حوار مع منى وفيق / سعاد رودي
صفحة 1 من اصل 1
حوار مع منى وفيق / سعاد رودي
حوار مع منى وفيق
حاورتها - سعاد رودي
جريدة المساء المغربية
Published: August 23, 2008
قاصة مغربية شابة ، استطاعت أن ترمي بعيدا في مرمى القصة ـ حصنت نفسها بالنشر في الكثير من المنابر الإعلامية العربية ، وعرفت في الوسط الثقافي المحلي والعربي باعتبارها مبحرة جيدة على الشبكة العنكبوتية . هنا حوار معها حول تجربتها في الكتابة
- ما الذي يعني لك اليوم أن تكوني كاتبة قاصة في المغرب؟
نعم .. قاصة أو كاتبة من المغرب ، اممم ، هكذا أوقع نهاية نص أو مقال أرسله بالبريد الالكتروني لإحدى الجرائد أو المجلات أو المواقع الإلكترونية .
تعرفين أنت أن التواقيع والأسماء هي من ضمن البروتوكلات الموقع عليها أصلا في نظام الحياة فلا ضير إذن..
أما أنا فلم تهمّني يوما قضايا النسب الأدبية ، يهمّني فقط أن أكتب وأنصت للريح ..!
تعرفين أنتِ ، القصاصون غير معترف بهم إلا من بعضهم البعض ومن الأدباء أباء عمومتهم ومن المهتمين والنقاد وبعض القراء ... لكن أن أكون قاصة في المغرب ؟. حسنا ، لهذا وقع لذيذ في نفسي ..
متى تكتبين ولمن؟-
أكتب حتّى أطرد القلق الوجودي الذي يمارس سطوته علي ذاتي.أكتب كلّما أردت أن أقترب منّي أكثر فأكثر رغم علمي المسبق أنّني لن أصلني ..
أصبحت الكتابة بالنسبة لي ضربة وقائية ماهو آت ومحسوم فيه سلفا ، أكتب أكتب حين أجد فيَّ طاقة ورغبة لمنازلة الرتوشات..لا تستهويني كثيرا التسميات والأفيشات الوجودية الكبيرة من قبيل الدين والجنس
صديقي الطيب عبد الحميد العوني يقول لي أنّني جنّة تحت الأنقاض و يطلب منّي دائما أن اكتب لأجل النص وليس لأجلي ..
لا تسأليني لمن كنت أكتب ولمن أكتب حاليا بل لمن سأكتب و حينها سأقول لك أنّني لن أكتب إلاّ للنص ولخلود النّص فقط ...
الله يمنح المبدعين الكثير من أسراره ، والمبدع قد لا يكتب انتقاما من غير قراءه ومن غير الأوفياء للنص وللإنسان وله بالتالي .. وهنا المبدع لا يشي له بتلك الأسرار..
- ذهب بعض الشعراء إلى كتابة جنس “الرواية الشعرية” هل يمكن إدراج ذلك في خانة التجديد أم الخلط بين الأجناس؟
لست مقتنعة بمسألة التصنيف في الكتابة لكن لك أن تتخيلي نصا قويّا يزاوج بعبقريّة مّا بين السرد والشعر ..
أوووف سيكون ذلك رهيبا ومدهشا!!
فلندعِ المبدعين يذهبون لكتابة ما شاءوا ، فلينطلقوا بالكتابة لآفاق جمالية أوسع وهذا ما نبحث عنه جميعنا .. لو أردنا فسوف نحدث آلاف التسميات والتصنيفات لكنّها بالأخير ستبقى كتابة و إبداعا التصنيفات والمصطلحات غير مهمة ، المهم فعلا هو الاستمرار في فعل الكتابة !
- أنت ضمن كاتبات مغربيات وعربيات يملن في كتاباتهن نحو موضوعات الجسد وتكسير الطابو الاجتماعي. في رأيك هل الموضوع هو الذي يمنح قوة للعمل الأدبي؟
هذا يدلّ على قراءة غير جيّدة لنصوصي ، لا تغريني الطابوهات البتّة فهناك آخرون يكتبونها ويريدون أن يحاصروا نفسهم في تلك المنطقة ، هذه الطابوهات " الجسد ، الدين ..." أتجاوزها ليس بعدم الكتابة عنها وحسب بل بعدم التفكير فيها أصلا !!
أحب أن أكتب فيما هو غير مستهلك إنسانيا وهذا ما أميل إليه حقيقةً ،!!
ربما أثناء قراءة كل نصوصي يصطدم البعض بنصين أو ثلاث يخال أنها نصوص عن الجسد وهذا ليس ذنبي بل هذا البعض هو من لم ينتبه للتفاصيل الأهمّ التي بنت هذين النصين ..!
- كيف تحضر السيرة الذاتية للكاتب في إبداعه؟
إنها ببساطة سيرتك وسيرته وسيرتي ليس بمعناها الأنطلوجي الوجودي بطبيعة الحال
بل هي سيرة ذهنية يحملها كل إنسان له هاجس وجودي ووعي ثقافي وإنساني معين. فيما يخصني ، كل نصوصي قائمة بذاتها . الشخصية المروية ليست أنا لكنّ ذاتي موجودة هناك في قصصي تتقافز وتبكي وتتراقص.. لها تشكيل عال في نصوصي و تكويني اليومي و الحياتي موجود فيها طبعا. هل لتولستوي وماركيز وسونيكا ومحفوظ وحنا مينة مثلا أن ينكروا تواجد ذواتهم بكثافة في نصوصهم؟
أعيش كلّ ما لم أستطع أن أعيشه على الواقع .. كلّ ما منعت منه .. كلّ ما حرمت منه .. كلّ ما كان بعيدا .. كلّ ما لم يُمنح لي و انتزعته بالكتابة ..!
الآخرون الذين بداخلي يكتبون سيرهم وتُوقّع باسمي .. ألم أقل سابقا أنه لا بدّ من توقيع...
إننا آخرون.. إننا كثيرون داخل نفس بشرية واحدة ، كلّ واحد منه هؤلاء الآخرين المتعدّدين يظهر في وقت معين ومع شخص معين ، نحن آلاف الأشخاص ، كلّنا في بعضنا ، كلّنا في دواخلنا .. لذا علينا أن نكونهم كلهم دون توجّس ولا تردّد بل نتقبّلهم بكلّ رحابة و رضىً!
أثناء كل هذا اعلمي أن هناك أسماء و تفاصيل كانت تسقط في حكاياي سهوا كان أم وعمدا ، لكن اليوم لا شيء يسقط مطلقا ...اليوم ، ليس هنالك من حوادث سير داخل نصوصي !
- إلى متى ستظل كلّ كاتبة عربية حفيدة شهرزاد اللسانية؟
ومن قال أنها لازالت كذلك؟! كانت شهرزاد من وراء السرد تؤجل موتها ثم كانت تمارس وظيفتها كأنثي، مهمتها الوحيدة أن تمتع الرجل، لم تسرد لتستمتع هي؛ لا أعتقد اليوم أن المبدعات العربيات يفعلن هذا، ومن ثمة فالكاتبة العربية ما عادت حفيدة لشهرزاد ،إنها خالقة لعالم مفترض عند الآخرين بيد أنه أكثر من حقيقي بالنسبة لها..صحيح أنه عالم ورقي، غير أنها تعيد فيه تشكيل الأشياء كما تشتهيها و كما تعتقد أنها يجب أن تكون وذلك لأن المبدع عموما هو حالة احتجاجية علي ما هو قائم في الواقع .
تعطّش شهريار للحكي جعله لا يكتفي بحكايا شهرزاد فبدأ يسرد بنفسه ، الكاتب والكاتبة اليوم يسردان ليمتعا نفسيهما أولا ومن ثمة بعضهما بعد ذلك..
شهريار سيحكي .. دعينا نستمع ...
- المتابع لسيرة حياتك يرى أنك خريجة كلية الآداب بالرباط شعبة اللغة الانجليزية ولك مجموعة قصصية عنوانها "نعناع وشمع وموت". كيف استقبل القارئ أول عمل أدبي لمنى وفيق؟
أكتب ، يطبعون ثم أمضي ..أنا أؤمن بالنسبيّة فلا شيء مطلق ، إذن فهذا استقبل عملي بتفاؤل و آخر بإعجاب و الثالث اعتبره صفرا على الشمال وهكذا ... لكنّه عموما خلّف ردود فعل طيبة كأوّل إصدار لي ..
أسمع المرة تلو الأخرى أن صديقا اقتنى كتابي وأهداه لآخر و أن هذا أمر بنسختين من موقع مكتبة النيل والفرات و من صديقة أخرى أنها حملت عددا من النسخ ووزعته على عدد من المهتمين وهذا يبعث فيّ شيئا من الفرح بسبب اهتمام الآخرين..
أشعر حاليّا أن لا علاقة تربطني بنصوص " نعناع ، شمع وموت " لكنّ أجمل ما حصل لهذه المجموعة هو كون طالبة باكستانية بعيدة عنّي بآلاف الكيلومترات تدعى "ناعمة صغرى " من جامعة بنجاب في باكستان قامت بتحضير ماجستير تخرجها عن الأدب المغربي وتناولت نصوص نعناع شمع وموت في أطروحتها وهذا أحسن استقبال على الإطلاق ..
صدقيني أنا لا أبحث عن عدد الذين اقتنوا الكتاب ، وإن كان أغلبهم نقاد ، قراء عاديين أم مهتمين ...هل تعرفين أنّني مرّة أهديت المجموعة القصصية لراقصة شرقية آخر همّها القراءة ربّما ، ومرّة أخرى أهديته لنادلة في مطعم هي غير متعلّمة وكان ذلك كتحيّة على محبّتها الصافية...
،
- يؤكد باشلار على البيئة التي تحيط بالكاتب ويبين مدى انعكاسات المكان على رؤية الكاتب وتنامي مدوناته السردية. إلى أي مدى أثر الجو الأسري الذي نشأت فيه في تكوين شخصيتك الأدبية؟
باشلار كان يبحث عن الصور التي فيها من الجاذبية ما يكفي لتثبت أحلام اليقظة ، وأنا أعيش الحياة كما ينبغي أن تعاش لحظة بلحظة ممّ يضمن لي حقيقتي التي أنشدها ..
لا أتعامل لا مع الزمان ولا مع المكان ، وأسرتي بعيدة عن الأدب وعن الكتابة و إن كان ثمّة من تأثير من طرف أسرتي فهو محبّتها لم اخترته واحترامها له ومتابعتها المستمرة لما أكتبه..
أنا وأسرتي نعبر الحياة ونصادف ما نصادفه ، ولكلّ طريقته في تصريف وصرف هذه الحياة..!
- ما رأيك بواقع الأدب النسوي المغربي؟
أنا ضدّ تصنيف الأدب وهو إنسانيّ بالضرورة ، سأجيب عن السؤال باعتباره عن الكاتبات المغربيات ، حسنا .. رغم كل الإصدارات والإنتاجات يبقى عدد الشاعرات والناقدات والروايات والقصاصات قليلا جدا .هناك إسهامات أدبية وثقافية نسائية لكنها خجولة رغم كل التراكمات المحققة.
الأدب النسوي لا زال ظاهرة في المغرب للأسف ، كأنّ الكتابة ترف أو نوع من البريستيج..لذا يحتفي المبدع المغربي بإصدار المبدعة و يطبّل لها كما لو كانت كسبت جولة بلياردو مثلا كإنجاز كبير في مجرّد فعله..!؟ رغم أنك تجدين مبدعة واحدة تكتب أفضل من عشرة مبدعين ذكور هنا في المغرب...
على المبدعين المغاربة أن يعرفوا أوّلا كيف يحبون بعضهم البعض بعيدا عن القسوة و الرفض فالساحة الأدبية للجميع .. بل بالتشجيع والاحتضان لأن المهم والفائز بالأخير هو الأدب المغربي و الإنساني...!
- القصة القصيرة كتابة سريعة أفرزتها ظروف العولمة وسرعة إيقاع العصر المعروف بالإنتاجية السريعة والتنافس والإبداع ونقل المعلومات والمعارف. ما تعليقك على ذلك؟
كما هو معروف ، السّرد القصصيّ هو أصعب الأجناس الأدبيّة فأنت تسعي لقول الكثير من خلال القليل..أيّ إغراء تمارسه القصة .. هي الفنّ المراوغ شديد التّركيب والجمال.. إنّها ظاهرة إنسانيّة تلبّي حاجات نفسيّة واجتماعيّة، بل هي تجسّد نظرة ذاتيّة وموقفا من الحياة!!
صدق "موباسان" حين قال أنّ هناك لحظات عابرة منفصلة في الحياة لا تصلح لها إلاّ القصّة القصيرة فهي تصوّر حدثا معيّنا في الحياة لا يهتمّ الكاتب بما قبله ولا بعده!
أمّا عن كون القصة كتابة سريعة أفرزتها ظروف العولمة الخ... فهذه لا تعدو أن تكون إلا جملة "كاجوال" Casual ، القصة القصيرة هي بالنسبة لي على الأقل لعبة بازل (Puzzle) وجودية ، المبهر أنّها تعاملك بذات الذكاء الذي تظنّ أنكّ تكتبها به..هي لعبة بازل لا نهاية لها، ولست تدري من الذي لم يكمل تركيب الآخر ومنحه اكتمالا نهائيّا ـ أنت أم هي؟!
الحكاية هي أصل الشعر و النثر والموسيقى والرسم و الرواية وكل فنّ يخطر ببالك .. إنّنا لا نمارس في حياتنا إلاّ الحكي على اختلاف التفاصيل ..
"فانيليا سمراء" هي أحدث عمل أدبي لك. لو طلبت منك أن تقدمي هذا العمل إلى القارئ، كيف تريدين أن يقرأه؟
أها .. أنت تعرفين عن الأمر إذن ، لكنها ليست أحدث عمل أدبي فأنا أشتغل على عملين آخرين . "فانيليا سمراء" آخر إصدار لي وهي الآن في المطبعة وتصدر بعد أيام قليلة عن دار أزمنة بالأردن.
يقول الفلاسفة أن ثمة شيئان فقط لايمكن التحديق فيهما وهما الشمس والموت . لقد تمكنتُ من التحديق فيهما معا بنفس العناد والوقاحة ، فكان أن كتبتُ نصوص "فانيليا سمراء". و بعد تلك الحمية الوجودية القاسية التي قمتُ بها ذابت كل تلك الدهون المتراكمة من الألم... إنها آلام \ نصوص نثرية قصيرة أحبها كثيرا لأنها أسهمت بالشيء الكثير في هذه الرشاقة الإبداعية التي لطالما تمنيتها والتي سوف تطلعين عليها والآخرين بمجموعتي القصصية الثانية و القادمة قريبا " هذه الممسوخة".
الطقس حار هذه الأيام لكن هناك من يحس بالبرد رغم هذه الحرارة الشديدة ، ولهذا أدعوه لقراءة نصوص فانيليا سمراء..
حاورتها - سعاد رودي
جريدة المساء المغربية
Published: August 23, 2008
قاصة مغربية شابة ، استطاعت أن ترمي بعيدا في مرمى القصة ـ حصنت نفسها بالنشر في الكثير من المنابر الإعلامية العربية ، وعرفت في الوسط الثقافي المحلي والعربي باعتبارها مبحرة جيدة على الشبكة العنكبوتية . هنا حوار معها حول تجربتها في الكتابة
- ما الذي يعني لك اليوم أن تكوني كاتبة قاصة في المغرب؟
نعم .. قاصة أو كاتبة من المغرب ، اممم ، هكذا أوقع نهاية نص أو مقال أرسله بالبريد الالكتروني لإحدى الجرائد أو المجلات أو المواقع الإلكترونية .
تعرفين أنت أن التواقيع والأسماء هي من ضمن البروتوكلات الموقع عليها أصلا في نظام الحياة فلا ضير إذن..
أما أنا فلم تهمّني يوما قضايا النسب الأدبية ، يهمّني فقط أن أكتب وأنصت للريح ..!
تعرفين أنتِ ، القصاصون غير معترف بهم إلا من بعضهم البعض ومن الأدباء أباء عمومتهم ومن المهتمين والنقاد وبعض القراء ... لكن أن أكون قاصة في المغرب ؟. حسنا ، لهذا وقع لذيذ في نفسي ..
متى تكتبين ولمن؟-
أكتب حتّى أطرد القلق الوجودي الذي يمارس سطوته علي ذاتي.أكتب كلّما أردت أن أقترب منّي أكثر فأكثر رغم علمي المسبق أنّني لن أصلني ..
أصبحت الكتابة بالنسبة لي ضربة وقائية ماهو آت ومحسوم فيه سلفا ، أكتب أكتب حين أجد فيَّ طاقة ورغبة لمنازلة الرتوشات..لا تستهويني كثيرا التسميات والأفيشات الوجودية الكبيرة من قبيل الدين والجنس
صديقي الطيب عبد الحميد العوني يقول لي أنّني جنّة تحت الأنقاض و يطلب منّي دائما أن اكتب لأجل النص وليس لأجلي ..
لا تسأليني لمن كنت أكتب ولمن أكتب حاليا بل لمن سأكتب و حينها سأقول لك أنّني لن أكتب إلاّ للنص ولخلود النّص فقط ...
الله يمنح المبدعين الكثير من أسراره ، والمبدع قد لا يكتب انتقاما من غير قراءه ومن غير الأوفياء للنص وللإنسان وله بالتالي .. وهنا المبدع لا يشي له بتلك الأسرار..
- ذهب بعض الشعراء إلى كتابة جنس “الرواية الشعرية” هل يمكن إدراج ذلك في خانة التجديد أم الخلط بين الأجناس؟
لست مقتنعة بمسألة التصنيف في الكتابة لكن لك أن تتخيلي نصا قويّا يزاوج بعبقريّة مّا بين السرد والشعر ..
أوووف سيكون ذلك رهيبا ومدهشا!!
فلندعِ المبدعين يذهبون لكتابة ما شاءوا ، فلينطلقوا بالكتابة لآفاق جمالية أوسع وهذا ما نبحث عنه جميعنا .. لو أردنا فسوف نحدث آلاف التسميات والتصنيفات لكنّها بالأخير ستبقى كتابة و إبداعا التصنيفات والمصطلحات غير مهمة ، المهم فعلا هو الاستمرار في فعل الكتابة !
- أنت ضمن كاتبات مغربيات وعربيات يملن في كتاباتهن نحو موضوعات الجسد وتكسير الطابو الاجتماعي. في رأيك هل الموضوع هو الذي يمنح قوة للعمل الأدبي؟
هذا يدلّ على قراءة غير جيّدة لنصوصي ، لا تغريني الطابوهات البتّة فهناك آخرون يكتبونها ويريدون أن يحاصروا نفسهم في تلك المنطقة ، هذه الطابوهات " الجسد ، الدين ..." أتجاوزها ليس بعدم الكتابة عنها وحسب بل بعدم التفكير فيها أصلا !!
أحب أن أكتب فيما هو غير مستهلك إنسانيا وهذا ما أميل إليه حقيقةً ،!!
ربما أثناء قراءة كل نصوصي يصطدم البعض بنصين أو ثلاث يخال أنها نصوص عن الجسد وهذا ليس ذنبي بل هذا البعض هو من لم ينتبه للتفاصيل الأهمّ التي بنت هذين النصين ..!
- كيف تحضر السيرة الذاتية للكاتب في إبداعه؟
إنها ببساطة سيرتك وسيرته وسيرتي ليس بمعناها الأنطلوجي الوجودي بطبيعة الحال
بل هي سيرة ذهنية يحملها كل إنسان له هاجس وجودي ووعي ثقافي وإنساني معين. فيما يخصني ، كل نصوصي قائمة بذاتها . الشخصية المروية ليست أنا لكنّ ذاتي موجودة هناك في قصصي تتقافز وتبكي وتتراقص.. لها تشكيل عال في نصوصي و تكويني اليومي و الحياتي موجود فيها طبعا. هل لتولستوي وماركيز وسونيكا ومحفوظ وحنا مينة مثلا أن ينكروا تواجد ذواتهم بكثافة في نصوصهم؟
أعيش كلّ ما لم أستطع أن أعيشه على الواقع .. كلّ ما منعت منه .. كلّ ما حرمت منه .. كلّ ما كان بعيدا .. كلّ ما لم يُمنح لي و انتزعته بالكتابة ..!
الآخرون الذين بداخلي يكتبون سيرهم وتُوقّع باسمي .. ألم أقل سابقا أنه لا بدّ من توقيع...
إننا آخرون.. إننا كثيرون داخل نفس بشرية واحدة ، كلّ واحد منه هؤلاء الآخرين المتعدّدين يظهر في وقت معين ومع شخص معين ، نحن آلاف الأشخاص ، كلّنا في بعضنا ، كلّنا في دواخلنا .. لذا علينا أن نكونهم كلهم دون توجّس ولا تردّد بل نتقبّلهم بكلّ رحابة و رضىً!
أثناء كل هذا اعلمي أن هناك أسماء و تفاصيل كانت تسقط في حكاياي سهوا كان أم وعمدا ، لكن اليوم لا شيء يسقط مطلقا ...اليوم ، ليس هنالك من حوادث سير داخل نصوصي !
- إلى متى ستظل كلّ كاتبة عربية حفيدة شهرزاد اللسانية؟
ومن قال أنها لازالت كذلك؟! كانت شهرزاد من وراء السرد تؤجل موتها ثم كانت تمارس وظيفتها كأنثي، مهمتها الوحيدة أن تمتع الرجل، لم تسرد لتستمتع هي؛ لا أعتقد اليوم أن المبدعات العربيات يفعلن هذا، ومن ثمة فالكاتبة العربية ما عادت حفيدة لشهرزاد ،إنها خالقة لعالم مفترض عند الآخرين بيد أنه أكثر من حقيقي بالنسبة لها..صحيح أنه عالم ورقي، غير أنها تعيد فيه تشكيل الأشياء كما تشتهيها و كما تعتقد أنها يجب أن تكون وذلك لأن المبدع عموما هو حالة احتجاجية علي ما هو قائم في الواقع .
تعطّش شهريار للحكي جعله لا يكتفي بحكايا شهرزاد فبدأ يسرد بنفسه ، الكاتب والكاتبة اليوم يسردان ليمتعا نفسيهما أولا ومن ثمة بعضهما بعد ذلك..
شهريار سيحكي .. دعينا نستمع ...
- المتابع لسيرة حياتك يرى أنك خريجة كلية الآداب بالرباط شعبة اللغة الانجليزية ولك مجموعة قصصية عنوانها "نعناع وشمع وموت". كيف استقبل القارئ أول عمل أدبي لمنى وفيق؟
أكتب ، يطبعون ثم أمضي ..أنا أؤمن بالنسبيّة فلا شيء مطلق ، إذن فهذا استقبل عملي بتفاؤل و آخر بإعجاب و الثالث اعتبره صفرا على الشمال وهكذا ... لكنّه عموما خلّف ردود فعل طيبة كأوّل إصدار لي ..
أسمع المرة تلو الأخرى أن صديقا اقتنى كتابي وأهداه لآخر و أن هذا أمر بنسختين من موقع مكتبة النيل والفرات و من صديقة أخرى أنها حملت عددا من النسخ ووزعته على عدد من المهتمين وهذا يبعث فيّ شيئا من الفرح بسبب اهتمام الآخرين..
أشعر حاليّا أن لا علاقة تربطني بنصوص " نعناع ، شمع وموت " لكنّ أجمل ما حصل لهذه المجموعة هو كون طالبة باكستانية بعيدة عنّي بآلاف الكيلومترات تدعى "ناعمة صغرى " من جامعة بنجاب في باكستان قامت بتحضير ماجستير تخرجها عن الأدب المغربي وتناولت نصوص نعناع شمع وموت في أطروحتها وهذا أحسن استقبال على الإطلاق ..
صدقيني أنا لا أبحث عن عدد الذين اقتنوا الكتاب ، وإن كان أغلبهم نقاد ، قراء عاديين أم مهتمين ...هل تعرفين أنّني مرّة أهديت المجموعة القصصية لراقصة شرقية آخر همّها القراءة ربّما ، ومرّة أخرى أهديته لنادلة في مطعم هي غير متعلّمة وكان ذلك كتحيّة على محبّتها الصافية...
،
- يؤكد باشلار على البيئة التي تحيط بالكاتب ويبين مدى انعكاسات المكان على رؤية الكاتب وتنامي مدوناته السردية. إلى أي مدى أثر الجو الأسري الذي نشأت فيه في تكوين شخصيتك الأدبية؟
باشلار كان يبحث عن الصور التي فيها من الجاذبية ما يكفي لتثبت أحلام اليقظة ، وأنا أعيش الحياة كما ينبغي أن تعاش لحظة بلحظة ممّ يضمن لي حقيقتي التي أنشدها ..
لا أتعامل لا مع الزمان ولا مع المكان ، وأسرتي بعيدة عن الأدب وعن الكتابة و إن كان ثمّة من تأثير من طرف أسرتي فهو محبّتها لم اخترته واحترامها له ومتابعتها المستمرة لما أكتبه..
أنا وأسرتي نعبر الحياة ونصادف ما نصادفه ، ولكلّ طريقته في تصريف وصرف هذه الحياة..!
- ما رأيك بواقع الأدب النسوي المغربي؟
أنا ضدّ تصنيف الأدب وهو إنسانيّ بالضرورة ، سأجيب عن السؤال باعتباره عن الكاتبات المغربيات ، حسنا .. رغم كل الإصدارات والإنتاجات يبقى عدد الشاعرات والناقدات والروايات والقصاصات قليلا جدا .هناك إسهامات أدبية وثقافية نسائية لكنها خجولة رغم كل التراكمات المحققة.
الأدب النسوي لا زال ظاهرة في المغرب للأسف ، كأنّ الكتابة ترف أو نوع من البريستيج..لذا يحتفي المبدع المغربي بإصدار المبدعة و يطبّل لها كما لو كانت كسبت جولة بلياردو مثلا كإنجاز كبير في مجرّد فعله..!؟ رغم أنك تجدين مبدعة واحدة تكتب أفضل من عشرة مبدعين ذكور هنا في المغرب...
على المبدعين المغاربة أن يعرفوا أوّلا كيف يحبون بعضهم البعض بعيدا عن القسوة و الرفض فالساحة الأدبية للجميع .. بل بالتشجيع والاحتضان لأن المهم والفائز بالأخير هو الأدب المغربي و الإنساني...!
- القصة القصيرة كتابة سريعة أفرزتها ظروف العولمة وسرعة إيقاع العصر المعروف بالإنتاجية السريعة والتنافس والإبداع ونقل المعلومات والمعارف. ما تعليقك على ذلك؟
كما هو معروف ، السّرد القصصيّ هو أصعب الأجناس الأدبيّة فأنت تسعي لقول الكثير من خلال القليل..أيّ إغراء تمارسه القصة .. هي الفنّ المراوغ شديد التّركيب والجمال.. إنّها ظاهرة إنسانيّة تلبّي حاجات نفسيّة واجتماعيّة، بل هي تجسّد نظرة ذاتيّة وموقفا من الحياة!!
صدق "موباسان" حين قال أنّ هناك لحظات عابرة منفصلة في الحياة لا تصلح لها إلاّ القصّة القصيرة فهي تصوّر حدثا معيّنا في الحياة لا يهتمّ الكاتب بما قبله ولا بعده!
أمّا عن كون القصة كتابة سريعة أفرزتها ظروف العولمة الخ... فهذه لا تعدو أن تكون إلا جملة "كاجوال" Casual ، القصة القصيرة هي بالنسبة لي على الأقل لعبة بازل (Puzzle) وجودية ، المبهر أنّها تعاملك بذات الذكاء الذي تظنّ أنكّ تكتبها به..هي لعبة بازل لا نهاية لها، ولست تدري من الذي لم يكمل تركيب الآخر ومنحه اكتمالا نهائيّا ـ أنت أم هي؟!
الحكاية هي أصل الشعر و النثر والموسيقى والرسم و الرواية وكل فنّ يخطر ببالك .. إنّنا لا نمارس في حياتنا إلاّ الحكي على اختلاف التفاصيل ..
"فانيليا سمراء" هي أحدث عمل أدبي لك. لو طلبت منك أن تقدمي هذا العمل إلى القارئ، كيف تريدين أن يقرأه؟
أها .. أنت تعرفين عن الأمر إذن ، لكنها ليست أحدث عمل أدبي فأنا أشتغل على عملين آخرين . "فانيليا سمراء" آخر إصدار لي وهي الآن في المطبعة وتصدر بعد أيام قليلة عن دار أزمنة بالأردن.
يقول الفلاسفة أن ثمة شيئان فقط لايمكن التحديق فيهما وهما الشمس والموت . لقد تمكنتُ من التحديق فيهما معا بنفس العناد والوقاحة ، فكان أن كتبتُ نصوص "فانيليا سمراء". و بعد تلك الحمية الوجودية القاسية التي قمتُ بها ذابت كل تلك الدهون المتراكمة من الألم... إنها آلام \ نصوص نثرية قصيرة أحبها كثيرا لأنها أسهمت بالشيء الكثير في هذه الرشاقة الإبداعية التي لطالما تمنيتها والتي سوف تطلعين عليها والآخرين بمجموعتي القصصية الثانية و القادمة قريبا " هذه الممسوخة".
الطقس حار هذه الأيام لكن هناك من يحس بالبرد رغم هذه الحرارة الشديدة ، ولهذا أدعوه لقراءة نصوص فانيليا سمراء..
وليم جبران- سـوري عتيق
-
عدد الرسائل : 253
البلد الأم/الإقامة الحالية : أتري بريخا
الشهادة/العمل : متقاعد
الهوايات : الثقافات والآداب والتاريخ
تاريخ التسجيل : 04/09/2008
مواضيع مماثلة
» قنص من مسافة بعيدة جدا / منى وفيق
» دعاء الفيس بوك / منى وفيق
» تأتأة الــ28 / منى وفيق
» منى وفيق : أنا غمّازة في وجه هذه الحياة رغما عنها
» منى وفيق: كاتبة مغربية متهمة بالإساءة إلى الدين الإسلامي والذات الإلهية
» دعاء الفيس بوك / منى وفيق
» تأتأة الــ28 / منى وفيق
» منى وفيق : أنا غمّازة في وجه هذه الحياة رغما عنها
» منى وفيق: كاتبة مغربية متهمة بالإساءة إلى الدين الإسلامي والذات الإلهية
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى