الموت والعذراء - لعبة اغتصاب وتسامح / نجوى عبدالله

من طرف سلمى شومري 16/8/2009, 8:14 pm

الموت والعذراء - لعبة اغتصاب وتسامح

نجوى عبدالله

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

ايحاءات جنسية في مسرح معاصر
بصوت عال تكتب العذراء حقها في الانتقام من مغتصبيها، على الجدار تعلن ان الساعة قد حانت لموت من قام بالاعتداء عليها عندما جلبه القدر برجليه الى بيتها. تلك قصة مسرحية «الموت والعذراء» عن نص عالمي للمؤلف الشيلي أربيل دورفمان, قدمها المخرج العراقي ابراهيم حنون بقصد تحدي زمرة الجهل والتخلف التي اجتاحت بلاده، بلاد الحضارة والابداع، بلاد الرافدين، وكان عرضه مفاجئا بجرأته وجماليته وارتقائه.

منذ بدء العرض كان الديكور العملاق المتعدد الاتجاهات والسلالم والابواب قد ابهر المشاهدين، وجاء دخول ابطال العرض من الجمهور (اسقاط الجدار الرابع ) بطريقة السخرية والعشوائية للصعود على خشبة المسرح, الى ان بدأ صوت العذراء ليأخذ المشاهد الى أعلى الديكور، ومن هناك تعلن قرارها, بينما اشباح العرض توزعوا هنا وهناك على درجات السلم حسب مقتضيات الدور مصطحبين معهم آلاتهم الموسيقية (الكمان)، إضافة الى موسيقى النص. كما أن عنصر الاثارة كان حاضرا في العرض المسرحي. فالايحاءات الجنسية واضحة ومقصودة، تختلف عن بقية العروض التي قدمت النص نفسه، بعض الحضور من رواد المسرح العراقي اشمأز من خلع الابطال بناطيلهم للايحاء بالاغتصاب, والآخر أثنى عليهم على أساس ابتكار شيء جديد لم يستطيعوا تقديمه في عروضهم المسرحية, إلى غيرها من المشاهد المثيرة التي تركت المتفرج أمام مسرح واقعي جريء ممتع . وقد تؤخذ على ابراهيم حنون صفة المخرج المشاكس لكنه نال صفة التجديد والتحديث.
يقول حنون عن مسرحيته : قدمت هذه المسرحية في بغداد ومساء لمدة ستة ايام كون العروض غادرت بغداد، لكن في هذا العرض كان الحضور متخما استعاد نغمة العروض الجادة وفتح اضواء المسارح البغدادية. قدمنا أيضاً العمل في مهرجان دمشق المسرحي الرابع عشر ونال رضا الجمهور العربي والفنانين على حد سواء.
وعن سبب اختياره نص «الموت والعذراء». قال إن النص يدعو الى التسامح ونبذ العنف والتعايش، وهذا العمل المسرحي صرخة من أجل ايجاد مساحة للتحاور وقبول الآخر ودحر الخلافات والانقسامات.
وعن الجديد في النص والعرض والسبب في دخول الممثلين من خلال الجمهور قال: حاولت في هذا العرض أن أقدم آليات الاشراك والمغايرة. عندما قدم في بغداد اشركت الجمهور على المنصة، في اقامة محاكم وابراز قيم الاعتراف ومحاولة دمج العرض بعناصر السينوغرافيا المؤثرة والداعمة للهدف الاعلى, ودخول الممثلين من بين الجمهور، وهذا جزء من اللعبة لشحن الخطاب المشترك.
وكم امضيت في التحضير والتدريب ؟
خصصت وقتا طويلا للتحضير واستعنت بالعناصر السينوغرافية (موسيقى + اضاءة + ديكور) قبل الشروع في التقديم.
كل هذه الاجابات المقنعة كفيلة بأن تقدم عملاً مسرحياً عراقياً يفتخر به الجمهور العراقي في وقت كان للموت مساحة واسعة من شعبه وارضه، لكن ابراهيم حنون وابطاله اعطوا العذراء فرصة للتسامح ونبذ العنف، كي لا يكون للثأر مكان في ارض العراق. وابطال العراق المسرحيون استطاعوا ان يعطوا صورة جيدة عن الممثل العراقي، كالممثل ماجد فريد الذي قام بدور الزوج المحامي ونال استحسان ورضى المشاهد والناقد المسرحي ليختم العمل برسالة تسامحية وانسانية. ولا ننسى الفنانة الشابة ميلاد سري التي أجادت الدور باللغة الفصحى لتثبت للجميع قدرتها على أداء أدوار غير مألوفة، ودورها يستند الى الحركة المتواصلة رغم بدانتها. كذلك الفنان المبدع خالد احمد مصطفى الذي أدى دور الطبيب (المغتصِب) وحضوره في العرض استطاع ان يعيدنا بالذاكرة الى مغتصبي العراق من ازلام النظام البائد.
هناك أيضا ارواح العرض الذين هم نجوم الفرقة القومية للتمثيل، كل من صادق مرزوق, صادق الوالي, وسام فاخر, احمد محمد صالح, سامر سمير, دراماتوك صادق عباس، سينوغرافيا فلاح ابراهيم, تصميم الموسيقى صالح ياسر, تصميم الديكور الفنان التشكيلي علي عبد محمد.
مسرحية «الموت والعذراء» نبذت كل أشكال العنف ودعت الى التسامح والرجوع الى القانون لأخذ الحق من المعتدي, وهنيئا للمخرج المتمرد ابراهيم حنون وهو يشاكس ويخالف الكل من دخول الفنانين من الجمهور بطريقة عبثية، كأنه يقول: الآن بدأت اللعبة، لعبة الحياة والقدر، وما المسرح إلا صورة أو واجهة تعبيرية عن الحياة. وابراهيم لم يدع رفاقه هكذا من دون ان يستخرج طاقاتهم الابداعية الخلاقة التي تجسد حسرة المواطن العراقي.

_________________

مقالات اخرى لــ نجوى عبدالله
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]

** ** ** ** **

محبتي لكم
سلمى