في مدينة الاموات / جبران خليل جبران
๑۩۩๑ المملكـــــــــــة الأدبيــــــــــــة ๑۩۩๑ :: الأدبيــة العـامـــة :: جبرانيــات :: دمعة وابتسامة
صفحة 1 من اصل 1
في مدينة الاموات / جبران خليل جبران
تملصت بالامس من غوغاء المدينة ، وخرجت أمشي في الحقول الساكنة حتى بلغت أكمة عالية ألبستها الطبيعة أجمل حلاها. فوقفت وقد بانت المدينة بكل ما فيها من البنايات الشاهقة والقصور الفخمة تحت غيمة كثيفة من دخان المعامل
جلست أتأمل عن بعد في اعمال الانسان فوجدت أكثرها عناء ، فحاولت في قلبي ألا أفتكر مما صنعه ابن آدم ، وحولت عيني نحو الحقل ، كرسي مجد الله فرأيت في وسطه مقبرة ظهرت فيها الأجدات الرخامية المحاطة بأشجار السرو.
هناك بين مدينة الأحياء و مدينة الاموات جلست أفكر .. أفكر في كيفية العراك المستمر و الحركة الدائمة في هذه ، وفي السكينة السائدة والهدوء المستقر في تلك . من الجهة الواحدة
آمال وقنوط ، ومحبة وبغضة ، وغنى وفقر ، واعتقاد وجحود ، ومن الاخرى تراب في تراب تقلب الطبيعة بطنه ظاهرا وتبدع منه نباتا ثم حيوانا ، و كل ذلك يتم في سكينة الليل
بينما أنا مستسلم لعوامل هذه التأملات ، استلفت ناظري جمع غفير يسير الهويناء تتقدمه الموسيقى
وتملا الجو ألحانا محزنة ..موكب جمع بين الفخامة والعظمة .. وآلف بين أشكال الناس ..جنازة غني قوي.. رفات ميت تتبعها الأحياء وهم يبكون ويولولون ويبثون في الهواء الصراخ والعويل
بلغو الجبانة فاجتمع الكهان يصلون ويبخرون وانفرد الموسيقيون ينفخون الأبواق ، وبعد قليل انبرى الخطباء فأبّنو الراحل بمنتقيات الكلام ، ثم االشعراء فرثوه بمنتخبات المعاني ، وكل ذلك كان يتم بتطويل ممل . و بعد قليل انقشع الجمع عن جدث تسابق في صنعه الحفارون والمهندسون وحوله أكاليل الأزهار المنمقة بأيدي المتقنين
رجع الموكب نحو المدينة وأنا أنظر من بعيد و أفتكر ، ومالت الشمس نحو الغروب ، واستطالت خيالات الصخور والأشجار و أخدت الطبيعة تخلع أثواب النور
في تلك الدقيقة نظرت فرأيت رجلين يقلان تابوتا خشبيا ، وراءهما امرأة ترتدي أطمارا بالية وهي حاملة على منكبيها طفلا رضيعا ، وبجانبها كلب ينظر اليها تارة والى التابوت أخرى - جنازة فقر حقير وراءها زوجة تذرف دموع الأسى ، وطفل يبكي لبكاء أمه ، وكلب أمين يسير وفي مسيره حزن وكآبة
وصل هؤلاء الى المقبرة و أودعوا التابوت حفرة في زاوية بعيدة عن الأجداث الرخامية ، ثم رجعو بسكينة مؤثرة والكلب يلتفت نحو محط رحال رفيقه حتى أختفوا عن بصري وراء الأشجار
فالتفت إذ ذلك نحو مدينة الاحياء وقلت في نفسي : تلك للأغنياء الأقوياء. ثم نحو مدينة الاموات وقلت هذه للأغنياء الأقوياء فأين موطن الفقير الضعيف يا رب؟
قلت هذا ونظرت نحو الغيوم المتلبدة المتلونة أطرافها بذهب من أشعة الشمس الجميلة ، وسمعت صوتا من داخلي يقول ..هناك
**
محبتي
حسناء
حسناء العمري- المشرفـة العامـة
-
عدد الرسائل : 2439
العمر : 50
البلد الأم/الإقامة الحالية : مملكة الابداع المملكة الأدبية
الشهادة/العمل : موظفة
الهوايات : كتابة الخواطر و الرسم وقراءة الشعر العربي والعالمي
تاريخ التسجيل : 16/05/2009
مواضيع مماثلة
» بدايات في حياة الأديب الكبير جبران خليل جبران
» الســـــلم والحرب من تائه جبران خليل جبران
» نافذة على موقع لكتابات جبران خليل جبران
» من قصيدة يا زمان الحب / جبران خليل جبران
» موت الشاعر حياته / جبران خليل جبران
» الســـــلم والحرب من تائه جبران خليل جبران
» نافذة على موقع لكتابات جبران خليل جبران
» من قصيدة يا زمان الحب / جبران خليل جبران
» موت الشاعر حياته / جبران خليل جبران
๑۩۩๑ المملكـــــــــــة الأدبيــــــــــــة ๑۩۩๑ :: الأدبيــة العـامـــة :: جبرانيــات :: دمعة وابتسامة
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى