية ويمنحها دلالات ووظائف فوق ما قدمتها الأساطير أو التاريخ..
وقد اسهمت الاسطورة في منح شعر البياتي إيقاعاً تاريخياً وميثولوجيا غنياً ومعظم ما قدمه في شعره من أساطير ليس بعيداً عن ثقافة الإنسان العربي وذلك لبساطتها ووضوح دلالاتها وهو يبعث المعري من جديد:
يا رهين المحبسين
قم تر الأرض تغني
وردة حمراء والريح غناء
قم تر الأفق مشاعل
وفي هذا التوظيف يربط الشاعر الفكر التراثي (الماضي) وتطلعاته مع الجماهير ليوجه المسيرة لبعث الأمل الإنساني فهو ليس يائساً كالمعري ولا ينزوي كما فعل المعري يحبس نفسه هرباً من جور الحياة وقسوتها بل واجهها بجناحيه المشرّعين للشمس, يتطلع أبداً لتجديد الحياة وبعثها في مواجهة الموت والظلم.
وأحياناً يختار رموزاً سلبية من الحياة كنيرون وقيصر وفرعون.
أو كالشعراء المتكسبين الذين امتطوا الشعر لنيل الحظوة فيقول فيه:
رأيته مهرجاً في السوق
محمولاً على الأكتاف
في غاشية النهار
تبيعه... ببيعها من يشتري الأحجار.
أما عن أقنعة المدن ومراياها فإن البياتي ينفر من المدينة ويراها تجسيداً للاستغلال الطبقي وسحق الفقراء ومنها المدن المشهورة (بابل- نينوى- إرم ذات العماد).
وأنجح الأقنعة لديه (السندباد البحري) فهو جوّاب الآفاق يقطع البحار ويغامر لا ييأس لأنه مفعم بالأمل حتى لو طال الزمن.
ويستخدم أحيانآً لغة صوفية ورمزية وغموضها يأتي من القناع نفسه بأن يكون شخصية ذات فكر فلسفي كالهروري أو محيي الدين بن عربي.
ويزاوج الحلم بالواقع ليطل المستقبل كما يتخيله, مستقبل ينتصر فيه الفقراء بوحدة كفاحهم وتضامنهم.
غير أن الشاعر يدرك أن حلمه بعيد المنال, فينقلب به الحزن واليأس والمعاناة ويسلم روحه وهو أشد إيماناً بانتصار القيم الإنسانية, وعظمة الشاعر تكمن في بساطته وعمقه في أن معاً:
قصائدي بساطة العصفور وانتفاضة العبيد
وقصفة الرعود
وحسرة الربيع في جنائز الورود
وصرخة الإنسان في دوامة الوجود
بحق يستحق البياتي لقب رائد الشعر الحديث, فقد أجاد مزج كيمياء العصر في مخبره باعتدال, لم يبتعد عن روح الشعر العربي وإيقاعه ولغته.
اهتم بالأصالة والموروث الشعبي, مضمناً الاسطورة والتراث إبداعه الخالد.
بطاقة تعريف
ولد عبد الوهاب البياتي في بغداد عام 1926 م .
خريج قسم اللغة العربية عام .195 .
عمل مدرساً في العراق والجامعات الأوروبية.
عمل في السلك الدبلوماسي.
ترجمت أشعاره إلى معظم اللغات العالمية.
أعماله أربع وعشرون مجموعة شعرية.
ومسرحيتان... وعدة أعمال مترجمة.
كتب عنه دراسات عالمية متعددة.
مات في دمشق ودفن فيها عام 1999 م.
* * *
عن : الوحدة / أدب
شعبان سليم
الثلاثاء 27 / 3 / 2007
العبيدي جو- المديـر العــام
-
عدد الرسائل : 4084
تاريخ التسجيل : 28/08/2008
مواضيع مماثلة
» مجموعة عبد الوهاب البياتي - بستان عائشة
» البياتي والمرأة
» المعشوق والعاشق (أو محي الدين بن عربي - عبد الوهاب البياتي )
» جاءت معذبتي / سعدي البياتي
» حوار افتراضي مع الشاعر عبد الوهاب البياتي
» البياتي والمرأة
» المعشوق والعاشق (أو محي الدين بن عربي - عبد الوهاب البياتي )
» جاءت معذبتي / سعدي البياتي
» حوار افتراضي مع الشاعر عبد الوهاب البياتي
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى