أعمامي اللصوص مجموعة قصص تعري الواقع المنخور
3 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
أعمامي اللصوص مجموعة قصص تعري الواقع المنخور
(أعمامي اللصوص ) مجموعة قصصية تعري المجتمع المنخور
وتفضح سياسة التجويع التي تعرض لها العراقيون
( فيصل عبد الحسن) قاص وروائي عراقي كبير ، أصدر العديد من المجموعات القصصية والروايات ، وكان يمتلك حاسة نقدية كبيرة ، وجدت الأوضاع السلبية التي يعاني منها المجتمع العراقي ، بعد أن خاض حروبا عبثية مع الجار والشقيق ، خرج منها منهزما أبشع انهزام ، تعمل حكومته جهدها كي يظل رأسها في كرسي الحكم ، متمتعا بالقدرة على الفتك بالناس الأحرار ، مصادرا أرواحهم...
قدم القاص فيصل عبد الحسن عددا من الروايات ، نذكر منها (الليل والنهار)و( عراقيون أجناب) و( أقصى الجنوب) التي فازت عام 1989 بجائزة أفضل رواية عراقية
مجموعته القصصية ( أعمامي اللصوص) اكتسبت شهرة واسعة لجرأتها في تعرية الواقع العراقي المظلم ، ولقد ذكر القاص الحسن ظروف كتابتها :
-"أعمامي اللصوص" تضم قصصا كتبتها على مدى عقد من السنوات تقريبا، بدأت بأول قصة منها أوائل عام 1992 وانتهيت من كتابة آخر قصة نهاية عام 2002، لذلك جاءت القصص متنوعة ،تضم بين قصصها ما يتحدث عن جيل جديد لقطاع الطرق في العراق ، ظهروا خلال سنوات الحصار والاحتلال – تم احتلال الجزء الغربي من العراق 1991 من قبل قوات تحرير الكويت لفترة عام كامل قبل الاحتلال الكامل لتربة العراق الطاهرة عام 2003 من قبل أمريكا وبريطانيا وحلفائهما - وعن انتشار أفكار حديثة حول اللصوصية واللؤم والبخل وطرقها، وقد أفلحت تلك المدارس بظهور تلك المجاميع من الذئاب البشرية التي أفلحت بسرقة كل مرافق الدولة بعد سقوط هذه الأخيرة عام 2003، وقد تحدثت في قصص أخرى تحكي عن ناس شرفاء تصوفوا في حياتهم بفعل سنوات الحصار والحروب القاسية التي مرت على العراق فوجدوا في الموت ضالتهم وسعادتهم.
لقد أشار الناقد د. عبد الواحد سفيان في جريدة الاتحاد الاشتراكي المغربية متحدثا عن مجموعتي ، مشيرا إلى أن قصصها تذكرنا بالطرفة العربية التي تقول، إن رجلا يكره جاره ، فلما رأى جنازته تمر من أمامه، قال، الحمد لله ،الرجل المناسب في المكان المناسب.. فقد جاءت هذه القصص في وقتها لتعرية المجتمع العربي – والكلام للناقد - ونقد الظواهر السلبية في الشخصية العراقية، ولكننا عندما نقرأ القصص لا نشعر بأن رسالة أخلاقية يريد المؤلف توصيلها لنا، بل هو فنان يريد أن يضحك على أخطائنا ويشركنا معه في حفلة الضحك – انتهى كلام الناقد- ا
تتألف المجموعة من ثلاث عشرة قصة قصيرة ، بثلاثة أجزاء ، الجزء الأول يضم ست قصص ، هي على التوالي :العين – الجثة – أعمامه البخلاء- أعمامي السبعة- أعمامي المقلدون_ أعمامي اللصوص
الجزء الثاني يضم ثلاث قصص قصيرة هي :
الكلبة التي صارت نمرا- المضحكة –في ظهيرة قائظة
أما الجزء الثالث من المجموعة فيتضمن أربع قصص قصيرة ، هي على التوالي:
اللفافة العظيمة – لغة العيون الخائنة- وعاء الضغط- دنيا أخرى
رغم اختلاف الشخصيات في هذه المجموعة ، إلا أنها تتفق على استغفال الناس، وسلب ممتلكاتهم والضحك على الذقون ، الذي انتشر في تلك الآونة بعد أن اشتد الجوع بالناس ، وكثر العاطلون عن العمل ، ولم يعد راتب الدولة يكفي ، لإشباع الحاجات الأساسية للإنسان ، فضاعت الحقوق ، واسودت الأحوال ، وأصبح معظم الناس غير قادرين حتى على الأحلام.
في قصة ( العين) وهذه اللفظة قد تعني الجاسوس في اللغة العربية ، وتعني أيضا الشخص الذي يكون عينا لإخوانه ،على خصومهم ، فيراقب الخصوم ، لإيجاد الثغرة التي ينطلق منها ، للهجوم عليهم ، وجاءت لفظة ( العين) في هذه القصة ،حسب المعنى الثاني للكلمة العربية ، يجهد بطل القصة اللص في خداع الناس الآخرين ، وقيادتهم إلى مكان يستطيع فيه مع أصدقائه ، تجريدهم من ممتلكاتهم القليلة ، التي بذلوا جهدا كبيرا في الحصول عليها ، يراقب بطل القصة تصرفات الأشخاص الذين شاء سوء حظهم ، أن يكونوا معه في رحلته الطويلة في حافلة متعبة( وشاء لي عملي البغيض ،في إحدى ميليشيات الحزب ذاته ، في الأطراف وفي هذا الجو الموبوء أن أسافر مرات كثيرة من مكاني النائي قاصدا بغداد ، قبلة أنظار أهل البلاد وقاضية حاجاتهم ، وأنا أعلم بما حدث ويحدث في هذه العاصمة الواسعة ، من انعدام للأمن وفقر وخوف وأمراض معدية )
يتظاهر بطل القصة انه لا يعلم شيئا ، عن القادمين الجدد وهم النهابون :( وككل مرة شعر هذا السائق أيضا بالأمان ، وقلل من سرعتها ، حتى توقفت على جانب الطريق وصعد النهابون مع سلاحهم ، وككل مرة نحينا السائق من مكانه ، وجلست بدلا عنه لقيادة الحافلة ، ووجه أصحابي سلاحهم الملطخ ببوية الحكومة، إلى وجوه الركاب المرعوبين ، فيما قدت الحافلة بعيدا عن الشارع العام ،صوب عمق الصحراء حيث ينتظرنا آخرون ، لفتح العجلات والأجزاء الغالية من محرك السيارة ، ويشرع الباقون من إخواننا ، بسلب الركاب ما يحملونه من مال وأمتعة).
القصة الثانية عنوانها ( الجثة) وهي قصة ساخرة ،تبين الفارق الساطع بين التفوق العسكري الأمريكي و ضعف النظام العراقي ،وعنجهيته وزجه البلاد في أتون حرب غير عادلة ، أنجبت اليتم والمعاناة والقهر المتواصل ، القصة تتحدث عن مشكلة حقيقية تواجه مقاول المكائن المستهلكة ، حين اكتشف بين هياكل السيارات المحترقة جثة طيار أمريكي ، لم يبق منها في البدلة سوى بقايا لحم متفسخ وجمجمة بيضاء ، والخوف المرعب الذي يستولي على الرجال حين يجدون جثة عسكري أمريكي ، وليس أي عسكري آخر ، فما هي حجم الأخطار التي يمكن ان تواجههم ؟، ومن يمكنه ان يصدق ان الجثة تلك ، لم يكن لهم دخل في قتل صاحبها الأمريكي ، وإنما المصيبة جاءتهم تسعى ، إلى منازلهم وهم حيارى ، من يمكن أن يصدق أنهم أبرياء ؟ هل الحكومة العراقية أم الحكومة الأمريكية ،التي تريد أن تثأر لابنها القتيل ، وتعاقب من أهدر دمه المسفوك ، وتقيم ل ( المجرم) محاكمة ولعائلته في الدار الأمريكية ، أدهشني الوصف الممتع ، الذي أجاده القاص بمهارة كبيرة ،وهو يصف للقاريء التفوق العسكري الأمريكي: ( فبانت الجثة ، كومة لحم متعفن ، مغطاة بآخر ما توصلت إليه التكنلوجيا العسكرية ، غطاء للرأس يمتليء بالمصابيح المطفأة ، وعينا الطيار تحولتا إلى تجويفين يمتلئان بسائل خابط شديد الكثافة ،وبين عظام الأصابع المغطاة بقفاز أسود جهاز صغير بعمود من النحاس ، والجهاز ما زال يعمل ،مرسلا ذبذبات لها صوت خفيض ، والحشرات ما زالت تفترس الجثة ، وفي الحذاء ، عند العقبين نجمة حديدية تدور حول محورها ، وتتصل بسلك ، يختفي أسفل البدلة ، ........ وفي حزام البدلة علق مسدس غريب ، بماسورة طويلة من الفضة ، والى جانبه جهاز آخر ، يشبه مصباحا يدويا ، ولكن بزجاج معتم ........ وفي جيب الساق خرائط كثيرة عليها إشارات حمراء ......والى جانبه أكثر من حقيبة يد مفتوحة ، تمتليء بأجهزة صغيرة ،غامقة اللون ،مملوءة بالأزرار وشاشات العرض الالكترونية)
في قصة ( أعمامه البخلاء) يتحدث الكاتب بأسلوب ممتع عن البخل ، وكيف يفخر البخلاء الماهرون ، بوجود هذه الصفة التي تدل على الغنى ، وعلى البراعة في الاحتفاظ بالمال ، فهم ليسوا قليلي العقل ، أغبياء مثل الكرماء ، يبذرون أموالهم في التوافه من الأمور: (كان الأب في الأيام الخوالي يبعث ثلاثة من أولاده الأشداء ويطلب منهم أن يغسلوا أيديهم بالماء والصابون جيدا) ثم يأمرهم ان يذهبوا الى حوانيت القصابين ، لا لكي يشتروا اللحوم ، وإنما كي يمسكوا اللحم المعروض وان يضعوا عليه أيديهم ، حتى تلصق بها بعض الفتات اللحمية ، فإذا ما عادوا الى المنزل ، غسلوا تلك الأيادي ، وجمعوا ماء الغسيل ، معتبرين إياه ماء لحم مفيد ومغذيا ، وهذه القصة الطريفة الساخرة ،ذكرتني ببخلاء الجاحظ ،وكيف ان الأب البخيل كان يضع قطعة الجبن ، ويأتي أبناؤه واضعين الخبز عليها ،فقط دون اقتطاع جزء من الجبن ، فإذا ما شب الابن وكبر ، وجد ما يفعله الأب تبذيرا ، يجب التخلص منه ، فيقوم بوضع قطعة الجبن ، في وسط المنزل ،÷ ويقوم الأولاد بالإيماء إليها والإشارة ، وبذلك يكتسبون مذاق الجبن اللذيذ.
في قصة ( أعمامي السبعة) نجد الحكايات الجميلة ، عن الرغبة في السرقة ، وسلب الناس ما يملكون ، طرحه الكاتب بمهارة مثيرة للإعجاب ، بين كيف تتحول أعمال السطو ، ضد الآخرين إلى أعمال بطولية ، حين تختل المباديء الإنسانية ويكتسب الاعتداء على الناس البسطاء ، مفهوما مغايرا للحقيقة ، يصفه الجاهلون المتنفذون قوة ، وهو في حقيقة الأمر ضعف ، وعدم تحلي الشخص بمزايا الخلق، التي تمنعه من العدوان على الناس ، وتهديد حيواتهم : ( في الهزيع الأخير من الليل أستيقظ على أصوات همهمات ونداءات خافتة ، وفي عيني النعاس ، أراهم على ضوء شعلة النفط المسودة ، يستعدون للذهاب لسرقة المعدان ، ونهب جواميسهم وخرافهم وبقرهم ودجاجهم ، وذهب نسائهم وهم يدعون الله مخلصين أن يوفقهم في غزواتهم)
في قصة ( أعمامي المقلدون) يروي الكتاب بأسلوب ساخر ، كيف يكون الأشخاص حين يقلدون الآخرين ، فتضعف شخصياتهم ، وتصبح مسخا خائرا ، عائلة يقلد أفرادها أناسا ناجحين ، واحد منها يقلد المطرب فريد الأطرش ، وثان يقلد العندليب عبد الحليم حافظ ، وآخر يقلد دعية إسلاميا ،ورابع يقلد زعيما سياسيا ( نحن عائلة من المقلدين الكبار ، يعرفها القاصي والداني من الأقرب والجيران ، نقلد من يجذب انتباهنا وينحفر في ذاكرتنا) والتقليد مرض من الأمراض الاجتماعية ، يصبح خطرا حين ينتشر بين الناس ، ولا يسلم الفرد إلا إن أحسن تقليد شخصية متنفذة ، تجبر الناس المساكين على ان يفعلوا مثلها ، اختيارا أم إرغاما ، وبذلك ينعدم النجاح وتتفشى أساليب الخداع ، وتفوز الطرق الملتوية في النفاق ، وفي الحصول على الفرص في تحقيق المصالح الفردية
في قصة ( أعمامي اللصوص) متعة كبيرة ،يحصل عليها القاريء ، لقد أبدع الكاتب قي ذكر القصص التي يفخر أبطالها ، في سرقة الناس البسطاء والضحك عليهم ،وسلبهم ما ظلوا طوال حيواتهم يجمعونه بالعرق والكفاح.
يبدع القاص الماهر في قصته المعنونة :( الكلبة التي صارت نمرا) في تصوير ألام الجوع ، التي أصابت شعبا عزيزا ،ابتلي بحروب طويلة وعبثية ، لاهدف وطنيا من وراءها ، وفرض عليه حصار ظالم وطويل ، كلبة جائعة ، لاتجد ما يسد رمقها ، بعد أن أعيا الجوع الناس ، فكيف تتمكن الكلبة ، من الحصول على الطعام؟ ، يحاول مخرج مسرحي ساخر ، ان يحول الكلبة البائسة الجائعة الى نمرة مفترسة ، وهذا ما يتطلبه الدور( بركت الكلبة بكل أثقالها وأحزانها وجوعها ،وقفزت مارقة كالسهم ، بحركة انتحارية أخيرة ، صوب ساق السيدة الأجنبية واقتطعت بأنيابها :قبضة لحم بحجم الكف ،من ربلتها وسط دهشة الجميع وارتباكهم)
في قصة ( المضحكة) يخبرنا القاص:عن محاولة النفوس البشرية إلى الكفاح والجد ، للحصول على ما تريد من حاجات ، فإذا ما أعياها الحال ، ووجدت تحقيق أحلامها البسيطة من المحال ، قد تبدع أساليب جديدة ،في إضفاء بعض المعنى ،على حيواتها البائسة ودنياها الكالحة ، في هذه القصة يعمد الناس إلى جلب بعض اللحظات الممتعة في حياتهم ، بالضحك المتواصل ، وهي طريقة ناجعة ،أثبت علم النفس ان الضحك علاج ناجح ، للنفوس المكدودة التي تعبت من الحياة ، ولم تجد وسيلة ، للتغلب على مشاكلها ،إلا بالضحك المستمر ، الذي يجعلها ترى تلك العقبات ، بمنظار آخر اقل تشاؤما ، وأكثر مدعاة إلى الابتهاج (لم يعرف احد من صاحب فكرة هذا النوع من المقاهي؟ ، وقد بدا لهم صاحب مقهى الفكاهة أفاقا أو من الذين ينتظرون الفرصة السانحة ، ويخلقونها من اللاشيء إذا لم تأت ....)
في ( ظهيرة قائظة) نجد تهما توجه للأبرياء ، تأتي الطائرات الأمريكية وتضرب الناس ، فتوجه لهم الحكومة تهما ، بأنهم من جاء بتلك الطائرات المعتدية ،والمرسلة آلاف الأطنان ، من الأسلحة الفتاكة والقنابل الجهنمية : ( توقفت الطائرات الأمريكية ، فوق مدينتنا الصغيرة ، وأخذت تمطر العاصمة بوابل من صواريخها ، ونظر أهل مدينتنا إليها مندهشين ، فهي المرة الأولى التي يرى فيها الناس طائرات واقفة في السماء)
في قصة ( اللفافة العظيمة) نجد ذلك الصراع المرعب ،الذي يصيب الإنسان الأبي الكريم ، حين يتعرض لعدون الجوع الشرس ، ولا يجد ما يسد رمقه ، تأتي المتسولة تستجدي المعونة ، من الشاعر الذي فقد القدرة ،على إشباع جوعه في زمن لئيم ،لايعرف الإحسان ، ينظر الشاعر بتحسر إلى لقيمات ، تقوم المرأة المتسولة في وضعها في فمها ، ونفسه تتحرق الى الحصول على طعام ، أصبح مطلبا عزيزا ، في زمن الحروب ، وتبذير الثروة القومية في المظاهر ، التي تشبع غرور السلطان ، والشاعر في حيرته وتردده ، بين قبول اللقمة ،التي تحسن بها اليه المسكينة الفقيرة ، وبين الرفض الذي يرضي كبرياءه المهدورة ، تغادر المتسولة منزل الشاعر ، وقد تركت له لفافة رائعة ، من الكيك المخلوط بالزبدة ، والجوز والكاكاو ، وهنا يعيش الشاعر صراعا رهيبا ، بين أن يتمتع بطعم ما في اللفافة ، التي تركتها المرأة الفقيرة ، وبين خوفه أن تعود تلك المرأة ، مطالبة بما نسيته من طعام ، وأغلب ظني أن المرأة تلك ، كانت من كرم الطباع ، قد تركت اللفافة متعمدة للشاعر ، بعد أن لاحظت شدة جوعه ، وكبر احتياجه للطعام
في قصص المجموعة صراع كبير ، مفاهيم مختلفة وأضدادها ، نجد الأشخاص المتصفين بالأمانة ،والظلم الذي يجدونه من ذويهم المتطلعين ، الى التمتع بالملذات مهما كان الثمن ، ولو أدى ذلك الى خيانة الأمانة والاعتداء على الثقة ،التي استطاع الإنسان ، أن يبنيها بجهاده الطويل ، ونشوئه في بيئة كريمة ،علمته كيفية احترام الخلق ، والدفاع عن القيم الأصيلة ، التي تربي عليها ووجد الناس الآخرين يتخلون عنها ،لفرط حاجتهم في زمن الجوع ، ووجد نفسه صامدة لايتزعزع إيمانه ، بقيمة المثل التي انغرست في نفسه رغم تدني الأخلاق ، وتعدي بعض الأشخاص على البعض الآخر ، وانعدام مفاهيم العدالة والمساواة.
قصص جميلة تتحدث عن معاناة الإنسان ، وعن رغبته الشديدة في التمتع بالكرامة والحقوق ، كما يحصل للأسوياء عادة ، في كل بقاع الأرض ، ولكن الفرد العراقي رغم غنى بلاده ، وان الله قد انعم على تلك الأرض الطيبة ،بالكثير من الخيرات ، إلا إن الحروب الطويلة ،التي عانى منها أهل البلاد ، وفرض الحصار الظالم ، ورغبة أمريكا أن تجد العراق ضعيفا معزولا ، كي تتمكن من الانتصار عليه ،وتغيير حكومته في الوقت ، الذي تجد انه يحقق مصالحها في الهيمنة والاستعمار ، هذا الفرد العراقي المكافح ، قد يرضى بكل شيء ،حين يجد عمله المتواصل ،عاجزا عن تحقيق طموحاته البسيطة في الطعام المفيد ، والكساء الجميل ، في قصة ( وعاء الضغط) تبلغ معاناة الإنسان أبشع درجاتها ، حين توافق عائلة تتكون من أب وأم وولدهما ، على التعرض للتجارب التي لايعرفون لم تقام؟ ، والدخول في وعاء للضغط ،÷ كي يحصلوا بعد التجربة على ثمنها ببعض النقود
قصص ممتعة كثيرا ، برع القاص الماهر ( فيصل عبد الحسن) في تصوير المعاناة الطويلة ، والحياة القاسية لتي تجرعها الإنسان العراقي ، والتي استطاعت لبشاعتها أن تغير بعض النفوس ، وان تقلب المفاهيم ، الا بعض النفوس الطيبة والقوية ذات المعدن الأصيل
الكاتب القاص في سطور
كاتب عراقي مقيم بالمغرب / الاسم : فيصل عبد الحسن
• له الكتب المطبوعة : العروس –قصص- بغداد 1986، ربيع كاذب –قصص- بغداد 1987 ، أعمامي اللصوص –قصص القاهرة 2002 وللكاتب ثلاث روايات مطبوعة : الليل والنهار بغداد 1985
• أقصى الجنوب بغداد 1989 ، عراقيون أجناب الرباط 1999 ،
* ولد الكاتب في البصرة عام 1953
* اكمل دراسته في جامعة البصرة كلية الهندسة عام 1978
*نشر أولى قصصه حين كان طالبا في الإعدادية في عام 1976
* عضو اتحاد الأدباء العراقي
*عضو نقابة الصحفيين العراقيين
يعيش خارج العراق منذ عام 1995 *
* الكاتب العام لجمعية الرافدين العراقية في المغرب
*رئيس فخري للعديد من النوادي الثقافية في المغرب
بقلم : صبيحة شبر
وتفضح سياسة التجويع التي تعرض لها العراقيون
( فيصل عبد الحسن) قاص وروائي عراقي كبير ، أصدر العديد من المجموعات القصصية والروايات ، وكان يمتلك حاسة نقدية كبيرة ، وجدت الأوضاع السلبية التي يعاني منها المجتمع العراقي ، بعد أن خاض حروبا عبثية مع الجار والشقيق ، خرج منها منهزما أبشع انهزام ، تعمل حكومته جهدها كي يظل رأسها في كرسي الحكم ، متمتعا بالقدرة على الفتك بالناس الأحرار ، مصادرا أرواحهم...
قدم القاص فيصل عبد الحسن عددا من الروايات ، نذكر منها (الليل والنهار)و( عراقيون أجناب) و( أقصى الجنوب) التي فازت عام 1989 بجائزة أفضل رواية عراقية
مجموعته القصصية ( أعمامي اللصوص) اكتسبت شهرة واسعة لجرأتها في تعرية الواقع العراقي المظلم ، ولقد ذكر القاص الحسن ظروف كتابتها :
-"أعمامي اللصوص" تضم قصصا كتبتها على مدى عقد من السنوات تقريبا، بدأت بأول قصة منها أوائل عام 1992 وانتهيت من كتابة آخر قصة نهاية عام 2002، لذلك جاءت القصص متنوعة ،تضم بين قصصها ما يتحدث عن جيل جديد لقطاع الطرق في العراق ، ظهروا خلال سنوات الحصار والاحتلال – تم احتلال الجزء الغربي من العراق 1991 من قبل قوات تحرير الكويت لفترة عام كامل قبل الاحتلال الكامل لتربة العراق الطاهرة عام 2003 من قبل أمريكا وبريطانيا وحلفائهما - وعن انتشار أفكار حديثة حول اللصوصية واللؤم والبخل وطرقها، وقد أفلحت تلك المدارس بظهور تلك المجاميع من الذئاب البشرية التي أفلحت بسرقة كل مرافق الدولة بعد سقوط هذه الأخيرة عام 2003، وقد تحدثت في قصص أخرى تحكي عن ناس شرفاء تصوفوا في حياتهم بفعل سنوات الحصار والحروب القاسية التي مرت على العراق فوجدوا في الموت ضالتهم وسعادتهم.
لقد أشار الناقد د. عبد الواحد سفيان في جريدة الاتحاد الاشتراكي المغربية متحدثا عن مجموعتي ، مشيرا إلى أن قصصها تذكرنا بالطرفة العربية التي تقول، إن رجلا يكره جاره ، فلما رأى جنازته تمر من أمامه، قال، الحمد لله ،الرجل المناسب في المكان المناسب.. فقد جاءت هذه القصص في وقتها لتعرية المجتمع العربي – والكلام للناقد - ونقد الظواهر السلبية في الشخصية العراقية، ولكننا عندما نقرأ القصص لا نشعر بأن رسالة أخلاقية يريد المؤلف توصيلها لنا، بل هو فنان يريد أن يضحك على أخطائنا ويشركنا معه في حفلة الضحك – انتهى كلام الناقد- ا
تتألف المجموعة من ثلاث عشرة قصة قصيرة ، بثلاثة أجزاء ، الجزء الأول يضم ست قصص ، هي على التوالي :العين – الجثة – أعمامه البخلاء- أعمامي السبعة- أعمامي المقلدون_ أعمامي اللصوص
الجزء الثاني يضم ثلاث قصص قصيرة هي :
الكلبة التي صارت نمرا- المضحكة –في ظهيرة قائظة
أما الجزء الثالث من المجموعة فيتضمن أربع قصص قصيرة ، هي على التوالي:
اللفافة العظيمة – لغة العيون الخائنة- وعاء الضغط- دنيا أخرى
رغم اختلاف الشخصيات في هذه المجموعة ، إلا أنها تتفق على استغفال الناس، وسلب ممتلكاتهم والضحك على الذقون ، الذي انتشر في تلك الآونة بعد أن اشتد الجوع بالناس ، وكثر العاطلون عن العمل ، ولم يعد راتب الدولة يكفي ، لإشباع الحاجات الأساسية للإنسان ، فضاعت الحقوق ، واسودت الأحوال ، وأصبح معظم الناس غير قادرين حتى على الأحلام.
في قصة ( العين) وهذه اللفظة قد تعني الجاسوس في اللغة العربية ، وتعني أيضا الشخص الذي يكون عينا لإخوانه ،على خصومهم ، فيراقب الخصوم ، لإيجاد الثغرة التي ينطلق منها ، للهجوم عليهم ، وجاءت لفظة ( العين) في هذه القصة ،حسب المعنى الثاني للكلمة العربية ، يجهد بطل القصة اللص في خداع الناس الآخرين ، وقيادتهم إلى مكان يستطيع فيه مع أصدقائه ، تجريدهم من ممتلكاتهم القليلة ، التي بذلوا جهدا كبيرا في الحصول عليها ، يراقب بطل القصة تصرفات الأشخاص الذين شاء سوء حظهم ، أن يكونوا معه في رحلته الطويلة في حافلة متعبة( وشاء لي عملي البغيض ،في إحدى ميليشيات الحزب ذاته ، في الأطراف وفي هذا الجو الموبوء أن أسافر مرات كثيرة من مكاني النائي قاصدا بغداد ، قبلة أنظار أهل البلاد وقاضية حاجاتهم ، وأنا أعلم بما حدث ويحدث في هذه العاصمة الواسعة ، من انعدام للأمن وفقر وخوف وأمراض معدية )
يتظاهر بطل القصة انه لا يعلم شيئا ، عن القادمين الجدد وهم النهابون :( وككل مرة شعر هذا السائق أيضا بالأمان ، وقلل من سرعتها ، حتى توقفت على جانب الطريق وصعد النهابون مع سلاحهم ، وككل مرة نحينا السائق من مكانه ، وجلست بدلا عنه لقيادة الحافلة ، ووجه أصحابي سلاحهم الملطخ ببوية الحكومة، إلى وجوه الركاب المرعوبين ، فيما قدت الحافلة بعيدا عن الشارع العام ،صوب عمق الصحراء حيث ينتظرنا آخرون ، لفتح العجلات والأجزاء الغالية من محرك السيارة ، ويشرع الباقون من إخواننا ، بسلب الركاب ما يحملونه من مال وأمتعة).
القصة الثانية عنوانها ( الجثة) وهي قصة ساخرة ،تبين الفارق الساطع بين التفوق العسكري الأمريكي و ضعف النظام العراقي ،وعنجهيته وزجه البلاد في أتون حرب غير عادلة ، أنجبت اليتم والمعاناة والقهر المتواصل ، القصة تتحدث عن مشكلة حقيقية تواجه مقاول المكائن المستهلكة ، حين اكتشف بين هياكل السيارات المحترقة جثة طيار أمريكي ، لم يبق منها في البدلة سوى بقايا لحم متفسخ وجمجمة بيضاء ، والخوف المرعب الذي يستولي على الرجال حين يجدون جثة عسكري أمريكي ، وليس أي عسكري آخر ، فما هي حجم الأخطار التي يمكن ان تواجههم ؟، ومن يمكنه ان يصدق ان الجثة تلك ، لم يكن لهم دخل في قتل صاحبها الأمريكي ، وإنما المصيبة جاءتهم تسعى ، إلى منازلهم وهم حيارى ، من يمكن أن يصدق أنهم أبرياء ؟ هل الحكومة العراقية أم الحكومة الأمريكية ،التي تريد أن تثأر لابنها القتيل ، وتعاقب من أهدر دمه المسفوك ، وتقيم ل ( المجرم) محاكمة ولعائلته في الدار الأمريكية ، أدهشني الوصف الممتع ، الذي أجاده القاص بمهارة كبيرة ،وهو يصف للقاريء التفوق العسكري الأمريكي: ( فبانت الجثة ، كومة لحم متعفن ، مغطاة بآخر ما توصلت إليه التكنلوجيا العسكرية ، غطاء للرأس يمتليء بالمصابيح المطفأة ، وعينا الطيار تحولتا إلى تجويفين يمتلئان بسائل خابط شديد الكثافة ،وبين عظام الأصابع المغطاة بقفاز أسود جهاز صغير بعمود من النحاس ، والجهاز ما زال يعمل ،مرسلا ذبذبات لها صوت خفيض ، والحشرات ما زالت تفترس الجثة ، وفي الحذاء ، عند العقبين نجمة حديدية تدور حول محورها ، وتتصل بسلك ، يختفي أسفل البدلة ، ........ وفي حزام البدلة علق مسدس غريب ، بماسورة طويلة من الفضة ، والى جانبه جهاز آخر ، يشبه مصباحا يدويا ، ولكن بزجاج معتم ........ وفي جيب الساق خرائط كثيرة عليها إشارات حمراء ......والى جانبه أكثر من حقيبة يد مفتوحة ، تمتليء بأجهزة صغيرة ،غامقة اللون ،مملوءة بالأزرار وشاشات العرض الالكترونية)
في قصة ( أعمامه البخلاء) يتحدث الكاتب بأسلوب ممتع عن البخل ، وكيف يفخر البخلاء الماهرون ، بوجود هذه الصفة التي تدل على الغنى ، وعلى البراعة في الاحتفاظ بالمال ، فهم ليسوا قليلي العقل ، أغبياء مثل الكرماء ، يبذرون أموالهم في التوافه من الأمور: (كان الأب في الأيام الخوالي يبعث ثلاثة من أولاده الأشداء ويطلب منهم أن يغسلوا أيديهم بالماء والصابون جيدا) ثم يأمرهم ان يذهبوا الى حوانيت القصابين ، لا لكي يشتروا اللحوم ، وإنما كي يمسكوا اللحم المعروض وان يضعوا عليه أيديهم ، حتى تلصق بها بعض الفتات اللحمية ، فإذا ما عادوا الى المنزل ، غسلوا تلك الأيادي ، وجمعوا ماء الغسيل ، معتبرين إياه ماء لحم مفيد ومغذيا ، وهذه القصة الطريفة الساخرة ،ذكرتني ببخلاء الجاحظ ،وكيف ان الأب البخيل كان يضع قطعة الجبن ، ويأتي أبناؤه واضعين الخبز عليها ،فقط دون اقتطاع جزء من الجبن ، فإذا ما شب الابن وكبر ، وجد ما يفعله الأب تبذيرا ، يجب التخلص منه ، فيقوم بوضع قطعة الجبن ، في وسط المنزل ،÷ ويقوم الأولاد بالإيماء إليها والإشارة ، وبذلك يكتسبون مذاق الجبن اللذيذ.
في قصة ( أعمامي السبعة) نجد الحكايات الجميلة ، عن الرغبة في السرقة ، وسلب الناس ما يملكون ، طرحه الكاتب بمهارة مثيرة للإعجاب ، بين كيف تتحول أعمال السطو ، ضد الآخرين إلى أعمال بطولية ، حين تختل المباديء الإنسانية ويكتسب الاعتداء على الناس البسطاء ، مفهوما مغايرا للحقيقة ، يصفه الجاهلون المتنفذون قوة ، وهو في حقيقة الأمر ضعف ، وعدم تحلي الشخص بمزايا الخلق، التي تمنعه من العدوان على الناس ، وتهديد حيواتهم : ( في الهزيع الأخير من الليل أستيقظ على أصوات همهمات ونداءات خافتة ، وفي عيني النعاس ، أراهم على ضوء شعلة النفط المسودة ، يستعدون للذهاب لسرقة المعدان ، ونهب جواميسهم وخرافهم وبقرهم ودجاجهم ، وذهب نسائهم وهم يدعون الله مخلصين أن يوفقهم في غزواتهم)
في قصة ( أعمامي المقلدون) يروي الكتاب بأسلوب ساخر ، كيف يكون الأشخاص حين يقلدون الآخرين ، فتضعف شخصياتهم ، وتصبح مسخا خائرا ، عائلة يقلد أفرادها أناسا ناجحين ، واحد منها يقلد المطرب فريد الأطرش ، وثان يقلد العندليب عبد الحليم حافظ ، وآخر يقلد دعية إسلاميا ،ورابع يقلد زعيما سياسيا ( نحن عائلة من المقلدين الكبار ، يعرفها القاصي والداني من الأقرب والجيران ، نقلد من يجذب انتباهنا وينحفر في ذاكرتنا) والتقليد مرض من الأمراض الاجتماعية ، يصبح خطرا حين ينتشر بين الناس ، ولا يسلم الفرد إلا إن أحسن تقليد شخصية متنفذة ، تجبر الناس المساكين على ان يفعلوا مثلها ، اختيارا أم إرغاما ، وبذلك ينعدم النجاح وتتفشى أساليب الخداع ، وتفوز الطرق الملتوية في النفاق ، وفي الحصول على الفرص في تحقيق المصالح الفردية
في قصة ( أعمامي اللصوص) متعة كبيرة ،يحصل عليها القاريء ، لقد أبدع الكاتب قي ذكر القصص التي يفخر أبطالها ، في سرقة الناس البسطاء والضحك عليهم ،وسلبهم ما ظلوا طوال حيواتهم يجمعونه بالعرق والكفاح.
يبدع القاص الماهر في قصته المعنونة :( الكلبة التي صارت نمرا) في تصوير ألام الجوع ، التي أصابت شعبا عزيزا ،ابتلي بحروب طويلة وعبثية ، لاهدف وطنيا من وراءها ، وفرض عليه حصار ظالم وطويل ، كلبة جائعة ، لاتجد ما يسد رمقها ، بعد أن أعيا الجوع الناس ، فكيف تتمكن الكلبة ، من الحصول على الطعام؟ ، يحاول مخرج مسرحي ساخر ، ان يحول الكلبة البائسة الجائعة الى نمرة مفترسة ، وهذا ما يتطلبه الدور( بركت الكلبة بكل أثقالها وأحزانها وجوعها ،وقفزت مارقة كالسهم ، بحركة انتحارية أخيرة ، صوب ساق السيدة الأجنبية واقتطعت بأنيابها :قبضة لحم بحجم الكف ،من ربلتها وسط دهشة الجميع وارتباكهم)
في قصة ( المضحكة) يخبرنا القاص:عن محاولة النفوس البشرية إلى الكفاح والجد ، للحصول على ما تريد من حاجات ، فإذا ما أعياها الحال ، ووجدت تحقيق أحلامها البسيطة من المحال ، قد تبدع أساليب جديدة ،في إضفاء بعض المعنى ،على حيواتها البائسة ودنياها الكالحة ، في هذه القصة يعمد الناس إلى جلب بعض اللحظات الممتعة في حياتهم ، بالضحك المتواصل ، وهي طريقة ناجعة ،أثبت علم النفس ان الضحك علاج ناجح ، للنفوس المكدودة التي تعبت من الحياة ، ولم تجد وسيلة ، للتغلب على مشاكلها ،إلا بالضحك المستمر ، الذي يجعلها ترى تلك العقبات ، بمنظار آخر اقل تشاؤما ، وأكثر مدعاة إلى الابتهاج (لم يعرف احد من صاحب فكرة هذا النوع من المقاهي؟ ، وقد بدا لهم صاحب مقهى الفكاهة أفاقا أو من الذين ينتظرون الفرصة السانحة ، ويخلقونها من اللاشيء إذا لم تأت ....)
في ( ظهيرة قائظة) نجد تهما توجه للأبرياء ، تأتي الطائرات الأمريكية وتضرب الناس ، فتوجه لهم الحكومة تهما ، بأنهم من جاء بتلك الطائرات المعتدية ،والمرسلة آلاف الأطنان ، من الأسلحة الفتاكة والقنابل الجهنمية : ( توقفت الطائرات الأمريكية ، فوق مدينتنا الصغيرة ، وأخذت تمطر العاصمة بوابل من صواريخها ، ونظر أهل مدينتنا إليها مندهشين ، فهي المرة الأولى التي يرى فيها الناس طائرات واقفة في السماء)
في قصة ( اللفافة العظيمة) نجد ذلك الصراع المرعب ،الذي يصيب الإنسان الأبي الكريم ، حين يتعرض لعدون الجوع الشرس ، ولا يجد ما يسد رمقه ، تأتي المتسولة تستجدي المعونة ، من الشاعر الذي فقد القدرة ،على إشباع جوعه في زمن لئيم ،لايعرف الإحسان ، ينظر الشاعر بتحسر إلى لقيمات ، تقوم المرأة المتسولة في وضعها في فمها ، ونفسه تتحرق الى الحصول على طعام ، أصبح مطلبا عزيزا ، في زمن الحروب ، وتبذير الثروة القومية في المظاهر ، التي تشبع غرور السلطان ، والشاعر في حيرته وتردده ، بين قبول اللقمة ،التي تحسن بها اليه المسكينة الفقيرة ، وبين الرفض الذي يرضي كبرياءه المهدورة ، تغادر المتسولة منزل الشاعر ، وقد تركت له لفافة رائعة ، من الكيك المخلوط بالزبدة ، والجوز والكاكاو ، وهنا يعيش الشاعر صراعا رهيبا ، بين أن يتمتع بطعم ما في اللفافة ، التي تركتها المرأة الفقيرة ، وبين خوفه أن تعود تلك المرأة ، مطالبة بما نسيته من طعام ، وأغلب ظني أن المرأة تلك ، كانت من كرم الطباع ، قد تركت اللفافة متعمدة للشاعر ، بعد أن لاحظت شدة جوعه ، وكبر احتياجه للطعام
في قصص المجموعة صراع كبير ، مفاهيم مختلفة وأضدادها ، نجد الأشخاص المتصفين بالأمانة ،والظلم الذي يجدونه من ذويهم المتطلعين ، الى التمتع بالملذات مهما كان الثمن ، ولو أدى ذلك الى خيانة الأمانة والاعتداء على الثقة ،التي استطاع الإنسان ، أن يبنيها بجهاده الطويل ، ونشوئه في بيئة كريمة ،علمته كيفية احترام الخلق ، والدفاع عن القيم الأصيلة ، التي تربي عليها ووجد الناس الآخرين يتخلون عنها ،لفرط حاجتهم في زمن الجوع ، ووجد نفسه صامدة لايتزعزع إيمانه ، بقيمة المثل التي انغرست في نفسه رغم تدني الأخلاق ، وتعدي بعض الأشخاص على البعض الآخر ، وانعدام مفاهيم العدالة والمساواة.
قصص جميلة تتحدث عن معاناة الإنسان ، وعن رغبته الشديدة في التمتع بالكرامة والحقوق ، كما يحصل للأسوياء عادة ، في كل بقاع الأرض ، ولكن الفرد العراقي رغم غنى بلاده ، وان الله قد انعم على تلك الأرض الطيبة ،بالكثير من الخيرات ، إلا إن الحروب الطويلة ،التي عانى منها أهل البلاد ، وفرض الحصار الظالم ، ورغبة أمريكا أن تجد العراق ضعيفا معزولا ، كي تتمكن من الانتصار عليه ،وتغيير حكومته في الوقت ، الذي تجد انه يحقق مصالحها في الهيمنة والاستعمار ، هذا الفرد العراقي المكافح ، قد يرضى بكل شيء ،حين يجد عمله المتواصل ،عاجزا عن تحقيق طموحاته البسيطة في الطعام المفيد ، والكساء الجميل ، في قصة ( وعاء الضغط) تبلغ معاناة الإنسان أبشع درجاتها ، حين توافق عائلة تتكون من أب وأم وولدهما ، على التعرض للتجارب التي لايعرفون لم تقام؟ ، والدخول في وعاء للضغط ،÷ كي يحصلوا بعد التجربة على ثمنها ببعض النقود
قصص ممتعة كثيرا ، برع القاص الماهر ( فيصل عبد الحسن) في تصوير المعاناة الطويلة ، والحياة القاسية لتي تجرعها الإنسان العراقي ، والتي استطاعت لبشاعتها أن تغير بعض النفوس ، وان تقلب المفاهيم ، الا بعض النفوس الطيبة والقوية ذات المعدن الأصيل
الكاتب القاص في سطور
كاتب عراقي مقيم بالمغرب / الاسم : فيصل عبد الحسن
• له الكتب المطبوعة : العروس –قصص- بغداد 1986، ربيع كاذب –قصص- بغداد 1987 ، أعمامي اللصوص –قصص القاهرة 2002 وللكاتب ثلاث روايات مطبوعة : الليل والنهار بغداد 1985
• أقصى الجنوب بغداد 1989 ، عراقيون أجناب الرباط 1999 ،
* ولد الكاتب في البصرة عام 1953
* اكمل دراسته في جامعة البصرة كلية الهندسة عام 1978
*نشر أولى قصصه حين كان طالبا في الإعدادية في عام 1976
* عضو اتحاد الأدباء العراقي
*عضو نقابة الصحفيين العراقيين
يعيش خارج العراق منذ عام 1995 *
* الكاتب العام لجمعية الرافدين العراقية في المغرب
*رئيس فخري للعديد من النوادي الثقافية في المغرب
بقلم : صبيحة شبر
صبيحة شبر- كاتبـة
-
عدد الرسائل : 7
الشهادة/العمل : اديبة / كاتبة / قاصة
تاريخ التسجيل : 23/09/2008
رد: أعمامي اللصوص مجموعة قصص تعري الواقع المنخور
اشكرك كاتبتنا الوقورة على تسليطكِ الضوء على الكاتب العراقي الفذ والقاص الماهر فيصل عبد الحسن
وعلى اعمامه على مختلف انواعهم
وعلى اعمامه على مختلف انواعهم
العبيدي جو- المديـر العــام
-
عدد الرسائل : 4084
تاريخ التسجيل : 28/08/2008
رد: أعمامي اللصوص مجموعة قصص تعري الواقع المنخور
السيدة الوقورة صبيحة شبر
تحية ومرحبا بكِ, في منتدانا الذي يجمع من كنوز الدنيا
الكثير الكثير وأنتِ واحدة منهم .
سلم قلمكِ الرائع المعبِّر عن مكنوناتكِ .
ميشيل
تحية ومرحبا بكِ, في منتدانا الذي يجمع من كنوز الدنيا
الكثير الكثير وأنتِ واحدة منهم .
سلم قلمكِ الرائع المعبِّر عن مكنوناتكِ .
ميشيل
ميشيل ميرو- The Jew
-
عدد الرسائل : 284
العمر : 74
البلد الأم/الإقامة الحالية : الحسكة
الشهادة/العمل : اعدادية / ملـّلاك
الهوايات : الشعر الغزلي والزجل
تاريخ التسجيل : 31/08/2008
مواضيع مماثلة
» أمور لا تصدق لكنها حقيقية (قصة من الواقع )
» مجموعة من روائع نزار
» مجموعة انسان / خالد الفيصل
» أنين الحب / مجموعة شعرية
» مجموعة عبد الوهاب البياتي - بستان عائشة
» مجموعة من روائع نزار
» مجموعة انسان / خالد الفيصل
» أنين الحب / مجموعة شعرية
» مجموعة عبد الوهاب البياتي - بستان عائشة
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى