فضائية (صورويو تي في) تبثُّ كونسيرتاً رائعاً للفنّان حبيب موسى ونغم موسى
๑۩۩๑ المملكـــــــــــة الأدبيــــــــــــة ๑۩۩๑ :: أقـــــلام نـشـــطــة :: عندما تغفو الشموس قليلا / لنا عودة :: الأديب والشاعر والفنان السوري صبري يوسف
صفحة 1 من اصل 1
فضائية (صورويو تي في) تبثُّ كونسيرتاً رائعاً للفنّان حبيب موسى ونغم موسى
فضائية (صورويو تي في) تبثُّ كونسيرتاً رائعاً
للفنَّان حبيب موسى ونغم موسى
للفنَّان حبيب موسى ونغم موسى
جاءني الصَّوت رخيماً عبر الهاتف، حبيب موسى ونغم موسى على فضائية (صورويو تي في) بعد قليل، كونسيرت هولندة. أجبتُ شكراً، وأغلقتُ الهاتف لتهيئة نفسي لمشاهدة الكونسيرت!
تربَّع الفنَّان حبيب موسى ملك الأغنية السّريانية في العالم على خشبة مسرح كنيسة هولنديّة (خروتي كيرك) أي الكنيسة الكبيرة عبر المهرجان السنوي لموسيقى الشرق الأوسط، لتقديم كونسيرت رائع، تشاركه الفنانة نغم موسى بإشراف وإعداد كورال مار أفرام التابع لنادي بيت نهرين الآثوري في مدينة انشخيده، والذي أسَّسه وأشرف على تدريبه الموسيقار الكبير ألياس موساكي.
يبدو مسرح الكنيسة للمشاهد كأنه معبَّقٌ ببخور الأزمنة الغابرة، وكأنَّ ألحان مار أفرام السرياني كانت منبعثة من تجلِّيات وشموخ هكذا كنائس ضاربة جذورها في أعماق التاريخ. كم كانوا على صواب أصحاب الدعوة الذين دعوا حبيب موسى إلى مكان يشمخ هدوءاً وشموخاً كي يصدح الفنَّان في قداسة المكان، ويطلق العنان لصوته الشجيِّ المتعطِّش لهياكل ومسارح الأديرة القديمة، وقد بدا لي حبيب موسى كأنَّه يحلِّق عالياً كنسرٍ جامح فوق مرتفعات جبل جودي، متوجّهاً نحو قمَّة آرارات وكأنّه في سفينة مماثلة لسفينة نوح في انتظار حمامة السلام، بعد أن تفاقمَ في كنفِ الأوطانِ هدير الطوفان!
تألَّقَ الفنَّان وتوهَّجَ ابتهالاً كأنَّه يرتِّل تراتيل كنسيَّة في مزارِ مار كبرئيل أو دير الزَّعفران أو كنيسة راسخة فوق مرتفات صخور معلولا المعرّشة في أجنحة التَّاريخ في أوجِ العصور الذَّهبية للسريان.
أيُّها السريان، هل ترونَ ما أراه الآن، هل تسمعون تجلِّيات صديق الأصدقاء الملفونو حبيب موسى، وخلفه يشمخ تمثالان لقدِّيسين كأنَّهما يشهدان على بلوغ أحفاد جلجامش إلى مسارح الخلود؟!
ارتعش جسمي من وهجِ التَّواصل مع حفاوةِ أصالةِ الصَّوتِ والمكان، وخرّت من عيني دمعتان، دمعةُ فرحٍ ودمعة تساؤلٍ على خلخلاتِ أجنحةِ أوَّل حضارة انبلجت على وجه الدُّنيا، تتهاوى في وادي الرافدين، في سهول بيت نهرين بين أنياب مجانين وحيتان هذا الزَّمان، وتتالت التساؤلات في أعماقِ الجراح الغائرة وصوت حبيب موسى يمسح الأسى المرسوم على شفير الحزن المتفاقم على مسارات غربتي وغربة ملايين الأحبة التائهين في انشطارات مسارات غربة الرُّوح اللاهثة في سماءٍ من بكاء. آهٍ يا بكاء وألف آهٍ يا سماء!!!
ما كان يبدو الفنان حبيب موسى أحياناً مرتاحاً للموسيقى التي كانت ترافقه، ومع هذا حلّق عالياً رغم بعض هفوات الموسيقى المرافقة، فأنطلقَ بأصالته الغنائيّة البديعة وكأنه في نزهة دافئة في حدائق بابل المعلَّقة في شموخِ السَّماء، هل كانت الموسيقى حزينة لما آلَتْ إليه الأمور أم أنَّها كانت تعكس انتشارِ شراسة الطغيان، طغيان الأسى على مساحات حنين القلوب إلى صباحاتٍ تموجُ برنين النواقيس في بدايات نيسان؟!
حضر الكونسيرت رئيس بلدية أنشخيده وأعضاء مجلس المدينة وعدداً من أعضاء البرلمان الهولندي وجمهور غفير من جالياتنا السريانية الآشورية، كان الجمهور يصغي بفرحٍ عميق إلى روحانية الغناء ويستمتع بروعةِ تجلِّياتِ الأداء والجوّ المهيب لهذا الصرح الرُّوحي الذي حلَّق فيه النَّورسُ عالياً كأنه في مواسم الحصاد الأخيرة يقطف الغلال الوفيرة، ثم قدَّم الموسيقي جوزيف جاجان رويداً رويداً أبهى ما لديه. فغنِّي حبيب موسى بطريقةٍ منعشة للقلب كأنه شهقة نيزكٍ مندلقٍ من بسمةِ السَّماء، رقصَتْ قلوب المشاهدين جذلى مع بهجةِ الألحان النابعة من ينابيع هياكل الأديرة القديمة.
نضحَ وجه الفنَّانة نغم موسى فرحاً وهي تغنِّي على أنغام الموسيقار ألياس موساكي ألحاناً عذبة، مدخلٌ يبهج القلب، رغم أنّي شعرت إيقاعاً أوبرالياً غريباً عن عوالم كنائسنا العامرة بألحانٍ لا تحصى، ومع هذا أطربني الأداء الذي سمعته، حيث غنَّت أغنية (لليانا) وأغنية (آنين شاميرام) التي لحّنها والدها الموسيقار أدوار موسى وكانت الأغنية موجّهة للبيت الأبيض، ولا أعلم كيف ستصل وكيف سيسمعها أعضاء البيت الأبيض، أم أنها مجرَّد رسالة على الهواء مباشرةً، وأطربني أداؤها أكثر عندما غنَّتِ الدويتو بمهارة طيّبة مع حبيب موسى، فجاءت انسيابية الألحان أكثر لأنها كانت من صميم موسيقانا السريانية الأصيلة.
انطلاقة فرقة كورال مار أفرام كانت جميلة، وقد غنّى عارف يعقوب وجورج عبدو وأحلام بهنان وصلات رائعة من الألحان السريانية الكنسية. أداء منسجم مع روعةِ المكان، ومرافقات نغم موسى في الآهات الأوبرالية بين الحين والآخر كانت موفَّقة وأعطاها مساحة مريحة في عفوّيةِ الإنطلاق. وتدفَّقَ حبيب موسى مُحلِّقاً بصوته الأوبرالي في سماءِ الإبداع، وحاولت نغم بأقصى ما لديها أن تجاريه فأنطلقا وكأنّهما في خضمِّ بوحِ الفرح.
لفتَ انتباهي المايسترو القدير ألياس موساكي وهو يتماوجُ متراقصاً مع الألحان التي كان يلملمها بإيقاع بديع وهو في قمّةِ الانسجام مع عوالم الغناء والأداء الأصيل مما ترك بسمات فرحية على محيّا نغم موسى وهو يتراقص بابتهاج عميق. كان حبيب موسى يتجّنبُ النظر إلى حفاوةِ الرقصِ لئلا ينخرط بعفوية فرحية هو الآخر مع إيقاع رقص المايسترو فنظر إلى الطرف الآخر تفادياً من مجاراته في الرقص، ولكن عزيزنا الموسيقار لم يكترث لما كان يجول في خاطر حبيب موسى بل إزداد استهاجاً ورقصاً وكأنه في إيقاع سيمفوني فريد، فلِم لا يتراقص بجنونٍ فرحي، شأنه شأن مايستروات السيمفونيات العالمية، فهل سيمفونيات العالم أكثر بهجة وانتعاشاً ممَّا نراه؟!
انتعشتُ فرحاً وأسدلتُ ستائري، عفواً ستائري دائماً منسدلة وجاهزٌ للرقص عندما يحين الأوان، وحان الأوان فنهضتُ أرقصُ بفرحٍ كبير، وكأنّي في منافسة عارمة مع عزيزنا موساكي، موسيقى راقية وغناء أصيل ينعش القلب، رقصتُ بطريقةٍ فرحيّة باذخة، حفاظاً على رشاقتي في جموحاتي الرقصية المعهودة!
رنَّ جرس الهاتف فلم أردّ لأنني كنتُ غائصاُ في عوالمي مع شاشة (صورويو تي في) الصغيرة، التي أنعشت ليلتي، هذه الشاشة التي نادراً ما تحرِّضي على الرقص مثلما حرَّضتني هذا المساء، إلى مَن سنرفع شكوانا في إدارة (صورويو تي في)، إلى الملفونو العزيز يوسف بيت طورو كي يطوّر قليلاً أو كثيراً البرامج الغنائية، بالتركيز على بثِّ المزيد من أغاني حبيب موسى ومايستروات على إيقاع موساكي ومَنْ ينحو منحاهما، لعلَّ وعسى نستطيع بين الحين والآخر أن نرقص بانتعاشٍ على إيقاع موسيقى وأغانٍ مبلَّلة بالفرح ومنسابة مثل مياه دجلة في أوج عناقها مع شهوةِ الغيوم؟!
أجاد عازف الأورغ جورج موساكي وغطّى العثرات التي رافقت أحياناً سير أداء الموسيقى. حبذا لو كانت الفرقة أكثر عدداً وأكثر مهارةً كي تكون بمقام طاقات الملك المبرعمة بشموخ على خشبة المسرح، ومع هذا غمرني فرحٌ حقيقي وأنا أشاهدُ هذا الكونسيرت البديع، وأرَّقني السؤال، كيف فات ويفوت على بيت طورو ومَن تعاقبوا على إدارة فضائياتنا على اغفال هكذا طاقات فنِّية أصيلة، تضاهي جموحات الأحصنة المندفعة نحو مروج بيت نهرين المعرّشة في عرين الإبداع، كيف فاتهم أن يحرموا الأحبة المشاهدين بين حينٍ وآخر من متعة تألّقِ ملكِ الطربِ والأصالة والغناء؟ تساؤلات مفتوحة لمَنْ يهمّه الأمر.
كم يدهشني ويؤلمني أن لا أرى في عالمنا السرياني فرقة سيمفونية خاصّة بهكذا أصالة باهرة كي نقدِّم ما لدينا من موسيقى وغناء سرياني طربي أصيل على أرقى مسارح العالم، وكي تتماوج فرحاً قلوب مايستروات العالم على إيقاع موسيقانا، وكي نؤكِّد للعالم أجمع أننا أحفاد أولى أرقى الحضارات على وجهِ الدُّنيا، وورثة موسيقى مار أفرام السرياني ـ (البيت كازْ)، نعزفها ونغنِّي على إيقاعِ ألحانها بمهارات فائقة، هذه الموسيقى المنبعثة من بخور الأديرة المقمَّطة بأجنحةِ المحبَّة وأزاهيرِ السَّلامِ وأصالةِ إبداعِ السِّريان على مدى الأزمان!!!
صبري يوسف
كاتب وشاعر سوري مقيم في ستوكهولم
sabriyousef1@hotmail.com
هوامش:
* موَّلَ هذا المهرجان مجلس مقاطعة (أوفرآيسل) الواقعة في وسط وشرق هولندة والتي تتبعها مدينة انشخيده.
* تمَّ إقامة هذا الكونسيرت بمناسبة المهرجان السنوي لموسيقى الشرق الأوسط ومدته أربعة أيام ويقام سنوياً في مدينة انشخيده، ويخصَّص أمسية من أماسي المهرجان للموسيقى الآشورية والسريانية.
* أحيا هذه الأمسية وأماسي عديدة أخرى، كورال مار أفرام التابع لنادي بيث نهرين الآثوري في مدينة انشخيده والذي أسَّسه منذ سبع سنوات ومازال يدربه ويقوده الموسيقار ألياس موساكي. حيث يتم من قبله انتقاء المقطوعات الموسيقية المناسبة لكل عرض وتدريب الكورال عليها مرة في الأسبوع بشكل مستمر. وحين يكون هناك عرض معين يجري دعوة مطربين وموسيقيين آخرين لمشاركة الكورال كما حدث في هذا الكونسيرت، دعوة كلٍّ من الفنان الكبير حبيب موسى والفنانة الشابة نغم أدور موسى بتقديم وصلات خاصة ومنفردة كما قدموا بمشاركة الكورال أغان أخرى، أما الموسيقيون الدائمون مع الكورال فهم: جورج موساكي على الأورغ ورواد ميخائيل للإيقاع ونيسون لحدو على الكمان وأورلوما لحدو وتوديليا لحدو على (دفارس فلاوت) الناي الغربي. وفي هذه الأمسية تمَّ دعوة موسيقيين آخرين للمشاركة وهم: جوزيف جاجان على العود ووسيم لحدو على الناي وكبرئيل على الساز/ البزق.
* (خروتي كيرك)، اسم الكنيسة بالهولندية، أي الكنيسة الكبيرة وتقع في وسط المدينة وهي تتبع المعهد العالي للموسيقى وتجري فيها حفلات موسيقية من هذا النوع.
* المقطوعات الموسيقية التي تمَّ تقديمها هي ما اختاره الموسيقار ألياس موساكي من تراتيل كنسية سريانية قديمة إضافة إلى مجموعة من أغاني الفنان حبيب موسى التي لحَّنها بنفسه وقد كتب كلماتها المطران جورج صليبا (مرلي أو نهرو) وسعيد لحدو (أوعزليذخ نيسانه) وجورج شمعون (عينوثخ ملفونيثو)..الخ
* قدَّم الفنَّان حبيب موسى وصلة تخشفوثو وراوي آشوري قديم وكذلك بعض الأغاني القومية التي لحَّنها الموسيقار كبرئيل أسعد. ورافقه على العود جوزيف جاجان.
* البيت كازْ: اصطلاح سرياني يعني مرجع خزينة الألحان السريانية الكنسيّة.
تنويه! أقدّم خالص الشكر للأستاذ سعيد لحدو على تعاونه معي وتقديم المعلومات المطلوبة حول إعداد وتقديم هذا الكونسيرت، حيث أرسل إليّ أغلب ما جاء في هوامش المقال من معلومات مما أعطى دقّةً في حيثيات المقال.
صبري يوسف- كاتب-شاعر-فنان
-
عدد الرسائل : 107
البلد الأم/الإقامة الحالية : السويد
الهوايات : الكتابة والفن
تاريخ التسجيل : 07/10/2008
مواضيع مماثلة
» حبيب موسى عميد الأغنية السريانية محلقاً....اسحق قومي
» نزار قباني: "فضائية" القرن العشرين
» أنا والسهر / موسى زغيب
» الزهرة تشبهني.............خاطرة بقلمي
» انتظرك
» نزار قباني: "فضائية" القرن العشرين
» أنا والسهر / موسى زغيب
» الزهرة تشبهني.............خاطرة بقلمي
» انتظرك
๑۩۩๑ المملكـــــــــــة الأدبيــــــــــــة ๑۩۩๑ :: أقـــــلام نـشـــطــة :: عندما تغفو الشموس قليلا / لنا عودة :: الأديب والشاعر والفنان السوري صبري يوسف
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى