الأصول الآرامية للكلمات المحكية في العامية الدمشقية – موسى الدمشقي
๑۩۩๑ المملكـــــــــــة الأدبيــــــــــــة ๑۩۩๑ :: الأدبيــة العـامـــة :: القصة والحكاية :: سمير روهم
صفحة 1 من اصل 1
الأصول الآرامية للكلمات المحكية في العامية الدمشقية – موسى الدمشقي
الأصول الآرامية للكلمات المحكية في العامية الدمشقية – موسى الدمشقي
مدخل تاريخي :
كانت مدينة دمشق في حوالي الألف الأول قبل الميلاد مملكة آرامية مستقلة، يتكلم أهلها بالآرامية وتحديدا لهجتها الجنوبية الغربية أو ما تدعى بالآرامية الفلسطينية، و مع بداية العصور الكلاسيكية اصطحب آلكساندر الأكبر معه أكثر من مئة ألف عائلة استقرت كلها في سوريا، وكان لدمشق حصة كبيرة من هذه الجالية اليونانية، وقد استقروا تحديدا في منطقتي باب شرقي وباب توما، بسبب وقوعهما على مقربة من الغوطة، و بعدهما عن الأماكن المتصحرة، وأما الآراميون فانحشروا بداخل المدينة، خصوصا في نواحي باب الجابية عند نهاية الشارع المستقيم، وهذا لا يعني بحال من الأحوال أن المنطقتين المذكورتين قد أهلتا بالسكان ابتداء من تلك الحقبة فقط، فمعلوم أن مناطق الاستيطان الأولى في دمشق كانت في الناحية الشرقية عند باب شرقي اليوم، وذلك اعتبارا من الألف السابع قبل المسيح، وذلك بعد فترة طويلة من انحسار بحيرة دمشق التي كانت تغطي مساحة المدينة الحالية نحو منطقة العتيبة حاليا، وفي الحقب الأقدم على ذلك كانت كهوف برزة تشكل في خط واحد مع بقية كهوف المنطقة الجبلية المحاذية لدمشق حتى صيدنايا و يبرود ملاذا لإنسان النياندرتال و بعد ذلك لإنسان الكهف عموما، وفي أواسط النيوليتيك بدأت الجماعات الجبلية باستيطان بعض المناطق شرقي دمشق، متوغلة بعمق في المنطقة الزراعية الخصبة التي تدعى الغوطة، وهو ذاته السبب كما أشرنا الذي دفع بالجاليات اليونانية في بداية العصور الكلاسيكية للاستيطان في هذه المنطقة، ومن ثمة حدث توسع للمباني في المنطقيتن اليونانيتين مع مجيء الجاليات الرومانية في القرن الأول قبل الميلاد، مع المحافظة على حدود شكل رقعة الشطرنج التي بنيت على مثالها منطقة باب توما مثلا، وهي طريقة إغريقية عريقة ومشهورة.
وبطبيعة الحال حدث تداخل طبيعي بين لغات السكان، لكن هذا لم يمنع من أن تتحول اللغة اليونانية إلى لغة تشبه وضع الفصحى اليوم : فهي لغة التعبير عن الثقافة..لغة الأدب، الشعر، الفلسفة، العلم..باختصار لغة الأنتلجنسيا السورية، إضافة إلى كونها لغة البرجوازية في تلك الفترة، أما في معظم مناطق سوريا فبقيت الآرامية لغة العامة من الناس والفلاحين تحديدا، و كانت المراكز الناشطة فلسفيا وعلميا في أفاميا وأنطاكية وحران وغيرها ذات صبغة يونانية شبه تامة، بيد أن ذلك ما كان ليشكل عائقا حقيقيا أمام تشكل فلسفة يونانية ذات قسمات أو ملامح سامية شرقية، متمثلة بالأفلاطونية المحدثة الشرقية، فبعد مضي خمسة قرون تقريبا على فتح ألكساندر لسوريا وبدء العصور الكلاسيكية كانت الأخيرة قد أصبحت مهيأة تماما للعب دورها المميز في الإنتاج الثقافي دون الاقتصار على التلقي السلبي، وقد برز أسم نومانيوس الأفامي كواحد من كبار الفلاسفة في الفترة الأنطونية ما بين 96 و 192 للميلاد، و فورفيريوس الصوري كاتب التاسوعيات الأفلوطينية المشهورة وكاتب سيرة حياة أفلوطين وأيضا الأنتي كريستو( انظر عن نومانيوس و فورفيريوس مثلا : تاريخ الفلسفة الهلنستية والرومانية- إميل برهييه –ترجمة الأستاذ جورج طرابيشي ص232و . 267 – بيروت 1988) و بقي هذا الدور في تزايد حتى اللحظة الأخيرة التي أصدر فيها الإمبراطور جستنيانوس في القرن السادس الميلادي قرارا بإغلاق مدرسة أثينا على ما يقوله الكاتب السوري يوحنا ملالا الأنطاكي، فقد كان في تلك المدرسة لحظة إصدار الأمر بإغلاقها، سبعة معلمين، خمسة منهم من سوريا الطبيعية، والآخران من كبدوكيا التي كانت تسمى سوريا قديما وحتى بشهادة هيرودوتس في القرن الخامس قبل الميلاد حين وضع تاريخه المميز (انظر هيرودوتس : الكتاب الأول : “كيلو” – ترجمة الملاح ، أبو ظبي 2001) وبالطبع كان على رأس أولئك المعلمين دمسقيوس (أي الدمشقي).
وفي رأينا لا يمكن أساسا اعتبار انضمام سوريا للعالم الهلنستي في تلك الفترة يحفل بأي جانب سلبي، بل على العكس تماما، فقد أتاحت لها هذه العضوية أن تشارك بكل قوة في هذا النادي الثقافي العالمي، و أن تنعم بخيرات عمرانية و معيشية وفيرة للغاية سيضن بها عليها التاريخ لاحقا( انظر للناحية العمرانية: آثار العالم (العربي) في العصرين الروماني واليوناني القسم الآسيوي-الدكتور زكي حامد قادوس الإسكندرية ط2 2000) وفي الأساس كان التداخل الثقافي واللغوي والتاريخي هو الجسر الذي عبرت عليه جيوش ألكساندر الطموح إلى سوريا، وقد كان الوجود السامي لا تكاد تخلو منه ناحية أو جزيرة في اليونان.
في فترة لاحقة و تحديدا في القرن الأول قبل الميلاد مدت روما يدها على سوريا وغيرها من المناطق لتلحقها بإمبراطوريتها، معتبرة نفسها الوريث الشرعي للعالم الهلنستي، ورغم اختلاف طبيعة معاملة الرومان للسكان عن السلوقيين لكن الشيء المضيء في هذه الفترة، هو قدرة بعض السوريين وحتى من العرب الموجودين في جنوبها الغربي على الوصول إلى أعالي السلطة في روما وهو كرسي الإمبراطورية، لقد شعر السوري حقا في تلك الفترة بأنه جزء من هذا العالم، شعر أنه ينتمي حقا لعالم الإمبراطورية المنيع، و على الرغم من المشكلة الفارسية إلا انه تقدم بحماسة ليحكم أكثر من نصف العالم القديم كإمبراطور، و كمواطن روماني، له حقوقه وعليه واجباته، وهذا لا ينفي وجود الأزمات وطيش بعض الأباطرة، وهذا ما ينسحب على كل أراضي الإمبراطورية وليس مناطق بعينها، فتيبيريوس هو ذاته الإمبراطور الذي أفسح المجال لتدمر كي تنمو بشيء من الخصوصية، وفي الوقت نفسه كان هو الإمبراطور السفاح الذي كان يلهو بالأحكام التعسفية والآثمة ضد أقاربه وشعبه في روما (انظر مثلا : الإمبراطور الرهيب تيبيريوس – إرنست ماسون – تعريب جمال السيد 1985 ) فالمقاطعات والمستعمرات والمدن العامرة كلها كانت معرضة للطيش وللعدل والحكمة في آن، إن الديمقراطية الرومانية هي التي أوصلت سورياً أو عربياً إلى حكم روما والعالم الروماني بالرغم من نزعة الأولى الشوفينية المشهورة، أما بالنسبة لمشكلة اضطهاد الطوائف الغير وثنية وعلى الأخص المسيحية بعد أن قضي على شوكة اليهودية تقريبا بالزلزال العسكري الذي ضرب أورشليم في عام 70 للميلاد على ما يذكر يوسيفوس، فقد كانت مشكلة المسيحية منذ البداية تتلخص في كونها ليست بديانة تقوم على أساس إثني كما تدعي اليهودية، وهذا ما جعل انتشارها يتم عن طريق تكوين نويات صغيرة متفرقة هنا و هناك في مختلف مقاطعات وأقاليم الإمبراطورية الرومانية، وكان أتباعها يصطدمون مع كل ما هو غير مسيحي وذلك منذ بدايتها تقريبا، و كان أصحاب الثراء من المسيحيين يستعملون نوعا من التقية ويقدمون القرابين للآلهة الوثنية ولا يزدرونها في العلن كما كان يفعل عامة المسيحيين، وهذا ما جعل هؤلاء يتعرضون للتعذيب و القتل والاضطهاد، وقد اصدر الإمبراطور الروماني دكيوس في عام 250م قرارا يلزم جميع الطوائف وليس فقط المسيحيين باحترام الآلهة الرومانية وتقديم القرابين إليها ويضع من يخالف القرار تحت طائلة الاضطهاد، فقنع اليهود بتقديم القرابين باسم يهوه، وبقي معظم المسيحيين على موقفهم مما أدى لفرار الكثير منهم الى الصحراء مبتدأين بذلك الرهبانية، أما البعض الآخر فقد آثروا السلامة، ثم ما لبثت فترة الاضطهاد بأن ولت، وذلك بعد إحدى عشر عاما حيث أصدر الإمبراطور جالينوس في عام 261 مرسوما يقضي بالتسامح والسماح للمسيحيين ببناء الكنائس والتعبد فيها، وحقهم في استرجاع ما صودر منهم من ممتلكات وأموال في فترة الاضطهاد، واستمرت هذه النعماء حتى مطلع عام 303 للميلاد، واعتلاء الإمبراطور دقلديانوس كرسي الإمبراطورية (انظر مثلا : تاريخ الإمبراطورية البيزنطية ج1 العقيدة والسياسة د.رأفت عبد الحميد القاهرة2000) وتعتبر هذه الفترة أسطورية بالنسبة للاضطهاد وهي الفترة العاشورائية بدلالتها الزمنية فقد امتدت عشر سنوات، ثم بالدلالة المآتمية على ما يحاول أن يؤكده يوسابيوس القيصيري في كتابه الموسوم بتاريخ الكنيسة (انظر عن فترة الاضطهاد بالتفصيل بحسب يوسابيوس شيخ مؤرخي الكنيسة : تاريخ الكنيسة – يوسابيوس القيصري- تعريب القمص مرقس داود القاهرة 1979) وانتهى كل هذا بالطبع باتفاق ميلانو بين قسطنتينوس و ليكينيوس الذي تضمن إعلان مبادئ حرية الأديان والاعتراف بشرعية المسيحية كدين معترف به فقط (رليجيو ليسيتا) لا الديانة الرسمية للإمبراطورية الرومانية كما يعتقد البعض..وهذا مما ورد في نص الاتفاق (…يمنح المسيحيين وسائر الناس الحرية، في إتباع ما ترضاه من الديانة نفوسهم، وأن لا يحرم أي إنسان من حرية الاختيار في إتباع عقيدة المسيحيين أو في اعتناق الديانة التي يراها متناغمة مع قلبه، حتى يتفضل علينا الرب جميعا بجميع نعمائه..) وذلك على الرغم من التسفيه والتحقير الذي كان يبديه مسيحيو تلك الفترة للآلهة الوثنية العريقة و القديمة في صورها وتماثيلها، وكذلك بالنسبة للتراث الهلينستي ككل، وقد كان مسيحيو سوريا وقتها على أشد الخصام مع الوثنية المحلية، وكذلك مع الفلسفة اليونانية التي كانت تدرس على نطاق واسع في مناطق مثل حران شمال سوريا، وقد أسماها السريان بـ هلينوبوليس أي مدينة اليونان، لما هي عليه من صبغة يونانية، ويخطئ البعض اذ يعتقد بأن أسم “سوريويو” أي السريان أو السوريين، قد أطلقه الآراميون على أنفسهم ممن اعتنقوا المسيحية، تمييزا لهم عن بقية الآراميين الوثنيين، ففي اعتقادي أن مفهوم السريانية ودلالته المسيحية جاء في وقت متأخر، خصوصا في وقت الانقسام المسيحي الذي لم يستثني في انقسامه حتى الجغرافيا،ثانيا بعد أن تحولت سوريا كلها للمسيحية تقريبا في القرن الرابع والخامس، جاء الإسلام في القرن السابع ليخترق هذه الخصوصية المنضبطة جغرافيا وثقافيا، فمن تحول منهم للثقافة العربية بعد اعتناقه الإسلام زالت بتحوله تلك الخصوصية عن ذريته مع مرور الوقت، فقد أصبح الأمر بالنسبة للسريان والمسيحية، كما هو حال الهند والهندوس، هذا من ناحية من ناحية ثانية فإن التسمية “آسيريا” التي أطلقها الفرس على هذه المنطقة، من الملاحظ أن المقصود بها بلاد الآشوريين، وهؤلاء كانوا قد فتحوا سوريا في القرن الثامن قبل الميلاد، أي قبيل قرون قليلة من الفتح الفارسي، موجهين بذلك ضربة قاضية تماما للممالك الآرامية فيها، وفي رأيي أن ذلك اقرب خصوصا أن الآشوريين كانت بلادهم التي من ضمن التسمية متاخمة لحدود الفرس في الشمال، وبرأيي أن مؤرخي اليونان وفي مقدمتهم هيرودوتس قد استعملوا اللفظة الفارسية كما هي، في فترة كانت سوريا فيها مشمولة بالإمبراطورية الفارسية، أما سوريويو، هي بالآرامية كما هو واضح.
على كل حال لم تكن دمشق بعيدة عن تلك الأجواء المختلطة وقد مرت بدورها عبر هذا النفق الكوزموبوليتاني المتعرج، تاركا أثره دون شك على ثقافتها ولغتها المحكية بالدرجة الأولى.
قد خرجت دمشق إلى فضاء عالمي أرحب بكل المقاييس. حتى بدأت المشكلة المذهبية المسيحية التي كانت السبب الرئيسي لنفور الشعب في سوريا من بيزنطة، لما لقوه من القتل و الإرغام ونقص في الحريات الطائفية،وقبيل الغزو العربي بفترات قصيرة، كان الوضع مهيأ تماما بالنسبة لغالبية السكان للتحالف مع الشيطان في سبيل الخروج عن بيزنطة، وهذا الشعور وهذه الثقة هي ما سوف يتغير تماما بعد قرون قليلة عقب سقوط الأمويين، الحلفاء السياسيين لثقافة سكان البلاد الأصليين، مع استثناءات بسيطة.
مشكلة المصادر العربية
كان للنزوحات المكثفة التي شهدتها بادية الشام والعراق انطلاقا من الجزيرة العربية قبيل الغزو العربي، أثرها على اللغة الآرامية، التي ربما بدأت بالاختلاط ببعض المفردات العربية على ألسن الناس، وقد استخدم بعض الوافدين إلى الشام من العرب الكتابة الآرامية لكتابة لغتهم العربية، وهذا طبيعي طالما أن اللغة العربية ما كانت لغة مكتوبة بعد، وعلى نقش قبر امرؤ القيس تظهر الأحرف الآرامية في نقوش تعود للقرن الرابع الميلادي، أما في ما يخص فترة الفتح فان الروايات كثيرا ما تتضارب فيما يخص الأحداث التاريخية علاوة على أن المؤرخين العرب فيما بعد، لم يعتنوا بقضية اللغة المحكية خصوصا في دمشق ولا بأي تفصيل متعلق بالسكان، باستثناء إشارات بسيطة، في أحاديث تبادلها الفاتحون مع بعض الزعماء الدينين المحليين، ترد كلها بالعربية، لا بل ببلاغة سوء عكاظ، دون أي حس بالمسؤولية التأريخية، و كي نبعد اللوم عنهم نقول بأن التأريخ تأخر عن التاريخ فترة طويلة، أي حتى عصر التدوين في القرن الثاني والثالث الهجري، وبالطبع ليس المقصود بالتدوين الكتابة، فقد كانت هناك قصص مكتوبة سجلت بطريقة مشوهة وشعبية جدا، بل المقصود التصنيف والتبويب، وجمع جميع الروايات ومجانستها في إطار عمل تأريخي ، والمأثور عموما لا يمكن ضبطه ولا الوقوف على خلفيته الحقيقة وقد صحف بدوره في المخيلة قبل التصحيف النقلي والكتابي من ناقل عن ناقل، وصولا إلى إيداعه كتب التأريخ، ثم كان على الروايات دخول معمعة لا تنتهي كلها تدور حول مصداقية الراوي ومعظم المراجع التاريخية الإسلامية إن لم نقل كلها مصابة على الأقل بإحدى علتين :
أولاها : تضاربها في التفاصيل أو نقلها شتى أنواع الروايات دون تمحيص وهذا ما نجده في تاريخ الطبري وعلى طول أجزائه التي تقارب الخمسة عشر جزء في بعض الطبعات، ولن ندخل هنا في التفاصيل كي لا نخرج عن الموضوع، بل سأكتفي هنا بالإشارة إلى نقطتين، الأولى : كون الروايات المتضاربة تعود إلى نوعية الرواة ومدى تعصبهم بالنسبة للطوائف الدينية الأخرى وان كانوا جميعا متفقين على العداوة لها، ثم الأخص بالنسبة للمذاهب المختلفة ضمن الدوحة الإسلامية، وفي الطبري تبرز ثلة من الرواة المتباينين والمتعصبين مذهبيا مثل سيف بن عمرو التميمي صاحب النزعة الأموية، وعلى الجانب المقابل يقف أبو مخنف لوط بن يحيى الأزدي الشيعي المغالي، وكذلك محمد بن هشام بن السائب الكلبي الشيعي (أو هشام والده، وهذا مختلف عليه) ولأجل المحبة ولأي شيء قد تجد قصة بأكملها عند أول مقلوبة على أهلها عند الثاني، بشكل يدعو حقيقة للتهكم وهذا حال معظم الروايات خصوصا ما تعلق منها بنزاع ذا خلفية تاريخية مذهبية قبلية، أما النقطة الثانية فإن الجانب الآخر من الصراع الإسلامي الذي هو جانب أهل الذمة وغيرهم من يهود ومسيحيين صابئة و مجوس و مانويين، هو غالبا جانب يتم إنطاقه كل ما استدعى الأمر ذلك، ولم أرى في جميع الحوارات التاريخية التي دارت بين مسلمين وأشخاص من هذه الطوائف “آخراً” يتحدث، أو ذات مغايرة تتحدث، أو ثقافة أخرى تفصح عن نفسها، بل ما وجدت إلا عقلية تأريخية بعينها تملي على شخصيات القصص المفترضة ما يجب أن تقوله، وما حوارات دحية الكلبي وأبو سفيان مع “عظيم الروم” أو “كبير القساوسة” في الشام إلا مجرد أوهام وقصص شعبي، ولعل هذه القصص مازالت مستخدمة تقنيا وعلى نطاق واسع لتدعيم الرأي الإسلامي في إحدى أهم مشكلاته مع الآخر، وسآتي على كل ذلك في دراستي القادمة : نقد العقل التأريخي العربي.
ثانيها : وهي طغيان عقلية المؤرخ وروحه الشخصية بنصفيها المذهبي و الفكري على روح الرواية وتاريخيتها التي من المفترض كونها تاريخية متمذهبة أيضا، و أقرب مثال على ذلك تاريخيّ كل من ابن كثير (البداية والنهاية ) بأجزائه الثماني أو التسع بحسب الطبعة، وتاريخ الإسلام للذهبي بأجزائه التي تفوق الثلاثين بحسب الطبعة، وبما أن كلا من الذهبي و ابن كثير ينتميان إلى المدرسة السلفية لابن تيمية، فيمكن للمرء مسبقا أن يتنبأ بما سيجده في كتبهما، على أن ابن كثير كانت تنحصر مشاكله الآنية على ما يبدو مع المذاهب الأخرى مع مراعاة –نادرة- للطوائف الغير إسلامية (مراعاة تاريخية إضافة إلى كف لسانه في بعض الحالات عنهم، وهذه الميزة مما لم تحصل عليها بقية المذاهب الإسلامية أبدا) أما الذهبي فيبدو أن مشكلته مع كل “آخر” أيا كان ومن أين جاء، ومع هذا لا بد من وجود جوانب جيدة تتمثل في موضوعيته المفاجئة أحيانا، كالقصة التي أوردها حول شاب مسيحي أُحرق حيا في سوق الخيل في دمشق لأنه كان يشرب مع فتاة مسلمة يظهر أنها صديقته وذلك في شهر رمضان، فيما لم يتم إحراق الفتاة أيضا بل أكتفوا بأن “قطعوا من أنفها” على حد تعبير الذهبي، وما شفع لها ليس إسلامها بل وكما يقول الذهبي : .. وحصل فيها شفاعات لملاحتها (راجع الذهبي الجزء السابع والعشرون )
على كل حال لن أتقدم أكثر من ذلك في هذه النقاط لأتركها للدراسة القادمة، كل ما يجب قوله هنا، أن العربية بعد الفتح وحتى الوقت الراهن اختلط على الكثير من الباحثين مدى تأثيرها بالعامية( انظر دراسة في اللغتين السريانية والعربية – إبراهيم السامرائي. بيروت 1985 ) وما ذاك إلا بسبب أن الساميات عموما تشترك بعدد كبير من الأسماء والضمائر والأفعال فيما بينها، لذا لابد الآن عند دراسة اللهجات العامية، من مراعاة النموذج العام، و إهمال الحالات الفردية، بمعنى الوقوف على مقاربة شاملة قواعدية و كلمية ، لتحديد إلى أية أصول يرجع النموذج العام، ومن ثمة مقاربة الحالات الفردية مع بقية الاحتمالات المقترحة تاريخيا.
موقع الآرامية بين السامية ككل :
يعتقد معظم علماء الساميات أن اللغات السامية القديمة بطائفتيها الشمالية والجنوبية، تعود إلى أصل واحد، أو لغة واحدة قديمة، يدعونها باللغة السامية الأم، ودليلهم على ذلك يتوقف على اشتراك هذه اللغات بمجموعة هائلة من التراكيب النحوية والصرفية والأسماء والضمائر(راجع في هذا : تاريخ اللغات السامية- الأستاذ إسرائيل ولفنستون (أبو ذؤيب). القاهرة 1929) وهذا الرأي – في حدود الفرضية العلمية الواضحة- هو أبعد ما يكون عن أن يؤدي أية وظيفة تخدم الأسطورة التوراتية المتعلقة بشجرة النسب السامية التي تلقفتها بانتظام كلا من المسيحية والإسلام، كما أنها لا تخدم الدوغمائية العربية القومية في ما يتعلق بمسألة هجرة الأقوام السامية من الجزيرة العربية، وهي فرضية تراجعت منذ أكثر من نصف قرن على ضوء الدراسات التاريخية واللغوية والمؤشرات الآركيولوجية الجديدة التي تشير إلى أن الموطن الأصلي للأقوام التي دعيت سامية يمتد على طول الضفاف الغربية للفرات، ويرجح بعض الباحثين أن يكون الساميون الأموريون هم أصحاب حضارة العبيد السابقة على السومرية (راجع في هذا الصدد : المعتقدات الأمورية –خزعل الماجدي.عمان 2002)
إن أول من أطلق مصطلح (السامية) على العائلة اللغوية التي تعرف بهذا الاسم حاليا، هو العالم الألماني (شلوتسر ) في عام 1871م، ومع أن الأخير استخرج التسمية مستندا إلى نص توراتي وتحديدا من سفر التكوين الإصحاح العاشر،إلا أن المصطلح يستخدم حاليا للدلالة فقط على اللغات وليس له أي مضمون اثني أو تاريخي خارج إطار تاريخية اللغات السامية، وقد أقترح بعد الباحثين وخصوصا الباحث العراقي سامي سعيد بتغيير المصطلح “الساميين” إلى “الجزيريين” ليس نسبة إلى الجزيرة العربية طبعا بل الجزيرة السورية ، وعلى اعتبار أن كثيرا من الاصطلاحات قد تضفي على المفهوم الأصل معانٍ مضللة، فقد كان على معظم الدارسين في هذا الحقل تبيان مصطلح “السامية” و”الساميات” في كتبهم دوما، لاجتناب الخلط بين المصطلح الذي بات يشير إلى مجموعة اللغات التي تدعى الآن كذلك كما أشرنا، وبين المفهوم الديني وتحديدا التوراتي الذي يرفع نسبة أقوام “الساميين” إلى شخصية أسطورية (سام بن نوح)، وسام و شام عمليا قد يشكلان معنى واحدا، بعد قلب السين شينا، ليشيرا إلى بلاد السماء، لا كما يظنه البعض أنها تسمية عربية، خصوصا أن كلمة : شوام، الدارجة حتى اليوم على لسان العامة، تعود إلى آلاف عديدة من السنين (وفي ذلك سنقدم دراسة خاصة نحيلها إلى وقتها) وتتكون الأسرة اللغوية السامية من مجموعتين شمالية (أكادية بابلية آثورية – آشورية – كنعانية آرامية عبرية) وجنوبية ( عربية . حبشية . يمنية سبئية).
إن اللغة الآرامية كما هو الحال بالنسبة لبقية اللغات في الشرق القديم هي نتيجة تطور وتفاعل ثقافي وحضاري ضمن المنطقة نفسها، أما مسألة الوفود من الخارج خصوصا في الألف الثالث فلا يفسر شيئا على الإطلاق بل يزيد من تعقيد المسائل التاريخية المتعلقة بالمنطقة، وقد توصل اليوم معظم علماء الساميات إلى عكس فرضية الهجرة القديمة من شبه الجزيرة، فقالوا بالهجرات المعاكسة أي التي تمت من منطقة الهلال الخصيب نحو مناطق شبه الجزيرة العربية وذلك في أواخر البرونز المبكر وبواكير البرونز الوسيط (انظر توضيحا للفكرة : فراس السواح. دمشق 1995).
وفي حوالي الألف الأول قبل الميلاد بدأت اللغة الآرامية تتطغى على بقية أخواتها في المنطقة، وفي أثناء السيطرة الفارسية التي امتدت مابين غرب آسيا وصولا الى الهند، أصبحت الآرامية السريانية اللغة الرسمية للإمبراطورية، وقد وضع ماني في الفترة الساسانية جميع كتبه ومنها كتابه الشارح على الزرادشتية : “الزند” وهو قرآن المانوية باللغة السريانية (راجع : ابن النديم –الفهرست) وغير هذا ما لا يتسع المقام لذكره هنا، على كل حال وبعد مضي أكثر من ألفي عام اضطربت المنطقة فيها اضطرابا لا نجد له مثيلا في مناطق أخرى من العالم، وبعد ان دخلتها من الثقافات واللغات ما يفوق العد، بقيت الكثير من معالم وآثار الآرامية واضحة وجلية في لغتنا العامية الدمشقية المحكية، وفيما يلي نقدم غيضا من فيض الكلمات التي لا تزال متداولة حتى اليوم، ولا ننسى أن قواعد الصرف في معظمها بقيت على حالها الأصلي دون مساس، ومن ذلك وضع الاسم قبل الفعل، فنقول : فلان قال ، بدل من قال فلان على القاعدة العربية، كذلك تسكين كاف المخاطب مثل :
منّكْ
بدل
مِنكَ
وهذه بعض المفردات والأسماء الآرامية في عامية دمشق والتي تعود على الأقل لثلاثة آلاف عام من الآن.
مع الملاحظة انه ليس بالضرورة أن تكون المقاطع الهجائية تلفظ أو تكتب بنفس الطريقة بالآرامية، فقد ينقص بعض الكلمات في آخرها حرف الواو، أو الألف، لكنها كمادة هي آرامية دون استثناء، ويمكن لأي باحث إيجادها والعشرات مما ما ورد هنا، في المعاجم السريانية والآرامية :
أ ل و ه : ألوه = إليه ، له.
أ ت غ ن د ر : أتغندر- غندرة= تبختر – تمايل في مشيته.
أ ز ا : أزا = ظرف زمان بمعنى (إذا – حينئذ) العربيتان.
إ ي د : إيد = يد.
ب ك ي ر – ب ك ر ا : بكِّير = باكرا : بكرا = بمعنى غدا أو من صباح غد.
ا ب ت ل ش : ابتلش – انبلش = ابتلي. تحرش.
ب ر ا : برا = في الخارج.
ب ر ا ن ي : براني = الخارجي وكذلك الحال بالنسبة لكلمة “جواني” (مع الملاحظة أن كلمات مثل : رباني روحاني ..الخ بنون زائدة في الاسم هي شاذة في العربية ودخيلة عليها، وانما أصولها المتفق عليها هي سريانية آرامية.)
د ب ح : دبح = ذبح. وقد تأتي في بعض اللغات السامية بصيغة : زبح .
د ق ر : دقَّر (الباب مثلا) = أقفله
د ق ر : دقر ( دأر) = لمس .
د ق ن : دقن = مجمع اللحيين من الأسفل.
د ع ك : دعك = عجن.
ه د س – ه و د س : هدس، هودس = فكر، التفكير العميق بشيء ما ربما.
ج و هـ : جوَّه = في الداخل، في الوسط.
ج ب : جُب = بئر (وقد وردت كلمات سريانية غيرها في القرآن كانت مستعملة على نطاق واسع في الجزيرة العربية آنذاك مثل أيضا كلمة : ر ح م ن : رحمن = رحيم، و رحمن هي بالسريانية والعبرية ومعظم السامية.)
ش ن و : شنّو = إذا أداة شرط.
ز ف ر : زفر = قذر
و ا و ا = واوا = ألم.
د ب ح : دبح = ذبح. – و دبح في صيغة المضارع في الأوجاريتية.
دهـ ب : دهب = الذهب.
دي ب و : ديبو = ذئب.
ز ب و ن : زبون = مشتري. ( وقد عربت والآن جمعها زبائن في العربية.)
ز ر ي ع ة : زريعة = الأرض أو الأحواض المزروعة.
ح ج ر ا : حجرا/ة : الحجر.
ح و ج/ش : حوج أو حوش = منطقة.
ح ز هـ – ح ز ي هـ : حزي/هـ – يرى – و في العرافة والنظر.
ح ي ل ك : حيلك = قوتك بأسك جيشك …الخ
ح ص ر – ح ص ي ر : حصير = عشب مجفف ، ومن ذلك حصر القش وغيره.
ط ر ش : طرَّش = لطخ (طرشه بالمي مثلا)
ط ا س ه : طاسة = وعاء.
ط ب : طب، جيد- حسن.
ي ا م و : يامو = أمي ، يا أمي.
ك ن ن : كنّ = يأتي بمعنى : اثبت – اهدأ – وهو في الأوغاريتية كذلك.
ك ل : كل = كل : سامي مشترك.
ك ل هـ : كلّـا = كُلها.
ك ل هـ و : كلهو / كلو؟= كله.
ك ل ه ن : كلهن، تجب الاشارة هنا الى أنه لا تستعمل النون هنا لجمع المؤنث، بل ستأتي كما في العامية : كلهون كلكون كلون = بمعنى (كلهم ) أو (جميعكم) العربيتان.
ك ف ر : كفر = قرية صغيرة، ناحية.( كفر سوسه = قرية السوس الصغيرة.)
ك م ش : كمش = قبض – أمسك بـ.
ك ر ت : كرت = سيأتي بمعنى الاعتراف ، وحاليا تم تذكيره وتأنيثه بالعامية : كر : أر ، كرِت ، أرِّت .
ك ت ب ت : كتبت = كتبتُ
لِـ : لام الملكية = سامي مشترك.
ل أ : لأ= لا النافية.
ل ح م هـ : لحمّه = بمعنى إلتحم ، التلحيم .
ل ع ي : لعي = يستخدم للدلالة على الكلام السيء
ل ق ط : لقط = جمع، وفي الاستخدام الشائع يأتي بمعنى : قبض أو أسر ، وكذلك ورد في السبئية.
ل ط ي – لطا : لطي = اختبئ
ي م ح أ : يمّحِئ = يضرب يؤذى .
م ي : مي = ماء.
م ر ت ي : مرتي = زوجتي، سيدتي.
ي ب ع : يبع (بعبعة) = يثرثر.
ن ب ش : نبش = حفر.
ن ك ش : نكش = كشف ، حفر.
م ن ت و ش : منتوش = ممزق .
ع ت ي ق : عتيق = قديم ( و من فرط استعمالها في العربية التبس على البعض أصلها لا سيما بعض المؤرخين الأشاوس).
ن ا ط و ر : ناطور = حارس
ن د ر : ندر = نذَرَ.
ن ت ع – ي ن ت ع : نتع – ينتع = يتجر ، تسحب.
ن هـ ش : نهش = عض.
س م ي د : سميد = لب الحنطة.
س ك ر : سكَّر = أغلق.
ع د : عد = حتى، و يستعمل اليوم بعبارة النفي (ماعد..)
ع ي ن ي : عيني = عيناي (و بالطبع أصله في العامية للإشارة للعينين وليس عين واحدة في القول : على عيني مثلا)
ع ل : علّ = على ( وفي العامية الدمشقية في الغالب لا تلفظ ألف في نهاية المقطع في “على” كـ : رايح عل البيت مثلا)
ع ل ي ت هـ : عليته = أعاليه.أو حتى : عليه في صيغة الدلال.
ع ل ي م ي : عل يمي = على أيامي.. تستعمل في الآرامية للدلالة على (أيام الشباب)
ع م ل ه : عمله/ة = تستخدم للدلالة على مصيبة أو عمل خاطئ ( واليوم تستعمل في اطار المعاتبة كالقول مثلا : الله يسامحك على هل العملِه…الخ)
ف ش ش : فشش = فتح، أزل (واليوم تستخدم بمعنى : أفضى بما يعتمل في صدره : فش قلبه مثلا)
ف ر ش خ : فرشخ = باعد ما بين قدميه.
ف ش ر : فشر = كذب ، أو بمعنى خسئ مثلا.
ف ش خ : فشخ = / / أو سارع في مشيته.
ف ر م : فرم = قطع.
ف ص ف ص: فصفص = جرد القشرة عن اللب مثلا، أو نزع اللحم من العظم.
ق ا ت و ل ي : قاتولي = مميت.
ق ا ق : قاق = غراب.
ق ر م ي ة – ق ر م ة : قرمية- قرمة = أصل النبتة .
ق و م : قوم = قُمْ.
ش و ب: شوب = الحر الشديد.
ت و را : تورا = ثور.
ت ف ر ك ش : تفركش = تعثر.
ت ف ش ك ل : تفشكل = اصطدم.
س م ع : سمع = يسمع يصغي (وهنا لا بد من الاشارة أن استخدامها حاليا يتم بصيغة الأمر للمجموع في البيئة الشعبية جدا.
ي ت س م ع : يتسمع = يستمع، وهنا تستخدم على وزن (يتفعل) وهي مستخدمة بشكل كامل في العامية.
س ن ح/ه : سنح = نوم ، (سنحو = نيمو)؟
ش ق ف : شقف- شقفة = هشم – قطعة.
ش ف ت و هـ : شفتوه = شفتاه ، شفاهه. وفي الأوغاريتية : ش ف ت .
ت ق ل : تقل = ثقل، وكذلك أتى في الأوغاريتية والسريانية ، أما في الفينيقة والعبرية والآرامية الدولية والأكادية فعرف هكذا : ش ق ل : شيقل ، وهي وحدة وزن تعادل (16) غرام تقريبا.
ش و ر ا : شورا : السور ، في السريانية وهو اسم ناحية في دمشق، كذلك ، ثورا في السريانية أو تورا : اسم فرع نهري، ومعناه الثور.
ش ر – ش ر ي : شرَ = اطلق، حرر ( وهو يستخدم اليوم ربما للإشارة للتسرب المائي أو ما شابه) وأصله الجذر س ر ي/ ش ر ي، في الاوغاريتية.
ش ر ن : شرنّ = والمقصود هو الحمار البري، لكن يستخدم في البيئة الشعبية دلالة على الفجاجة (شرن، شرنة).
ش ر ش : شرش = أصل، جذر، سلالة ، نسل.
ت ن و ر : تنور = تنور.
ت ن و ر ا : تنورا/ تنورة = لباس معروف، و في الوقت الراهن يخص به النساء دون الرجال.
ر ي س : ريّس = رئيس.
ش ب ط : شبط = جرح- ضرب.
ش ر و ا ل : شروال = سروال – بنطلون.
ش ح ا : شحّا = ها هي
ش ح و : شحّو = ها هو.
ش ل ح : شلح = نزع ثيابه.
ش ل ف : شلف = رمى – نزع؟
د را ب ز ون : درابوزن = قوائم حديدية غالبا.
ز ف ت ا : زفت = القار.
مع استثناء أسماء المناطق في سوريا و لبنان وفلسطين وحتى العراق، التي في معظمها آرامية سريانية، و من ذلك مستقر العرب الرئيسي بعد الفتح في بلاد العراق وهي الكوفة ، كوفا : الشوكة بالآرامية.
وهذا يفتح الباب لتساؤلات لا تنتهي: هل تحدثت سوريا، اللغة العربية الفصحى ذات تاريخ؟فلنأتي على مسألة الاختلاط بالوافدين، وهي المسألة الأخطر على الإطلاق، خصوصا أن الأعداد كانت هائلة مما أدى لأن يتقاسم الناس بيوتهم مع أولئك الوافدين، وهو عائد بطبيعة الحال لقرار أصدره خالد بن الوليد بعد الفتح مباشرة (راجع تواريخ ابني عساكر وكثير) هذا بالإضافة لنسبة كبيرة من النازحين (انتظر دراسة مخصصة نعرض فيها لتفاصيل الفتح العربي وهي دراسة مقارنة بين كل من المصادر العربية والمصادر السريانية والبيزنطية) رحلوا فور دخول جيش المسلمين، ومسألة البيوت المشتركة بقيت خصوصا في الناحية الشرقية من دمشق حتى القرن المنصرم (وهذا في ذمة بعض الكبار في السن من منطقتي باب توما و باب شرقي وقد أخبروني ذلك في أثناء قيامي ببحث ميداني أجريته) لكن المشكلة تكمن وهي مشكلة على مستوى فضيحة تاريخية أن الوافدين ما كانوا يتحدثون العربية الفصحى تماما ، بل كانوا يقلبون الهمزات إلى ياء في كل كلمة مهمزة مثل :
تًوضَّأتُ
=
تَوَظيت
بالإضافة لقلب الضاد ظاء كما في المثال الآنف.
و غالبية لهجات الوافدين أيضا تقلب (القاف) إلى (كَاف ) الفارسية واليمينة، حتى أن السيد جعفر بن محمد الصادق الإمام الشيعي المعروف كان يحث أتباعه على تبديل القاف بالكاف في القراءات، لأن بذلك كان قد نزل القرآن، كما يقول.
كذلك بالنسبة للفعل المضارع، فقد كان يتم كسر الحرف الأول كما هو في اللهجات البدوية اليوم :
تَعلَم
=
تِعلَم
وأيضا يستخدمون : إيش ، بدلا عن (ماذا)، فيقولون مثلا :
إيش تِريدْ؟
بدلا عن :
ماذا تُريد؟
أو : منو ، بدلا عن : من هو، أو من أنت …الخ وهناك أمثلة لا عد لها ولا حصر .
وهذا طبيعي فالفصحى التي هي لغة أدبية وثقافية، لا تصلح للتداول، ولا نتصور أبدا أن يستخدمها سواد الناس لمعاملاتهم اليومية، وهي وكما وصلت إلينا الآن ناتجة عن عملية طويلة من التحديث بالنسبة للقواعد، والتعريب بالنسبة للمفردات، ومن الواضح تماما أن كلا من الترجمات واللهجات المختلفة ومن ثم دخولها في المعمعة العلمية في العصور الحديثة، بالجملة كانت وراء دخول العربية في مرحلة انتقالية بين التدوين والخطابة بطور السجع، إلى النثرية التي نتداولها اليوم على مستوى الثقافة، فإن كانت العربية اليوم هي خليط بين مفردات مستمدة من هذه السامية أو تلك، إضافة لمفرداتها الأصلية، كذلك قد استعارت رسم أحرفها من أخواتها، وقد أخذت الحركات أيضا من هناك، فلِملا ندعوها اليوم بـ(السامية الجديدة) بدلا عن العربية الفصحى؟؟؟
أما في ما يخص لغة السيد النبي فأحيل القارئ للدراسة الثمينة التي قام بها إبراهيم الجبين الدمشقي الأصل بعنوان (لغة محمد).
أما المسألة الثانية بعد قصة الاختلاط فهي مسألة تعريب الدواوين في الفترة الأموية، ولا نرى بأنها كافية لنوع مماثل من الانقلاب الثقافي، خصوصا إذا ما علمنا أن كبار الموظفين في الدولة الأموية كانوا من الذميين، منهم سرجون الرومي، ولاحقا القديس يوحنا الدمشقي، والأخير هو الذي أشعل فتيل ما يسمى بعلم الكلام (سيدعونه في العصر الحديث بالفلسفة الإسلامية بلا أي مراعاة للفروق بينها وبين والفلسفة). وقد أشار ابن المقفع في وقته أن الشرق كله تقريبا مازال وحتى بعد قرنين من الفتح يتكلم السريانية (انظر دراسة في اللغتين العربية والسريانية- إبراهيم السامرائي)
ولم تلبث الدولة العربية كثيرا، حتى بدأت تختلط بالعناصر الجديدة من ترك و شراكسة وأكراد وفرس وألبان ومغول وغيرهم،والشيء الأكثر غرابة أن المشكلات التي خلقتها فترة الفتح أصبح لها امتداد تاريخي استمر حتى أوليات القرن المنصرم (سنقدم دراسة لاحقا بعنوان، المشكلات التاريخية في المجتمع الدمشقي حتى منتصف القرن التاسع عشر )
لكن المسألة الأخطر والتي تقطع الشك باليقين بخصوص الاضمحلال التدريجي للسريانية كلغة متداولة، هي مسألة “تعريب الكنيسة” و في رأينا أن المسألة كانت ذات خلفية سياسية واضحة،وقد تحولت بعض الكنائس عن السريانية للاتينية والباقي للعربية، في فترات متباينة كرونولوجياً، كانت فيها الولاءات الإقليمية لكنائس بعينها تتكلم لغة بعينها، يقرر أحيانا مصير جالية مسيحية بأكملها، أما في ما يتعلق بالتحول للعربية فبوادر حسن النية كانت …… مطلوبة أيضا!
عموما نحن نميل لدراسة العاميات الشامية والعراقية الشمالية بناء على أنها آرامية سريانية مختلطة ولو لحد الخروج عن كونها كذلك، رافضين نظرية العربية المحرفة بالمطلق، وذلك لأننا ببساطة لم نعثر في التاريخ على أي فترة كان فيها سواد الناس يتحدثون العربية، حتى يتم تحريفها لاحقا، لكنا في المقابل وقفنا على عشرات القرون التي تحدث فيها سواد الناس بالآرامية السريانية، وهذا معروف لكل باحث سواء في التاريخ العام أي بما في ذلك الحركة التاريخية للثقافة الاجتماعية، وكذلك للباحثين في تاريخية اللغات العائدة للمنطقة. والسبب الآخر والأهم، أن طريقة تركيب المفردات العامية تعبر عن بقايا قواعد الصرف والتراكيب القديمة، ومن هذه النقطة تحديدا يمكننا أن ندحض وبشكل تام أي نظرية مخالفة.
للاستزادة في موضوع اللغة الآرامية والسريانية ( شرقية –غريبة) :
1- غبطة البطريرك أغناطيوس يعقوب الثالث : الدلائل الحسية على تقارض السريانية والعربية. دمشق 1969
2-السيد أقليميس يوسف داود الموصلي السرياني : اللمعة الشهية في نحو اللغة السريانية.الموصل 1879
3-الدكتور داود الجلبي الموصلي: الآثار الآرامية في عامية الموصل . الموصل 1935
4-سمير عبدو : السريانية –العربية الجذور والامتداد. دمشق ط2 . 2002
5-الدكتور سليمان بن عبد الرحمن الذيب : معجم المفردات الآرامية القديمة .الرياض 2006
(وقد استخدمت هنا طريقة عرضه المفردات)
6-المطران يعقوب أوجين منّا الكلداني : الأصول الجلية في نحو اللغة الآرامية بيروت ط2 1975
تمت في 28/4/2010
مدخل تاريخي :
كانت مدينة دمشق في حوالي الألف الأول قبل الميلاد مملكة آرامية مستقلة، يتكلم أهلها بالآرامية وتحديدا لهجتها الجنوبية الغربية أو ما تدعى بالآرامية الفلسطينية، و مع بداية العصور الكلاسيكية اصطحب آلكساندر الأكبر معه أكثر من مئة ألف عائلة استقرت كلها في سوريا، وكان لدمشق حصة كبيرة من هذه الجالية اليونانية، وقد استقروا تحديدا في منطقتي باب شرقي وباب توما، بسبب وقوعهما على مقربة من الغوطة، و بعدهما عن الأماكن المتصحرة، وأما الآراميون فانحشروا بداخل المدينة، خصوصا في نواحي باب الجابية عند نهاية الشارع المستقيم، وهذا لا يعني بحال من الأحوال أن المنطقتين المذكورتين قد أهلتا بالسكان ابتداء من تلك الحقبة فقط، فمعلوم أن مناطق الاستيطان الأولى في دمشق كانت في الناحية الشرقية عند باب شرقي اليوم، وذلك اعتبارا من الألف السابع قبل المسيح، وذلك بعد فترة طويلة من انحسار بحيرة دمشق التي كانت تغطي مساحة المدينة الحالية نحو منطقة العتيبة حاليا، وفي الحقب الأقدم على ذلك كانت كهوف برزة تشكل في خط واحد مع بقية كهوف المنطقة الجبلية المحاذية لدمشق حتى صيدنايا و يبرود ملاذا لإنسان النياندرتال و بعد ذلك لإنسان الكهف عموما، وفي أواسط النيوليتيك بدأت الجماعات الجبلية باستيطان بعض المناطق شرقي دمشق، متوغلة بعمق في المنطقة الزراعية الخصبة التي تدعى الغوطة، وهو ذاته السبب كما أشرنا الذي دفع بالجاليات اليونانية في بداية العصور الكلاسيكية للاستيطان في هذه المنطقة، ومن ثمة حدث توسع للمباني في المنطقيتن اليونانيتين مع مجيء الجاليات الرومانية في القرن الأول قبل الميلاد، مع المحافظة على حدود شكل رقعة الشطرنج التي بنيت على مثالها منطقة باب توما مثلا، وهي طريقة إغريقية عريقة ومشهورة.
وبطبيعة الحال حدث تداخل طبيعي بين لغات السكان، لكن هذا لم يمنع من أن تتحول اللغة اليونانية إلى لغة تشبه وضع الفصحى اليوم : فهي لغة التعبير عن الثقافة..لغة الأدب، الشعر، الفلسفة، العلم..باختصار لغة الأنتلجنسيا السورية، إضافة إلى كونها لغة البرجوازية في تلك الفترة، أما في معظم مناطق سوريا فبقيت الآرامية لغة العامة من الناس والفلاحين تحديدا، و كانت المراكز الناشطة فلسفيا وعلميا في أفاميا وأنطاكية وحران وغيرها ذات صبغة يونانية شبه تامة، بيد أن ذلك ما كان ليشكل عائقا حقيقيا أمام تشكل فلسفة يونانية ذات قسمات أو ملامح سامية شرقية، متمثلة بالأفلاطونية المحدثة الشرقية، فبعد مضي خمسة قرون تقريبا على فتح ألكساندر لسوريا وبدء العصور الكلاسيكية كانت الأخيرة قد أصبحت مهيأة تماما للعب دورها المميز في الإنتاج الثقافي دون الاقتصار على التلقي السلبي، وقد برز أسم نومانيوس الأفامي كواحد من كبار الفلاسفة في الفترة الأنطونية ما بين 96 و 192 للميلاد، و فورفيريوس الصوري كاتب التاسوعيات الأفلوطينية المشهورة وكاتب سيرة حياة أفلوطين وأيضا الأنتي كريستو( انظر عن نومانيوس و فورفيريوس مثلا : تاريخ الفلسفة الهلنستية والرومانية- إميل برهييه –ترجمة الأستاذ جورج طرابيشي ص232و . 267 – بيروت 1988) و بقي هذا الدور في تزايد حتى اللحظة الأخيرة التي أصدر فيها الإمبراطور جستنيانوس في القرن السادس الميلادي قرارا بإغلاق مدرسة أثينا على ما يقوله الكاتب السوري يوحنا ملالا الأنطاكي، فقد كان في تلك المدرسة لحظة إصدار الأمر بإغلاقها، سبعة معلمين، خمسة منهم من سوريا الطبيعية، والآخران من كبدوكيا التي كانت تسمى سوريا قديما وحتى بشهادة هيرودوتس في القرن الخامس قبل الميلاد حين وضع تاريخه المميز (انظر هيرودوتس : الكتاب الأول : “كيلو” – ترجمة الملاح ، أبو ظبي 2001) وبالطبع كان على رأس أولئك المعلمين دمسقيوس (أي الدمشقي).
وفي رأينا لا يمكن أساسا اعتبار انضمام سوريا للعالم الهلنستي في تلك الفترة يحفل بأي جانب سلبي، بل على العكس تماما، فقد أتاحت لها هذه العضوية أن تشارك بكل قوة في هذا النادي الثقافي العالمي، و أن تنعم بخيرات عمرانية و معيشية وفيرة للغاية سيضن بها عليها التاريخ لاحقا( انظر للناحية العمرانية: آثار العالم (العربي) في العصرين الروماني واليوناني القسم الآسيوي-الدكتور زكي حامد قادوس الإسكندرية ط2 2000) وفي الأساس كان التداخل الثقافي واللغوي والتاريخي هو الجسر الذي عبرت عليه جيوش ألكساندر الطموح إلى سوريا، وقد كان الوجود السامي لا تكاد تخلو منه ناحية أو جزيرة في اليونان.
في فترة لاحقة و تحديدا في القرن الأول قبل الميلاد مدت روما يدها على سوريا وغيرها من المناطق لتلحقها بإمبراطوريتها، معتبرة نفسها الوريث الشرعي للعالم الهلنستي، ورغم اختلاف طبيعة معاملة الرومان للسكان عن السلوقيين لكن الشيء المضيء في هذه الفترة، هو قدرة بعض السوريين وحتى من العرب الموجودين في جنوبها الغربي على الوصول إلى أعالي السلطة في روما وهو كرسي الإمبراطورية، لقد شعر السوري حقا في تلك الفترة بأنه جزء من هذا العالم، شعر أنه ينتمي حقا لعالم الإمبراطورية المنيع، و على الرغم من المشكلة الفارسية إلا انه تقدم بحماسة ليحكم أكثر من نصف العالم القديم كإمبراطور، و كمواطن روماني، له حقوقه وعليه واجباته، وهذا لا ينفي وجود الأزمات وطيش بعض الأباطرة، وهذا ما ينسحب على كل أراضي الإمبراطورية وليس مناطق بعينها، فتيبيريوس هو ذاته الإمبراطور الذي أفسح المجال لتدمر كي تنمو بشيء من الخصوصية، وفي الوقت نفسه كان هو الإمبراطور السفاح الذي كان يلهو بالأحكام التعسفية والآثمة ضد أقاربه وشعبه في روما (انظر مثلا : الإمبراطور الرهيب تيبيريوس – إرنست ماسون – تعريب جمال السيد 1985 ) فالمقاطعات والمستعمرات والمدن العامرة كلها كانت معرضة للطيش وللعدل والحكمة في آن، إن الديمقراطية الرومانية هي التي أوصلت سورياً أو عربياً إلى حكم روما والعالم الروماني بالرغم من نزعة الأولى الشوفينية المشهورة، أما بالنسبة لمشكلة اضطهاد الطوائف الغير وثنية وعلى الأخص المسيحية بعد أن قضي على شوكة اليهودية تقريبا بالزلزال العسكري الذي ضرب أورشليم في عام 70 للميلاد على ما يذكر يوسيفوس، فقد كانت مشكلة المسيحية منذ البداية تتلخص في كونها ليست بديانة تقوم على أساس إثني كما تدعي اليهودية، وهذا ما جعل انتشارها يتم عن طريق تكوين نويات صغيرة متفرقة هنا و هناك في مختلف مقاطعات وأقاليم الإمبراطورية الرومانية، وكان أتباعها يصطدمون مع كل ما هو غير مسيحي وذلك منذ بدايتها تقريبا، و كان أصحاب الثراء من المسيحيين يستعملون نوعا من التقية ويقدمون القرابين للآلهة الوثنية ولا يزدرونها في العلن كما كان يفعل عامة المسيحيين، وهذا ما جعل هؤلاء يتعرضون للتعذيب و القتل والاضطهاد، وقد اصدر الإمبراطور الروماني دكيوس في عام 250م قرارا يلزم جميع الطوائف وليس فقط المسيحيين باحترام الآلهة الرومانية وتقديم القرابين إليها ويضع من يخالف القرار تحت طائلة الاضطهاد، فقنع اليهود بتقديم القرابين باسم يهوه، وبقي معظم المسيحيين على موقفهم مما أدى لفرار الكثير منهم الى الصحراء مبتدأين بذلك الرهبانية، أما البعض الآخر فقد آثروا السلامة، ثم ما لبثت فترة الاضطهاد بأن ولت، وذلك بعد إحدى عشر عاما حيث أصدر الإمبراطور جالينوس في عام 261 مرسوما يقضي بالتسامح والسماح للمسيحيين ببناء الكنائس والتعبد فيها، وحقهم في استرجاع ما صودر منهم من ممتلكات وأموال في فترة الاضطهاد، واستمرت هذه النعماء حتى مطلع عام 303 للميلاد، واعتلاء الإمبراطور دقلديانوس كرسي الإمبراطورية (انظر مثلا : تاريخ الإمبراطورية البيزنطية ج1 العقيدة والسياسة د.رأفت عبد الحميد القاهرة2000) وتعتبر هذه الفترة أسطورية بالنسبة للاضطهاد وهي الفترة العاشورائية بدلالتها الزمنية فقد امتدت عشر سنوات، ثم بالدلالة المآتمية على ما يحاول أن يؤكده يوسابيوس القيصيري في كتابه الموسوم بتاريخ الكنيسة (انظر عن فترة الاضطهاد بالتفصيل بحسب يوسابيوس شيخ مؤرخي الكنيسة : تاريخ الكنيسة – يوسابيوس القيصري- تعريب القمص مرقس داود القاهرة 1979) وانتهى كل هذا بالطبع باتفاق ميلانو بين قسطنتينوس و ليكينيوس الذي تضمن إعلان مبادئ حرية الأديان والاعتراف بشرعية المسيحية كدين معترف به فقط (رليجيو ليسيتا) لا الديانة الرسمية للإمبراطورية الرومانية كما يعتقد البعض..وهذا مما ورد في نص الاتفاق (…يمنح المسيحيين وسائر الناس الحرية، في إتباع ما ترضاه من الديانة نفوسهم، وأن لا يحرم أي إنسان من حرية الاختيار في إتباع عقيدة المسيحيين أو في اعتناق الديانة التي يراها متناغمة مع قلبه، حتى يتفضل علينا الرب جميعا بجميع نعمائه..) وذلك على الرغم من التسفيه والتحقير الذي كان يبديه مسيحيو تلك الفترة للآلهة الوثنية العريقة و القديمة في صورها وتماثيلها، وكذلك بالنسبة للتراث الهلينستي ككل، وقد كان مسيحيو سوريا وقتها على أشد الخصام مع الوثنية المحلية، وكذلك مع الفلسفة اليونانية التي كانت تدرس على نطاق واسع في مناطق مثل حران شمال سوريا، وقد أسماها السريان بـ هلينوبوليس أي مدينة اليونان، لما هي عليه من صبغة يونانية، ويخطئ البعض اذ يعتقد بأن أسم “سوريويو” أي السريان أو السوريين، قد أطلقه الآراميون على أنفسهم ممن اعتنقوا المسيحية، تمييزا لهم عن بقية الآراميين الوثنيين، ففي اعتقادي أن مفهوم السريانية ودلالته المسيحية جاء في وقت متأخر، خصوصا في وقت الانقسام المسيحي الذي لم يستثني في انقسامه حتى الجغرافيا،ثانيا بعد أن تحولت سوريا كلها للمسيحية تقريبا في القرن الرابع والخامس، جاء الإسلام في القرن السابع ليخترق هذه الخصوصية المنضبطة جغرافيا وثقافيا، فمن تحول منهم للثقافة العربية بعد اعتناقه الإسلام زالت بتحوله تلك الخصوصية عن ذريته مع مرور الوقت، فقد أصبح الأمر بالنسبة للسريان والمسيحية، كما هو حال الهند والهندوس، هذا من ناحية من ناحية ثانية فإن التسمية “آسيريا” التي أطلقها الفرس على هذه المنطقة، من الملاحظ أن المقصود بها بلاد الآشوريين، وهؤلاء كانوا قد فتحوا سوريا في القرن الثامن قبل الميلاد، أي قبيل قرون قليلة من الفتح الفارسي، موجهين بذلك ضربة قاضية تماما للممالك الآرامية فيها، وفي رأيي أن ذلك اقرب خصوصا أن الآشوريين كانت بلادهم التي من ضمن التسمية متاخمة لحدود الفرس في الشمال، وبرأيي أن مؤرخي اليونان وفي مقدمتهم هيرودوتس قد استعملوا اللفظة الفارسية كما هي، في فترة كانت سوريا فيها مشمولة بالإمبراطورية الفارسية، أما سوريويو، هي بالآرامية كما هو واضح.
على كل حال لم تكن دمشق بعيدة عن تلك الأجواء المختلطة وقد مرت بدورها عبر هذا النفق الكوزموبوليتاني المتعرج، تاركا أثره دون شك على ثقافتها ولغتها المحكية بالدرجة الأولى.
قد خرجت دمشق إلى فضاء عالمي أرحب بكل المقاييس. حتى بدأت المشكلة المذهبية المسيحية التي كانت السبب الرئيسي لنفور الشعب في سوريا من بيزنطة، لما لقوه من القتل و الإرغام ونقص في الحريات الطائفية،وقبيل الغزو العربي بفترات قصيرة، كان الوضع مهيأ تماما بالنسبة لغالبية السكان للتحالف مع الشيطان في سبيل الخروج عن بيزنطة، وهذا الشعور وهذه الثقة هي ما سوف يتغير تماما بعد قرون قليلة عقب سقوط الأمويين، الحلفاء السياسيين لثقافة سكان البلاد الأصليين، مع استثناءات بسيطة.
مشكلة المصادر العربية
كان للنزوحات المكثفة التي شهدتها بادية الشام والعراق انطلاقا من الجزيرة العربية قبيل الغزو العربي، أثرها على اللغة الآرامية، التي ربما بدأت بالاختلاط ببعض المفردات العربية على ألسن الناس، وقد استخدم بعض الوافدين إلى الشام من العرب الكتابة الآرامية لكتابة لغتهم العربية، وهذا طبيعي طالما أن اللغة العربية ما كانت لغة مكتوبة بعد، وعلى نقش قبر امرؤ القيس تظهر الأحرف الآرامية في نقوش تعود للقرن الرابع الميلادي، أما في ما يخص فترة الفتح فان الروايات كثيرا ما تتضارب فيما يخص الأحداث التاريخية علاوة على أن المؤرخين العرب فيما بعد، لم يعتنوا بقضية اللغة المحكية خصوصا في دمشق ولا بأي تفصيل متعلق بالسكان، باستثناء إشارات بسيطة، في أحاديث تبادلها الفاتحون مع بعض الزعماء الدينين المحليين، ترد كلها بالعربية، لا بل ببلاغة سوء عكاظ، دون أي حس بالمسؤولية التأريخية، و كي نبعد اللوم عنهم نقول بأن التأريخ تأخر عن التاريخ فترة طويلة، أي حتى عصر التدوين في القرن الثاني والثالث الهجري، وبالطبع ليس المقصود بالتدوين الكتابة، فقد كانت هناك قصص مكتوبة سجلت بطريقة مشوهة وشعبية جدا، بل المقصود التصنيف والتبويب، وجمع جميع الروايات ومجانستها في إطار عمل تأريخي ، والمأثور عموما لا يمكن ضبطه ولا الوقوف على خلفيته الحقيقة وقد صحف بدوره في المخيلة قبل التصحيف النقلي والكتابي من ناقل عن ناقل، وصولا إلى إيداعه كتب التأريخ، ثم كان على الروايات دخول معمعة لا تنتهي كلها تدور حول مصداقية الراوي ومعظم المراجع التاريخية الإسلامية إن لم نقل كلها مصابة على الأقل بإحدى علتين :
أولاها : تضاربها في التفاصيل أو نقلها شتى أنواع الروايات دون تمحيص وهذا ما نجده في تاريخ الطبري وعلى طول أجزائه التي تقارب الخمسة عشر جزء في بعض الطبعات، ولن ندخل هنا في التفاصيل كي لا نخرج عن الموضوع، بل سأكتفي هنا بالإشارة إلى نقطتين، الأولى : كون الروايات المتضاربة تعود إلى نوعية الرواة ومدى تعصبهم بالنسبة للطوائف الدينية الأخرى وان كانوا جميعا متفقين على العداوة لها، ثم الأخص بالنسبة للمذاهب المختلفة ضمن الدوحة الإسلامية، وفي الطبري تبرز ثلة من الرواة المتباينين والمتعصبين مذهبيا مثل سيف بن عمرو التميمي صاحب النزعة الأموية، وعلى الجانب المقابل يقف أبو مخنف لوط بن يحيى الأزدي الشيعي المغالي، وكذلك محمد بن هشام بن السائب الكلبي الشيعي (أو هشام والده، وهذا مختلف عليه) ولأجل المحبة ولأي شيء قد تجد قصة بأكملها عند أول مقلوبة على أهلها عند الثاني، بشكل يدعو حقيقة للتهكم وهذا حال معظم الروايات خصوصا ما تعلق منها بنزاع ذا خلفية تاريخية مذهبية قبلية، أما النقطة الثانية فإن الجانب الآخر من الصراع الإسلامي الذي هو جانب أهل الذمة وغيرهم من يهود ومسيحيين صابئة و مجوس و مانويين، هو غالبا جانب يتم إنطاقه كل ما استدعى الأمر ذلك، ولم أرى في جميع الحوارات التاريخية التي دارت بين مسلمين وأشخاص من هذه الطوائف “آخراً” يتحدث، أو ذات مغايرة تتحدث، أو ثقافة أخرى تفصح عن نفسها، بل ما وجدت إلا عقلية تأريخية بعينها تملي على شخصيات القصص المفترضة ما يجب أن تقوله، وما حوارات دحية الكلبي وأبو سفيان مع “عظيم الروم” أو “كبير القساوسة” في الشام إلا مجرد أوهام وقصص شعبي، ولعل هذه القصص مازالت مستخدمة تقنيا وعلى نطاق واسع لتدعيم الرأي الإسلامي في إحدى أهم مشكلاته مع الآخر، وسآتي على كل ذلك في دراستي القادمة : نقد العقل التأريخي العربي.
ثانيها : وهي طغيان عقلية المؤرخ وروحه الشخصية بنصفيها المذهبي و الفكري على روح الرواية وتاريخيتها التي من المفترض كونها تاريخية متمذهبة أيضا، و أقرب مثال على ذلك تاريخيّ كل من ابن كثير (البداية والنهاية ) بأجزائه الثماني أو التسع بحسب الطبعة، وتاريخ الإسلام للذهبي بأجزائه التي تفوق الثلاثين بحسب الطبعة، وبما أن كلا من الذهبي و ابن كثير ينتميان إلى المدرسة السلفية لابن تيمية، فيمكن للمرء مسبقا أن يتنبأ بما سيجده في كتبهما، على أن ابن كثير كانت تنحصر مشاكله الآنية على ما يبدو مع المذاهب الأخرى مع مراعاة –نادرة- للطوائف الغير إسلامية (مراعاة تاريخية إضافة إلى كف لسانه في بعض الحالات عنهم، وهذه الميزة مما لم تحصل عليها بقية المذاهب الإسلامية أبدا) أما الذهبي فيبدو أن مشكلته مع كل “آخر” أيا كان ومن أين جاء، ومع هذا لا بد من وجود جوانب جيدة تتمثل في موضوعيته المفاجئة أحيانا، كالقصة التي أوردها حول شاب مسيحي أُحرق حيا في سوق الخيل في دمشق لأنه كان يشرب مع فتاة مسلمة يظهر أنها صديقته وذلك في شهر رمضان، فيما لم يتم إحراق الفتاة أيضا بل أكتفوا بأن “قطعوا من أنفها” على حد تعبير الذهبي، وما شفع لها ليس إسلامها بل وكما يقول الذهبي : .. وحصل فيها شفاعات لملاحتها (راجع الذهبي الجزء السابع والعشرون )
على كل حال لن أتقدم أكثر من ذلك في هذه النقاط لأتركها للدراسة القادمة، كل ما يجب قوله هنا، أن العربية بعد الفتح وحتى الوقت الراهن اختلط على الكثير من الباحثين مدى تأثيرها بالعامية( انظر دراسة في اللغتين السريانية والعربية – إبراهيم السامرائي. بيروت 1985 ) وما ذاك إلا بسبب أن الساميات عموما تشترك بعدد كبير من الأسماء والضمائر والأفعال فيما بينها، لذا لابد الآن عند دراسة اللهجات العامية، من مراعاة النموذج العام، و إهمال الحالات الفردية، بمعنى الوقوف على مقاربة شاملة قواعدية و كلمية ، لتحديد إلى أية أصول يرجع النموذج العام، ومن ثمة مقاربة الحالات الفردية مع بقية الاحتمالات المقترحة تاريخيا.
موقع الآرامية بين السامية ككل :
يعتقد معظم علماء الساميات أن اللغات السامية القديمة بطائفتيها الشمالية والجنوبية، تعود إلى أصل واحد، أو لغة واحدة قديمة، يدعونها باللغة السامية الأم، ودليلهم على ذلك يتوقف على اشتراك هذه اللغات بمجموعة هائلة من التراكيب النحوية والصرفية والأسماء والضمائر(راجع في هذا : تاريخ اللغات السامية- الأستاذ إسرائيل ولفنستون (أبو ذؤيب). القاهرة 1929) وهذا الرأي – في حدود الفرضية العلمية الواضحة- هو أبعد ما يكون عن أن يؤدي أية وظيفة تخدم الأسطورة التوراتية المتعلقة بشجرة النسب السامية التي تلقفتها بانتظام كلا من المسيحية والإسلام، كما أنها لا تخدم الدوغمائية العربية القومية في ما يتعلق بمسألة هجرة الأقوام السامية من الجزيرة العربية، وهي فرضية تراجعت منذ أكثر من نصف قرن على ضوء الدراسات التاريخية واللغوية والمؤشرات الآركيولوجية الجديدة التي تشير إلى أن الموطن الأصلي للأقوام التي دعيت سامية يمتد على طول الضفاف الغربية للفرات، ويرجح بعض الباحثين أن يكون الساميون الأموريون هم أصحاب حضارة العبيد السابقة على السومرية (راجع في هذا الصدد : المعتقدات الأمورية –خزعل الماجدي.عمان 2002)
إن أول من أطلق مصطلح (السامية) على العائلة اللغوية التي تعرف بهذا الاسم حاليا، هو العالم الألماني (شلوتسر ) في عام 1871م، ومع أن الأخير استخرج التسمية مستندا إلى نص توراتي وتحديدا من سفر التكوين الإصحاح العاشر،إلا أن المصطلح يستخدم حاليا للدلالة فقط على اللغات وليس له أي مضمون اثني أو تاريخي خارج إطار تاريخية اللغات السامية، وقد أقترح بعد الباحثين وخصوصا الباحث العراقي سامي سعيد بتغيير المصطلح “الساميين” إلى “الجزيريين” ليس نسبة إلى الجزيرة العربية طبعا بل الجزيرة السورية ، وعلى اعتبار أن كثيرا من الاصطلاحات قد تضفي على المفهوم الأصل معانٍ مضللة، فقد كان على معظم الدارسين في هذا الحقل تبيان مصطلح “السامية” و”الساميات” في كتبهم دوما، لاجتناب الخلط بين المصطلح الذي بات يشير إلى مجموعة اللغات التي تدعى الآن كذلك كما أشرنا، وبين المفهوم الديني وتحديدا التوراتي الذي يرفع نسبة أقوام “الساميين” إلى شخصية أسطورية (سام بن نوح)، وسام و شام عمليا قد يشكلان معنى واحدا، بعد قلب السين شينا، ليشيرا إلى بلاد السماء، لا كما يظنه البعض أنها تسمية عربية، خصوصا أن كلمة : شوام، الدارجة حتى اليوم على لسان العامة، تعود إلى آلاف عديدة من السنين (وفي ذلك سنقدم دراسة خاصة نحيلها إلى وقتها) وتتكون الأسرة اللغوية السامية من مجموعتين شمالية (أكادية بابلية آثورية – آشورية – كنعانية آرامية عبرية) وجنوبية ( عربية . حبشية . يمنية سبئية).
إن اللغة الآرامية كما هو الحال بالنسبة لبقية اللغات في الشرق القديم هي نتيجة تطور وتفاعل ثقافي وحضاري ضمن المنطقة نفسها، أما مسألة الوفود من الخارج خصوصا في الألف الثالث فلا يفسر شيئا على الإطلاق بل يزيد من تعقيد المسائل التاريخية المتعلقة بالمنطقة، وقد توصل اليوم معظم علماء الساميات إلى عكس فرضية الهجرة القديمة من شبه الجزيرة، فقالوا بالهجرات المعاكسة أي التي تمت من منطقة الهلال الخصيب نحو مناطق شبه الجزيرة العربية وذلك في أواخر البرونز المبكر وبواكير البرونز الوسيط (انظر توضيحا للفكرة : فراس السواح. دمشق 1995).
وفي حوالي الألف الأول قبل الميلاد بدأت اللغة الآرامية تتطغى على بقية أخواتها في المنطقة، وفي أثناء السيطرة الفارسية التي امتدت مابين غرب آسيا وصولا الى الهند، أصبحت الآرامية السريانية اللغة الرسمية للإمبراطورية، وقد وضع ماني في الفترة الساسانية جميع كتبه ومنها كتابه الشارح على الزرادشتية : “الزند” وهو قرآن المانوية باللغة السريانية (راجع : ابن النديم –الفهرست) وغير هذا ما لا يتسع المقام لذكره هنا، على كل حال وبعد مضي أكثر من ألفي عام اضطربت المنطقة فيها اضطرابا لا نجد له مثيلا في مناطق أخرى من العالم، وبعد ان دخلتها من الثقافات واللغات ما يفوق العد، بقيت الكثير من معالم وآثار الآرامية واضحة وجلية في لغتنا العامية الدمشقية المحكية، وفيما يلي نقدم غيضا من فيض الكلمات التي لا تزال متداولة حتى اليوم، ولا ننسى أن قواعد الصرف في معظمها بقيت على حالها الأصلي دون مساس، ومن ذلك وضع الاسم قبل الفعل، فنقول : فلان قال ، بدل من قال فلان على القاعدة العربية، كذلك تسكين كاف المخاطب مثل :
منّكْ
بدل
مِنكَ
وهذه بعض المفردات والأسماء الآرامية في عامية دمشق والتي تعود على الأقل لثلاثة آلاف عام من الآن.
مع الملاحظة انه ليس بالضرورة أن تكون المقاطع الهجائية تلفظ أو تكتب بنفس الطريقة بالآرامية، فقد ينقص بعض الكلمات في آخرها حرف الواو، أو الألف، لكنها كمادة هي آرامية دون استثناء، ويمكن لأي باحث إيجادها والعشرات مما ما ورد هنا، في المعاجم السريانية والآرامية :
أ ل و ه : ألوه = إليه ، له.
أ ت غ ن د ر : أتغندر- غندرة= تبختر – تمايل في مشيته.
أ ز ا : أزا = ظرف زمان بمعنى (إذا – حينئذ) العربيتان.
إ ي د : إيد = يد.
ب ك ي ر – ب ك ر ا : بكِّير = باكرا : بكرا = بمعنى غدا أو من صباح غد.
ا ب ت ل ش : ابتلش – انبلش = ابتلي. تحرش.
ب ر ا : برا = في الخارج.
ب ر ا ن ي : براني = الخارجي وكذلك الحال بالنسبة لكلمة “جواني” (مع الملاحظة أن كلمات مثل : رباني روحاني ..الخ بنون زائدة في الاسم هي شاذة في العربية ودخيلة عليها، وانما أصولها المتفق عليها هي سريانية آرامية.)
د ب ح : دبح = ذبح. وقد تأتي في بعض اللغات السامية بصيغة : زبح .
د ق ر : دقَّر (الباب مثلا) = أقفله
د ق ر : دقر ( دأر) = لمس .
د ق ن : دقن = مجمع اللحيين من الأسفل.
د ع ك : دعك = عجن.
ه د س – ه و د س : هدس، هودس = فكر، التفكير العميق بشيء ما ربما.
ج و هـ : جوَّه = في الداخل، في الوسط.
ج ب : جُب = بئر (وقد وردت كلمات سريانية غيرها في القرآن كانت مستعملة على نطاق واسع في الجزيرة العربية آنذاك مثل أيضا كلمة : ر ح م ن : رحمن = رحيم، و رحمن هي بالسريانية والعبرية ومعظم السامية.)
ش ن و : شنّو = إذا أداة شرط.
ز ف ر : زفر = قذر
و ا و ا = واوا = ألم.
د ب ح : دبح = ذبح. – و دبح في صيغة المضارع في الأوجاريتية.
دهـ ب : دهب = الذهب.
دي ب و : ديبو = ذئب.
ز ب و ن : زبون = مشتري. ( وقد عربت والآن جمعها زبائن في العربية.)
ز ر ي ع ة : زريعة = الأرض أو الأحواض المزروعة.
ح ج ر ا : حجرا/ة : الحجر.
ح و ج/ش : حوج أو حوش = منطقة.
ح ز هـ – ح ز ي هـ : حزي/هـ – يرى – و في العرافة والنظر.
ح ي ل ك : حيلك = قوتك بأسك جيشك …الخ
ح ص ر – ح ص ي ر : حصير = عشب مجفف ، ومن ذلك حصر القش وغيره.
ط ر ش : طرَّش = لطخ (طرشه بالمي مثلا)
ط ا س ه : طاسة = وعاء.
ط ب : طب، جيد- حسن.
ي ا م و : يامو = أمي ، يا أمي.
ك ن ن : كنّ = يأتي بمعنى : اثبت – اهدأ – وهو في الأوغاريتية كذلك.
ك ل : كل = كل : سامي مشترك.
ك ل هـ : كلّـا = كُلها.
ك ل هـ و : كلهو / كلو؟= كله.
ك ل ه ن : كلهن، تجب الاشارة هنا الى أنه لا تستعمل النون هنا لجمع المؤنث، بل ستأتي كما في العامية : كلهون كلكون كلون = بمعنى (كلهم ) أو (جميعكم) العربيتان.
ك ف ر : كفر = قرية صغيرة، ناحية.( كفر سوسه = قرية السوس الصغيرة.)
ك م ش : كمش = قبض – أمسك بـ.
ك ر ت : كرت = سيأتي بمعنى الاعتراف ، وحاليا تم تذكيره وتأنيثه بالعامية : كر : أر ، كرِت ، أرِّت .
ك ت ب ت : كتبت = كتبتُ
لِـ : لام الملكية = سامي مشترك.
ل أ : لأ= لا النافية.
ل ح م هـ : لحمّه = بمعنى إلتحم ، التلحيم .
ل ع ي : لعي = يستخدم للدلالة على الكلام السيء
ل ق ط : لقط = جمع، وفي الاستخدام الشائع يأتي بمعنى : قبض أو أسر ، وكذلك ورد في السبئية.
ل ط ي – لطا : لطي = اختبئ
ي م ح أ : يمّحِئ = يضرب يؤذى .
م ي : مي = ماء.
م ر ت ي : مرتي = زوجتي، سيدتي.
ي ب ع : يبع (بعبعة) = يثرثر.
ن ب ش : نبش = حفر.
ن ك ش : نكش = كشف ، حفر.
م ن ت و ش : منتوش = ممزق .
ع ت ي ق : عتيق = قديم ( و من فرط استعمالها في العربية التبس على البعض أصلها لا سيما بعض المؤرخين الأشاوس).
ن ا ط و ر : ناطور = حارس
ن د ر : ندر = نذَرَ.
ن ت ع – ي ن ت ع : نتع – ينتع = يتجر ، تسحب.
ن هـ ش : نهش = عض.
س م ي د : سميد = لب الحنطة.
س ك ر : سكَّر = أغلق.
ع د : عد = حتى، و يستعمل اليوم بعبارة النفي (ماعد..)
ع ي ن ي : عيني = عيناي (و بالطبع أصله في العامية للإشارة للعينين وليس عين واحدة في القول : على عيني مثلا)
ع ل : علّ = على ( وفي العامية الدمشقية في الغالب لا تلفظ ألف في نهاية المقطع في “على” كـ : رايح عل البيت مثلا)
ع ل ي ت هـ : عليته = أعاليه.أو حتى : عليه في صيغة الدلال.
ع ل ي م ي : عل يمي = على أيامي.. تستعمل في الآرامية للدلالة على (أيام الشباب)
ع م ل ه : عمله/ة = تستخدم للدلالة على مصيبة أو عمل خاطئ ( واليوم تستعمل في اطار المعاتبة كالقول مثلا : الله يسامحك على هل العملِه…الخ)
ف ش ش : فشش = فتح، أزل (واليوم تستخدم بمعنى : أفضى بما يعتمل في صدره : فش قلبه مثلا)
ف ر ش خ : فرشخ = باعد ما بين قدميه.
ف ش ر : فشر = كذب ، أو بمعنى خسئ مثلا.
ف ش خ : فشخ = / / أو سارع في مشيته.
ف ر م : فرم = قطع.
ف ص ف ص: فصفص = جرد القشرة عن اللب مثلا، أو نزع اللحم من العظم.
ق ا ت و ل ي : قاتولي = مميت.
ق ا ق : قاق = غراب.
ق ر م ي ة – ق ر م ة : قرمية- قرمة = أصل النبتة .
ق و م : قوم = قُمْ.
ش و ب: شوب = الحر الشديد.
ت و را : تورا = ثور.
ت ف ر ك ش : تفركش = تعثر.
ت ف ش ك ل : تفشكل = اصطدم.
س م ع : سمع = يسمع يصغي (وهنا لا بد من الاشارة أن استخدامها حاليا يتم بصيغة الأمر للمجموع في البيئة الشعبية جدا.
ي ت س م ع : يتسمع = يستمع، وهنا تستخدم على وزن (يتفعل) وهي مستخدمة بشكل كامل في العامية.
س ن ح/ه : سنح = نوم ، (سنحو = نيمو)؟
ش ق ف : شقف- شقفة = هشم – قطعة.
ش ف ت و هـ : شفتوه = شفتاه ، شفاهه. وفي الأوغاريتية : ش ف ت .
ت ق ل : تقل = ثقل، وكذلك أتى في الأوغاريتية والسريانية ، أما في الفينيقة والعبرية والآرامية الدولية والأكادية فعرف هكذا : ش ق ل : شيقل ، وهي وحدة وزن تعادل (16) غرام تقريبا.
ش و ر ا : شورا : السور ، في السريانية وهو اسم ناحية في دمشق، كذلك ، ثورا في السريانية أو تورا : اسم فرع نهري، ومعناه الثور.
ش ر – ش ر ي : شرَ = اطلق، حرر ( وهو يستخدم اليوم ربما للإشارة للتسرب المائي أو ما شابه) وأصله الجذر س ر ي/ ش ر ي، في الاوغاريتية.
ش ر ن : شرنّ = والمقصود هو الحمار البري، لكن يستخدم في البيئة الشعبية دلالة على الفجاجة (شرن، شرنة).
ش ر ش : شرش = أصل، جذر، سلالة ، نسل.
ت ن و ر : تنور = تنور.
ت ن و ر ا : تنورا/ تنورة = لباس معروف، و في الوقت الراهن يخص به النساء دون الرجال.
ر ي س : ريّس = رئيس.
ش ب ط : شبط = جرح- ضرب.
ش ر و ا ل : شروال = سروال – بنطلون.
ش ح ا : شحّا = ها هي
ش ح و : شحّو = ها هو.
ش ل ح : شلح = نزع ثيابه.
ش ل ف : شلف = رمى – نزع؟
د را ب ز ون : درابوزن = قوائم حديدية غالبا.
ز ف ت ا : زفت = القار.
مع استثناء أسماء المناطق في سوريا و لبنان وفلسطين وحتى العراق، التي في معظمها آرامية سريانية، و من ذلك مستقر العرب الرئيسي بعد الفتح في بلاد العراق وهي الكوفة ، كوفا : الشوكة بالآرامية.
وهذا يفتح الباب لتساؤلات لا تنتهي: هل تحدثت سوريا، اللغة العربية الفصحى ذات تاريخ؟فلنأتي على مسألة الاختلاط بالوافدين، وهي المسألة الأخطر على الإطلاق، خصوصا أن الأعداد كانت هائلة مما أدى لأن يتقاسم الناس بيوتهم مع أولئك الوافدين، وهو عائد بطبيعة الحال لقرار أصدره خالد بن الوليد بعد الفتح مباشرة (راجع تواريخ ابني عساكر وكثير) هذا بالإضافة لنسبة كبيرة من النازحين (انتظر دراسة مخصصة نعرض فيها لتفاصيل الفتح العربي وهي دراسة مقارنة بين كل من المصادر العربية والمصادر السريانية والبيزنطية) رحلوا فور دخول جيش المسلمين، ومسألة البيوت المشتركة بقيت خصوصا في الناحية الشرقية من دمشق حتى القرن المنصرم (وهذا في ذمة بعض الكبار في السن من منطقتي باب توما و باب شرقي وقد أخبروني ذلك في أثناء قيامي ببحث ميداني أجريته) لكن المشكلة تكمن وهي مشكلة على مستوى فضيحة تاريخية أن الوافدين ما كانوا يتحدثون العربية الفصحى تماما ، بل كانوا يقلبون الهمزات إلى ياء في كل كلمة مهمزة مثل :
تًوضَّأتُ
=
تَوَظيت
بالإضافة لقلب الضاد ظاء كما في المثال الآنف.
و غالبية لهجات الوافدين أيضا تقلب (القاف) إلى (كَاف ) الفارسية واليمينة، حتى أن السيد جعفر بن محمد الصادق الإمام الشيعي المعروف كان يحث أتباعه على تبديل القاف بالكاف في القراءات، لأن بذلك كان قد نزل القرآن، كما يقول.
كذلك بالنسبة للفعل المضارع، فقد كان يتم كسر الحرف الأول كما هو في اللهجات البدوية اليوم :
تَعلَم
=
تِعلَم
وأيضا يستخدمون : إيش ، بدلا عن (ماذا)، فيقولون مثلا :
إيش تِريدْ؟
بدلا عن :
ماذا تُريد؟
أو : منو ، بدلا عن : من هو، أو من أنت …الخ وهناك أمثلة لا عد لها ولا حصر .
وهذا طبيعي فالفصحى التي هي لغة أدبية وثقافية، لا تصلح للتداول، ولا نتصور أبدا أن يستخدمها سواد الناس لمعاملاتهم اليومية، وهي وكما وصلت إلينا الآن ناتجة عن عملية طويلة من التحديث بالنسبة للقواعد، والتعريب بالنسبة للمفردات، ومن الواضح تماما أن كلا من الترجمات واللهجات المختلفة ومن ثم دخولها في المعمعة العلمية في العصور الحديثة، بالجملة كانت وراء دخول العربية في مرحلة انتقالية بين التدوين والخطابة بطور السجع، إلى النثرية التي نتداولها اليوم على مستوى الثقافة، فإن كانت العربية اليوم هي خليط بين مفردات مستمدة من هذه السامية أو تلك، إضافة لمفرداتها الأصلية، كذلك قد استعارت رسم أحرفها من أخواتها، وقد أخذت الحركات أيضا من هناك، فلِملا ندعوها اليوم بـ(السامية الجديدة) بدلا عن العربية الفصحى؟؟؟
أما في ما يخص لغة السيد النبي فأحيل القارئ للدراسة الثمينة التي قام بها إبراهيم الجبين الدمشقي الأصل بعنوان (لغة محمد).
أما المسألة الثانية بعد قصة الاختلاط فهي مسألة تعريب الدواوين في الفترة الأموية، ولا نرى بأنها كافية لنوع مماثل من الانقلاب الثقافي، خصوصا إذا ما علمنا أن كبار الموظفين في الدولة الأموية كانوا من الذميين، منهم سرجون الرومي، ولاحقا القديس يوحنا الدمشقي، والأخير هو الذي أشعل فتيل ما يسمى بعلم الكلام (سيدعونه في العصر الحديث بالفلسفة الإسلامية بلا أي مراعاة للفروق بينها وبين والفلسفة). وقد أشار ابن المقفع في وقته أن الشرق كله تقريبا مازال وحتى بعد قرنين من الفتح يتكلم السريانية (انظر دراسة في اللغتين العربية والسريانية- إبراهيم السامرائي)
ولم تلبث الدولة العربية كثيرا، حتى بدأت تختلط بالعناصر الجديدة من ترك و شراكسة وأكراد وفرس وألبان ومغول وغيرهم،والشيء الأكثر غرابة أن المشكلات التي خلقتها فترة الفتح أصبح لها امتداد تاريخي استمر حتى أوليات القرن المنصرم (سنقدم دراسة لاحقا بعنوان، المشكلات التاريخية في المجتمع الدمشقي حتى منتصف القرن التاسع عشر )
لكن المسألة الأخطر والتي تقطع الشك باليقين بخصوص الاضمحلال التدريجي للسريانية كلغة متداولة، هي مسألة “تعريب الكنيسة” و في رأينا أن المسألة كانت ذات خلفية سياسية واضحة،وقد تحولت بعض الكنائس عن السريانية للاتينية والباقي للعربية، في فترات متباينة كرونولوجياً، كانت فيها الولاءات الإقليمية لكنائس بعينها تتكلم لغة بعينها، يقرر أحيانا مصير جالية مسيحية بأكملها، أما في ما يتعلق بالتحول للعربية فبوادر حسن النية كانت …… مطلوبة أيضا!
عموما نحن نميل لدراسة العاميات الشامية والعراقية الشمالية بناء على أنها آرامية سريانية مختلطة ولو لحد الخروج عن كونها كذلك، رافضين نظرية العربية المحرفة بالمطلق، وذلك لأننا ببساطة لم نعثر في التاريخ على أي فترة كان فيها سواد الناس يتحدثون العربية، حتى يتم تحريفها لاحقا، لكنا في المقابل وقفنا على عشرات القرون التي تحدث فيها سواد الناس بالآرامية السريانية، وهذا معروف لكل باحث سواء في التاريخ العام أي بما في ذلك الحركة التاريخية للثقافة الاجتماعية، وكذلك للباحثين في تاريخية اللغات العائدة للمنطقة. والسبب الآخر والأهم، أن طريقة تركيب المفردات العامية تعبر عن بقايا قواعد الصرف والتراكيب القديمة، ومن هذه النقطة تحديدا يمكننا أن ندحض وبشكل تام أي نظرية مخالفة.
للاستزادة في موضوع اللغة الآرامية والسريانية ( شرقية –غريبة) :
1- غبطة البطريرك أغناطيوس يعقوب الثالث : الدلائل الحسية على تقارض السريانية والعربية. دمشق 1969
2-السيد أقليميس يوسف داود الموصلي السرياني : اللمعة الشهية في نحو اللغة السريانية.الموصل 1879
3-الدكتور داود الجلبي الموصلي: الآثار الآرامية في عامية الموصل . الموصل 1935
4-سمير عبدو : السريانية –العربية الجذور والامتداد. دمشق ط2 . 2002
5-الدكتور سليمان بن عبد الرحمن الذيب : معجم المفردات الآرامية القديمة .الرياض 2006
(وقد استخدمت هنا طريقة عرضه المفردات)
6-المطران يعقوب أوجين منّا الكلداني : الأصول الجلية في نحو اللغة الآرامية بيروت ط2 1975
تمت في 28/4/2010
ابن السريان- السوري
-
عدد الرسائل : 167
العمر : 61
البلد الأم/الإقامة الحالية : سوريا / ألمانيا
الشهادة/العمل : مهندس معماري
تاريخ التسجيل : 17/10/2012
مواضيع مماثلة
» فضائية (صورويو تي في) تبثُّ كونسيرتاً رائعاً للفنّان حبيب موسى ونغم موسى
» نبذة عن الشاعر نزار قباني بقلمه
» حمدة والمازوت...مداعبة مع الصديق حواس الأحمد...اسحق قومي باللهجة المحكية
» طوقُ الحمامة الدمشقي " محمود درويش "
» القصيدة الدمشقية (هذي دمشقُ وهذي الكأسُ والرّاحُ إنّي أحبُّ وبعـضُ الحـبِّ ذبّاحُ )
» نبذة عن الشاعر نزار قباني بقلمه
» حمدة والمازوت...مداعبة مع الصديق حواس الأحمد...اسحق قومي باللهجة المحكية
» طوقُ الحمامة الدمشقي " محمود درويش "
» القصيدة الدمشقية (هذي دمشقُ وهذي الكأسُ والرّاحُ إنّي أحبُّ وبعـضُ الحـبِّ ذبّاحُ )
๑۩۩๑ المملكـــــــــــة الأدبيــــــــــــة ๑۩۩๑ :: الأدبيــة العـامـــة :: القصة والحكاية :: سمير روهم
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى