حوار مع رجل لا يُحصى / غادة السمان
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
حوار مع رجل لا يُحصى / غادة السمان
حوار مع رجل لا يُحصى / غادة السمان
- أما زلتِ تحبينني؟
- لو كان حبي حنجرة لعمّ القارات نشيد الفرح لشيللر كما لحّنه
بيتهوفن، ولتنهدت رئة الليل خلسةً على أرصفة الفوضى الباهرة.
- ولكن حبكِ صار سوراً، واغتلتِ الحوار!
- كيف أحاورك والأصوات موصدة؟
أنا بحاجة للانفراد بذاكرتي، لغاية في نفس "يعقوبة". أتأمل
ذكريات السنة القادمة، والعالم المبني للمجهول، وحين تمطر
داخل محبرتي، أكتب زمننا الآتي بالأثير فوق الريح.
- هل أحببتِني ذات يوم، ذات أبدية دامت لحظة حب؟
- لا لوسامتك أحببتكَ،
لا لنهرَيْ العسل واللبن في شفتيك،
لا للجمر اللاهب في مواطئ قدميك،
لا لموسيقى "التام تام" التي تقرع طبولها داخل دورتي
الدموية حتى تمسك بيدي فأغرق في ذلك العناق الملتيس
الملّقب بالمصافحة.
أحببتكَ لأني حين أخطو إلى عينيك أمشي في غابات السر.
- ما الذي شدّكِ إليَّ؟
- أحببتُ ازدواج شخصيتك. لم تكن لتتستر على حقيقية
بدهية هي أننا جميعاً "الدكتور جيكل" و "المستر هايد" في آن
وبدرجات متفاوتة؛ ثم إنين لست أفضل منك، وفي أعماقي قبيلة
نساء يتعايشن بصعوبة!
لعلّي أحببتكَ لأنك الغموض،
لأنني لا أعرف من أنت،
أعرف من ليس أنت!
أحببتكَ لأنك الركض المستمر خلف شارات الاستفهام
المشعة،
لأنك الزلزال لا التثاؤب،
لأنك الرجل لا يُحصى،
لأن الثلج لا يستطيع أن ينسى آثار خطاك حتى بعد ذوبانه،
لأنك حقول تستعصي على الحصاد.
لقد حلّق بي حبك ذات يوم وأصبت بدوار المرتفعات.
مأساتي أنني لا أبوح بحبي إلا بعد أن ينقضي.
- هل تحقدين عليّ؟
- ها هي أيامنا تنمو وتزدهر بعد الفراق، وتتبدى مفاتنها عبر
ثياب الذكريات.
حبي لك لؤلؤة تقرّ بأنها كانت حبة رمل، قبل أن تغزل حولها
ضياءك القمري.
قبل حبك / الطعنة، كان حرفي مبة رمل في صدفة منسية
قرب قاع البحر.
النسيان خيانة عظمى!
- ألا تكرهينني؟
- ارتكبت الحياة والحرف ولم أعاقر الكراهية، لكنني أتقنت
فن اللامبالاة.
ثمة لحظات أركل فيها الكرة الأرضية بقدمي ككرة قدم ولا
أبالي. أراقبها تتدحرج على السلالم المظلمة لتدخل في مرمى
الفتور.
أقوم بدور حارس المرمى وأنا أتثاءب!
- أكرر: ألا تكرهينني أحياناً؟
- أكرهك دائماً لأنني أحبك. ففي كل حب كبير مقدار هائل
من الكراهية.
- لماذا؟
- ربما كي يقدر المرء على أن يتعايش مع نفسه ونرجسيته،
وربما من أجل بقائه، فلا حياة بلا حد أدنى من الحرص على
الذات... والحب تشجيع على نهب الحبيب لنا.
- لماذا هجرتني؟
- لأنني أحببتكَ كما أنت بكل نجومك وثقوبك، وأحببتَ
أنتَ ما سأكون عليه بعد أن تُدخِل تعديلاتك على تضاريسي
الروحية، وتُدخلني في قوالب مزاجك. لقد أحببتَ فيَّ امرأة
أخرى تريد أن تصنعها من "مواديّ الأولية" وعناصري.
لقد زرعت مخبريك في شبكتي العصبية، ووضعت عدّداً
على دقّات قلبي،
وصرت تحصي عليّ أصواتي وأمواتي ومصابيح روحي
وتذكاراتي.
- وماذا في ذلك؟ ألم تكوني حبيبتي؟
- كنتَ مثل أحمق يحاول تعليم السنونو استعمال البوصلة،
أو يحلم بلعب دور مهندس الصوت داخل صدفة بحرية،
أو دور قائد الأوركسترا لسمفونية الموج الجامح.
الحب عندك مرادف للقفص لا الأجنحة!
- وهل يدهشك ذلك؟ أنا رجل شرقي حتى رؤوس شاربيّ
وخنجري.
- لم يعد ثمة ما يدهشني، حتى إذا جاءت فراشة ولسعتني
كعقرب. كل شيء صار يبدو لي مألوفاً!
- ولكنكِ أحببتِ أبجديتكِ أكثر من حبك لي.. لماذا لا
تعترفين بذلك؟
- الكتابة طوق نجاة، وحبك بحر الأخطبوط وسمك القرش.
الكتابة مظلة، وحبك عواصف مفاجئة.
الكتابة آخر قوس قزح في جعبتي، وحبك سماء معبّدة
بالإسفلت.
- ولكنك تقترفين أحياناً كتابة ما وراء الخطوط الحمر
والأسلاك الشائكة المحرّم تجاوزها.
- ثمة فارق بين الكتابة بماء الذهب والكتابة بماء الروح!
- ألا تخافين؟
- حين سقطتُ سهواً على هذا الكوكب، اكتشفتُ أن حقوقي
لا تتعدى حق الأكل والشرب والإنجاب والموت، فقررت أن
أضيف إليها حقّي في الطيران! أكتبُ.. أكتبُ، وآخر الليل
تتحوّل الورقة البيضاء فجأة إلى حقل شاسع من الثلج وأنا أنزف
وحيدة في وسطها...
ريثما أفرك القلم السحري ويأتي جنيُّ الكتابة من القمم
ليسامرني.
- ألا تخافين الوحدة؟
- أخاف الرضوخ للخوف منها. لست مهجورة، لكنني هاجرة
لكل من حولي ريثما أجد أبحدية تقنعي.
- ألا تخافين الموت وحشةٌ؟
- لقد جرّبت الموت ولم يضايقني كثيراً. ألا ترى أنني سجينة
داخل جثتي؟
وحده الموت يطلق سراحي، صلتي بموتي شبه ودية لا تخلو
من الفضول من طرفي.
أكرر: حين أموت، أوصيك أن تكتب على قبري: "هنا ترقد
امرأة ماتت غرقاً في محبرة!".
- أما زلتِ تحبينني؟
- لو كان حبي حنجرة لعمّ القارات نشيد الفرح لشيللر كما لحّنه
بيتهوفن، ولتنهدت رئة الليل خلسةً على أرصفة الفوضى الباهرة.
- ولكن حبكِ صار سوراً، واغتلتِ الحوار!
- كيف أحاورك والأصوات موصدة؟
أنا بحاجة للانفراد بذاكرتي، لغاية في نفس "يعقوبة". أتأمل
ذكريات السنة القادمة، والعالم المبني للمجهول، وحين تمطر
داخل محبرتي، أكتب زمننا الآتي بالأثير فوق الريح.
- هل أحببتِني ذات يوم، ذات أبدية دامت لحظة حب؟
- لا لوسامتك أحببتكَ،
لا لنهرَيْ العسل واللبن في شفتيك،
لا للجمر اللاهب في مواطئ قدميك،
لا لموسيقى "التام تام" التي تقرع طبولها داخل دورتي
الدموية حتى تمسك بيدي فأغرق في ذلك العناق الملتيس
الملّقب بالمصافحة.
أحببتكَ لأني حين أخطو إلى عينيك أمشي في غابات السر.
- ما الذي شدّكِ إليَّ؟
- أحببتُ ازدواج شخصيتك. لم تكن لتتستر على حقيقية
بدهية هي أننا جميعاً "الدكتور جيكل" و "المستر هايد" في آن
وبدرجات متفاوتة؛ ثم إنين لست أفضل منك، وفي أعماقي قبيلة
نساء يتعايشن بصعوبة!
لعلّي أحببتكَ لأنك الغموض،
لأنني لا أعرف من أنت،
أعرف من ليس أنت!
أحببتكَ لأنك الركض المستمر خلف شارات الاستفهام
المشعة،
لأنك الزلزال لا التثاؤب،
لأنك الرجل لا يُحصى،
لأن الثلج لا يستطيع أن ينسى آثار خطاك حتى بعد ذوبانه،
لأنك حقول تستعصي على الحصاد.
لقد حلّق بي حبك ذات يوم وأصبت بدوار المرتفعات.
مأساتي أنني لا أبوح بحبي إلا بعد أن ينقضي.
- هل تحقدين عليّ؟
- ها هي أيامنا تنمو وتزدهر بعد الفراق، وتتبدى مفاتنها عبر
ثياب الذكريات.
حبي لك لؤلؤة تقرّ بأنها كانت حبة رمل، قبل أن تغزل حولها
ضياءك القمري.
قبل حبك / الطعنة، كان حرفي مبة رمل في صدفة منسية
قرب قاع البحر.
النسيان خيانة عظمى!
- ألا تكرهينني؟
- ارتكبت الحياة والحرف ولم أعاقر الكراهية، لكنني أتقنت
فن اللامبالاة.
ثمة لحظات أركل فيها الكرة الأرضية بقدمي ككرة قدم ولا
أبالي. أراقبها تتدحرج على السلالم المظلمة لتدخل في مرمى
الفتور.
أقوم بدور حارس المرمى وأنا أتثاءب!
- أكرر: ألا تكرهينني أحياناً؟
- أكرهك دائماً لأنني أحبك. ففي كل حب كبير مقدار هائل
من الكراهية.
- لماذا؟
- ربما كي يقدر المرء على أن يتعايش مع نفسه ونرجسيته،
وربما من أجل بقائه، فلا حياة بلا حد أدنى من الحرص على
الذات... والحب تشجيع على نهب الحبيب لنا.
- لماذا هجرتني؟
- لأنني أحببتكَ كما أنت بكل نجومك وثقوبك، وأحببتَ
أنتَ ما سأكون عليه بعد أن تُدخِل تعديلاتك على تضاريسي
الروحية، وتُدخلني في قوالب مزاجك. لقد أحببتَ فيَّ امرأة
أخرى تريد أن تصنعها من "مواديّ الأولية" وعناصري.
لقد زرعت مخبريك في شبكتي العصبية، ووضعت عدّداً
على دقّات قلبي،
وصرت تحصي عليّ أصواتي وأمواتي ومصابيح روحي
وتذكاراتي.
- وماذا في ذلك؟ ألم تكوني حبيبتي؟
- كنتَ مثل أحمق يحاول تعليم السنونو استعمال البوصلة،
أو يحلم بلعب دور مهندس الصوت داخل صدفة بحرية،
أو دور قائد الأوركسترا لسمفونية الموج الجامح.
الحب عندك مرادف للقفص لا الأجنحة!
- وهل يدهشك ذلك؟ أنا رجل شرقي حتى رؤوس شاربيّ
وخنجري.
- لم يعد ثمة ما يدهشني، حتى إذا جاءت فراشة ولسعتني
كعقرب. كل شيء صار يبدو لي مألوفاً!
- ولكنكِ أحببتِ أبجديتكِ أكثر من حبك لي.. لماذا لا
تعترفين بذلك؟
- الكتابة طوق نجاة، وحبك بحر الأخطبوط وسمك القرش.
الكتابة مظلة، وحبك عواصف مفاجئة.
الكتابة آخر قوس قزح في جعبتي، وحبك سماء معبّدة
بالإسفلت.
- ولكنك تقترفين أحياناً كتابة ما وراء الخطوط الحمر
والأسلاك الشائكة المحرّم تجاوزها.
- ثمة فارق بين الكتابة بماء الذهب والكتابة بماء الروح!
- ألا تخافين؟
- حين سقطتُ سهواً على هذا الكوكب، اكتشفتُ أن حقوقي
لا تتعدى حق الأكل والشرب والإنجاب والموت، فقررت أن
أضيف إليها حقّي في الطيران! أكتبُ.. أكتبُ، وآخر الليل
تتحوّل الورقة البيضاء فجأة إلى حقل شاسع من الثلج وأنا أنزف
وحيدة في وسطها...
ريثما أفرك القلم السحري ويأتي جنيُّ الكتابة من القمم
ليسامرني.
- ألا تخافين الوحدة؟
- أخاف الرضوخ للخوف منها. لست مهجورة، لكنني هاجرة
لكل من حولي ريثما أجد أبحدية تقنعي.
- ألا تخافين الموت وحشةٌ؟
- لقد جرّبت الموت ولم يضايقني كثيراً. ألا ترى أنني سجينة
داخل جثتي؟
وحده الموت يطلق سراحي، صلتي بموتي شبه ودية لا تخلو
من الفضول من طرفي.
أكرر: حين أموت، أوصيك أن تكتب على قبري: "هنا ترقد
امرأة ماتت غرقاً في محبرة!".
العبيدي جو- المديـر العــام
-
عدد الرسائل : 4084
تاريخ التسجيل : 28/08/2008
رد: حوار مع رجل لا يُحصى / غادة السمان
المبدع جو أبدعت اليوم وليس هذا بجديد عليك فأنت سيدي ، كعادتك متميز دائما ومبدع روائعك التي تتحفنا بها يقف لها القارئ احتراما وإجلالا لروعة انتقائك وذوقك الجميل فأنا دائما أمام هذا العطاء وهذا التميز وهذه الإختيارات الرائعة .. أفقد حروفي وأعجز عن الكلام ورسم كلمات شكر لك سلمت الأيادي الذي كتبت هذا الإبداع تحية ود وتقدير لروحك الجميلة دمت رائعا ومتألقا احترامي وتقديري حسناء |
حسناء العمري- المشرفـة العامـة
-
عدد الرسائل : 2439
العمر : 50
البلد الأم/الإقامة الحالية : مملكة الابداع المملكة الأدبية
الشهادة/العمل : موظفة
الهوايات : كتابة الخواطر و الرسم وقراءة الشعر العربي والعالمي
تاريخ التسجيل : 16/05/2009
رد: حوار مع رجل لا يُحصى / غادة السمان
العزيزة حسناء وانا أيضا أمام ردكِ واطرائكِ عجزتُ وعجزت كلماتي ورحت فاقدا حروفي وتعثلمت مفرداتي مودتي جو |
العبيدي جو- المديـر العــام
-
عدد الرسائل : 4084
تاريخ التسجيل : 28/08/2008
مواضيع مماثلة
» حواسي النائمة / غادة السمان
» نوارس الورق الأبيض / غادة السمان
» ابن زيدون يستجوب ولادة العاشقة / غادة السمان
» وآعطنا حبنآ كفاف يومنآ / غادة السمان
» بالحب والورد والياسمين الشامي.. لونا معكم ممكن؟
» نوارس الورق الأبيض / غادة السمان
» ابن زيدون يستجوب ولادة العاشقة / غادة السمان
» وآعطنا حبنآ كفاف يومنآ / غادة السمان
» بالحب والورد والياسمين الشامي.. لونا معكم ممكن؟
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى