ابن زيدون يستجوب ولادة العاشقة / غادة السمان

اختيار موفق فهذا الحوار وهذا البوح موجود في قلوب كل العاشقين ولكن غادة السمان استطاعت أن تخرج الدرر من أعمق أعماق المجهول المعلوم .
شكرا لهذا النقل ويا ليت يتم استجواب كل العاشقين بهذه الطريقة الرقيقة الناعمة.

أنتِ متهمة بمغازلة المستحيل،

متهمة برعشة السرّ أمام ليل يتدفق نجوماً

متهمة بتمزيق الأقنعة والكمامات

متهمة بكراهية القضبان الحديدية والأقفاص

متهمة بالبنفسجي والأوكسجين والظل والصدى

متهمة بكراهية الغرف المكيفة بغاز الفحم.

- ومتهمة بحبكَ..

سأقول له إنني مذنبة - بكل فخر -

أرتكب صدقي في كل لحظة

معلنة أن الغبار لا يصير تبراً بمرسوم

رافضة مدائن القحط والتثاؤب والذباب والطوائف..

منحازة إلى أجنحة العصفور ضد القفص،

والطيران لا التحنيط

ولا أطلب غير البراءة من براءتي..

- كنت تحيط بحياتي كالضوء الذي لا يلمس

ولست بحاجة إلى دليل على حضوره غير حضوره!

كالضوء تتغلغل في أدق تفاصيلي اليومية والليلية

خفيفاً كالريح، كفرحة سرّية

كرفيف جناح عصفور عابر وليس كلسعة سوط.

وثمة أمسيات كنت أجهل فيها

أين ينتهي جسدي وأين يبدأ الليل..

ثمة أيام لم أعرف فيها

أين يبدأ فمي وأين تنتهي ابتسامتك..

يخرج وجهي من قناعه، وجرحي من مخبئه

وتسبح أسماكي صوبك ناسيةً خلع بحارها عن أجسادها

وتركض مهرتي صوبك، ولا تزال براريها عالقة في حوافرها...

وتطاردك أزهاري مع بساتينها،

ولأن الشيء وقرينه ونقيضه يحب حرفك

تجرؤ قافلة نساء مثلي،

على أن تنطق بكل أمزجتها ووجوهها وتقمصاتها

في صرخة موحدة بلا حنجرة،

لو كان لها صوت لهمست: ربما كنت أحبك!

حتى هطلت النجوم كالثلج فوق مجدنا الغابر كله

وغطتني أوراق الأشجار عند الفجر