البياتي والمرأة
صفحة 1 من اصل 1
البياتي والمرأة
البياتي والمرأة
نادراً ما تحدث البياتي عن المرأة مجردة من دلالتها.. امرأة من لحم ودم , وعنها يقول :
لقد بدأت قصتي مع النساء في عالمي الصغير عالم القرية والمدينة ,
ولا أزال أذكر حب الصبا الباكر الذي يبدأ بنظرة وينتهي بقبلة او بدمعة , ان ذلك العالم لا يزال هو الجحيم بعينه والذي مازلت احمله معي من منفى الى منفى , وكما كانت بدايات ذلك الحب بائسة , فكذلك كانت نهاياته , ايضا فكبرياء المسافر الى
مدينة العشق او مدينة المستقبل كانت عبئا قاتلا وحائلا بيني وبين السعادة التي كان يطمح اليها اي طفل صغير , فالقدح الذي صنعه ديك الجن من رماد حبيبته لكي يضمه اليه ويشرب فيه خمرته - لا يشاركه فيه وفيها احد .
كان هو قدحي المفضل لان كبرياء الطفل المحكوم بالاعدام او الحب كان تاج الشوك في خرائب طفولتي واطلالها المهجورة .
الحب الذي يتحدث عنه الشاعر هو حب الصبا والطفولة الذي ينشأ في الصغر ويختفي في سن النضج , كالنجم الهارب لا يظهر إلا ليختفي ولا يلمح الا لينطفئ , ليس هو الحب الذي يبحث عنه الشاعر - وعائشة - المرأة العادية , ليست هي التي يرنو اليها , ليست هي التي اسمها في اشعاره , وانما هي امرأة عابرة في حياته اختفت باختفاء أيام الصبا لذلك ارتبط حضورها في شعره عامة بالسلبية ومجيئها بالغياب او بالموت الذي لا تعقبه حياة .
عائشة التي ولدت طفلة في « ملائكة وشياطين » ترعى اليهم في ظل « جبل التوباد » ماتت شابة في احدى غرف مدن العالم بعيداً عن وطنها , وان كانت قد عادت إليه على شكل صفصافة او ناعورة , لقد اختفت بطلة اشعاره عائشة , لكن من يدري ذات يوم تبرق في عيون امرأة تتشح باللون الاحمر في اطلال بابل « وفي ابتسامة صبية فرعونية تنام مفتوحة العيون في رواق متحف القاهرة وقد استحالت الى كتلة شفافة من الحجر , عادت من جديد على شكل حبيبة حقيقية من لحم ودم , اسماها البياتي في القصيدة , لارا او هند .
ماتت عائشة في المنفى نجمة صبح صارت لارا وخزامى هند او صفاء ان « عائشة » المرأة الحبيبة التي يبحث عنها البياتي هي حبيبة عشقها « الخيام » لقد سافر هو وبقيت هي تنتظره في كل زمان ومكان لم تهجره او تخنه لم يهجرها او يخنها , لكنها عادت الى بلادها البعيدة على شكل صفصافة تبكي على الفرات .
ان عالم الحب الذي يريد الشاعر ان يأخذها اليه هو عالم ساحر ينطلق من الواقع ويتجاوزه ليرحل بنا الى عوالم رحبة اكثر طلاقة ذاك العالم الذي يحلم فيه الشاعر بحبيبته المتوجة « مليكة الملكات » .
تخرج رمزية المرأة بهذا المعنى من كونها رمزا ذاتيا لتتحول الى رمز جماعي , كما تتحول من امرأة عادية الى اسطورية ترمز الى الحب الابدي او الحب الأزلي الذي يخلق ليعيش ويموت ليبعث من جديد فيثير ما لا يتناهى من صور الوجود , انها تلك المرأة التي شيد لها البياتي قصرا على ضفاف قلبه وحديقة في جنان اشجاره سماها « بستان عائشة » فيه ترعرعت ونشأت لكنها « ماتت في المنفى » موتها لم يحتم اختفاءها من حياته , لأنها بعثت من جديد « انتهل من الفرات والنيل » مما اوجد علاقة جدلية بين الماء ممثلا ب¯ النيل والفرات والمرأة .
يقول البياتي « ماتت عائشة في المنفى » صارت «نيلا وفرات » لقد ربط بين حبيبته رمز الانبعاث والخصب والنماء وبين الماء الذي كان ولا يزال منبع الحياة ومحركها .
ويقول , كثيرا ما شبهت المرأة بالارض , بل هي « أمنا الارض » من هذا المنطلق تلتقي الحبيبة بالماء , فيحققان الموازنة على ارض الواقع , لتلبس الارض اجمل الاثواب معلنة سعادتها بقدوم الربيع .
* * *
عن : الوحدة / عالم ادب
الثلاثاء 6 / 3 / 2007
العبيدي جو- المديـر العــام
-
عدد الرسائل : 4084
تاريخ التسجيل : 28/08/2008
مواضيع مماثلة
» مجموعة عبد الوهاب البياتي - بستان عائشة
» الأسطورة في شعر البياتي
» المعشوق والعاشق (أو محي الدين بن عربي - عبد الوهاب البياتي )
» الشاعر الراحل عبد الوهاب البياتي
» حوار افتراضي مع الشاعر عبد الوهاب البياتي
» الأسطورة في شعر البياتي
» المعشوق والعاشق (أو محي الدين بن عربي - عبد الوهاب البياتي )
» الشاعر الراحل عبد الوهاب البياتي
» حوار افتراضي مع الشاعر عبد الوهاب البياتي
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى