أزمة في التعليم
صفحة 1 من اصل 1
أزمة في التعليم
لا يختلف إثنان في بلادنا حول وجود أزمة في التعليم،لا يختلفان أيضا حول استمرار التخبط في تشخيص هذه الأزمة طيلة العقود الماضية. وأكاد أزعم أن ليست هناك أزمة من بين الأزمات الكثيرة التي نعيشها تخضع للكثير من النقد وعمليات التشخيص وفي نفس الوقت تظل مستمرة، بل وتستفحل عاما بعد آخر، سوى الأزمة التعليمية.
والتصريحات التي جاءت على لسان وزير التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر، الداودي حول رؤيته لهذه الأزمة هي جزء من الأزمة لا جزء من الحل بمعنى أن السيد الوزير تعامل مع هذه القضية بعقلية مأزومة هي نتاج الأزمة التعليمية ذاتها التي تربى في أحضانها، والحال أن من يريد التصدي للأزمة عليه أن يحاول أولا الارتفاع عنها حتى يمكنه رؤيتها بوضوح.
لقد كان الداودي قاسيا في جلد ظهور خريجي الجامعات، خصوصا الشعبة الأدبية التي لم يقصر في انتقادها، بسبب ما رآه إقبالا واسعا للطلبة عليها، وبسبب عدم التوازن بينها وبين الشعب العلمية. ورغم ما في هذا الكلام من صواب، إلا أن صدوره عن المسؤول الأول في الحكومة على القطاع يجرده من صوابه، لأن المفروض فيه أن يبتكر الحلول لا أن يكتفي بالوصف، إذ إن وصف الأزمة التعليمية مهمة انتهت منذ زمن بعيد، وقام بها خريجو الشعب الأدبية ذاتها، أي الباحثون والمفكرون.
وما ورد على لسان الوزير ظلم من شقين، ظلم للشعب الأدبية وظلم للشعب العلمية على السواء. وتفسير الأمر أن الشعب الأدبية ليست الأدب العربي فقط بل أقسام الفلسفة وعلم الاجتماع والتاريخ وعلم النفس والدراسات الإسلامية أي المعارف التي تصنع حضارة الشعوب وترتقي بثقافتها. وهذه المعارف ـلسوء الحظ ربماـ هي التي تشكل مرآة الدول والحضارات، ومنها يتخرج أكثر من تسعين في المائة من مفكريها وفلاسفتها وشعرائها، ومن هذه الزمرة تصاغ صورة الأمم. فنحن نعرف فرنسا بفيكتور هيجو وبريطانيا بشكسبيير وألمانيا بغوته وكولومبيا بماركيز والهند بطاغور وقس على ذلك. ثم إن المفكرين الكبار الذين غيروا الحضارات وأنتجوا النظريات والأفكار لم يكونوا سوى من خريجي هذه الشعب، لكن إذا كانت من شكوى توجه إلى هذه الشعب عندنا فليس لأن الناس يقبلون عليها بل لأنها لا تخرج لنا من نفخر بهم، ولماذا لا يخرج قسم الأدب أدباء وقسم التاريخ مؤرخين وقسم الفلسفة فلاسفة وهكذا.
إن الأزمة التي تعيشها هذه الشعب ليست أزمة الكم ولكن أزمة الكيف، أي أزمة مناهج التدريس التقليدية المسيطرة. وإذا شئنا الدقة فإن صعوبة التغيير في هذه الشعب أكثر منها في الشعب العلمية، ذلك لأنها توجد في تماس مباشر مع الثقافة السائدة في المجتمع والبنيات التقليدية في الدولة، ويكاد يكون التغيير في مناهج تدريسها نوعا من الثورة داخل هذه الثقافة السائدة، لأن المهمة المناطة بها إلى الآن هي إعادة إنتاج هذه الثقافة وتكريسها. ولذلك بدل انتقادها يجب انتقاد المنظومة بكاملها، أما الاكتفاء بلوم الطلبة لأنهم يقبلون عليها فهو الكلام العادي الذي يمكن أن يصدر عن أشخاص يريدون تزجية الوقت
و تشكل تلك التصريحات ظلما للشعب العلمية لأن البنيات والشروط الواجب توفرها لاحتضان البحث العلمي الدقيق غير موجودة أصلا، حتى نحاكم الطلبة على أوضاع هم غير مسؤولين عنها. نقس على ذلك طلبة كانوا آية، لكن رحلة طلب العلم في الشعب العلمية انتهت بهم إلى العمل مدرسين في مدارس قروية لا ماء فيها ولا شجر، وندموا على تعب السنين. فمن نلوم إذن، أهؤلاء الذين قضوا زهرة عمرهم في مراودة بحث علمي لا وجود له؟ أم أولئك الذين يقبلون على الشعب الأدبية، طالما أنهم جميعا سيلتقون في القرية؟.
بيد أنه إن كانت الحكومة فعلا تشتكي من عدم الإقبال على الأقسام العلمية، بحسن النية، وتريد أن تقنع الطلبة بالتوجه إلى هذه الأقسام فما عليها سوى أن توفر بنيات الاستيعاب وتبدأ من الآن في استقبال الطاقات العلمية المهاجرة في أوروبا وهي طاقات جاهزة بدل الانتظار سنين قادمة. هناك طاقات مغربية هائلة أتيحت لها فرصة الهروب إلى الخارج لأنها وجدت أن ما تعلمته لن تستطيع استثماره في بلادها والحل العملي أن توفر لها الظروف للعودة، اللهم إن كانت الحكومة تريد تقديم تشخيص لمرض التعليم من باب الاستهلاك السياسي مع أننا لا نرى ذلك ممكنا في الوقت الذي يقول فيه نفس الوزير إن ميزانية البحث العلمي هي واحد في المائة. إنها تناقضات غير مقبولة
والتصريحات التي جاءت على لسان وزير التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر، الداودي حول رؤيته لهذه الأزمة هي جزء من الأزمة لا جزء من الحل بمعنى أن السيد الوزير تعامل مع هذه القضية بعقلية مأزومة هي نتاج الأزمة التعليمية ذاتها التي تربى في أحضانها، والحال أن من يريد التصدي للأزمة عليه أن يحاول أولا الارتفاع عنها حتى يمكنه رؤيتها بوضوح.
لقد كان الداودي قاسيا في جلد ظهور خريجي الجامعات، خصوصا الشعبة الأدبية التي لم يقصر في انتقادها، بسبب ما رآه إقبالا واسعا للطلبة عليها، وبسبب عدم التوازن بينها وبين الشعب العلمية. ورغم ما في هذا الكلام من صواب، إلا أن صدوره عن المسؤول الأول في الحكومة على القطاع يجرده من صوابه، لأن المفروض فيه أن يبتكر الحلول لا أن يكتفي بالوصف، إذ إن وصف الأزمة التعليمية مهمة انتهت منذ زمن بعيد، وقام بها خريجو الشعب الأدبية ذاتها، أي الباحثون والمفكرون.
وما ورد على لسان الوزير ظلم من شقين، ظلم للشعب الأدبية وظلم للشعب العلمية على السواء. وتفسير الأمر أن الشعب الأدبية ليست الأدب العربي فقط بل أقسام الفلسفة وعلم الاجتماع والتاريخ وعلم النفس والدراسات الإسلامية أي المعارف التي تصنع حضارة الشعوب وترتقي بثقافتها. وهذه المعارف ـلسوء الحظ ربماـ هي التي تشكل مرآة الدول والحضارات، ومنها يتخرج أكثر من تسعين في المائة من مفكريها وفلاسفتها وشعرائها، ومن هذه الزمرة تصاغ صورة الأمم. فنحن نعرف فرنسا بفيكتور هيجو وبريطانيا بشكسبيير وألمانيا بغوته وكولومبيا بماركيز والهند بطاغور وقس على ذلك. ثم إن المفكرين الكبار الذين غيروا الحضارات وأنتجوا النظريات والأفكار لم يكونوا سوى من خريجي هذه الشعب، لكن إذا كانت من شكوى توجه إلى هذه الشعب عندنا فليس لأن الناس يقبلون عليها بل لأنها لا تخرج لنا من نفخر بهم، ولماذا لا يخرج قسم الأدب أدباء وقسم التاريخ مؤرخين وقسم الفلسفة فلاسفة وهكذا.
إن الأزمة التي تعيشها هذه الشعب ليست أزمة الكم ولكن أزمة الكيف، أي أزمة مناهج التدريس التقليدية المسيطرة. وإذا شئنا الدقة فإن صعوبة التغيير في هذه الشعب أكثر منها في الشعب العلمية، ذلك لأنها توجد في تماس مباشر مع الثقافة السائدة في المجتمع والبنيات التقليدية في الدولة، ويكاد يكون التغيير في مناهج تدريسها نوعا من الثورة داخل هذه الثقافة السائدة، لأن المهمة المناطة بها إلى الآن هي إعادة إنتاج هذه الثقافة وتكريسها. ولذلك بدل انتقادها يجب انتقاد المنظومة بكاملها، أما الاكتفاء بلوم الطلبة لأنهم يقبلون عليها فهو الكلام العادي الذي يمكن أن يصدر عن أشخاص يريدون تزجية الوقت
و تشكل تلك التصريحات ظلما للشعب العلمية لأن البنيات والشروط الواجب توفرها لاحتضان البحث العلمي الدقيق غير موجودة أصلا، حتى نحاكم الطلبة على أوضاع هم غير مسؤولين عنها. نقس على ذلك طلبة كانوا آية، لكن رحلة طلب العلم في الشعب العلمية انتهت بهم إلى العمل مدرسين في مدارس قروية لا ماء فيها ولا شجر، وندموا على تعب السنين. فمن نلوم إذن، أهؤلاء الذين قضوا زهرة عمرهم في مراودة بحث علمي لا وجود له؟ أم أولئك الذين يقبلون على الشعب الأدبية، طالما أنهم جميعا سيلتقون في القرية؟.
بيد أنه إن كانت الحكومة فعلا تشتكي من عدم الإقبال على الأقسام العلمية، بحسن النية، وتريد أن تقنع الطلبة بالتوجه إلى هذه الأقسام فما عليها سوى أن توفر بنيات الاستيعاب وتبدأ من الآن في استقبال الطاقات العلمية المهاجرة في أوروبا وهي طاقات جاهزة بدل الانتظار سنين قادمة. هناك طاقات مغربية هائلة أتيحت لها فرصة الهروب إلى الخارج لأنها وجدت أن ما تعلمته لن تستطيع استثماره في بلادها والحل العملي أن توفر لها الظروف للعودة، اللهم إن كانت الحكومة تريد تقديم تشخيص لمرض التعليم من باب الاستهلاك السياسي مع أننا لا نرى ذلك ممكنا في الوقت الذي يقول فيه نفس الوزير إن ميزانية البحث العلمي هي واحد في المائة. إنها تناقضات غير مقبولة
عبدالله سعيد المرضي- يراع جديد
-
عدد الرسائل : 3
العمر : 30
البلد الأم/الإقامة الحالية : مراكش/المغرب
الشهادة/العمل : طالب جامعي
تاريخ التسجيل : 01/09/2014
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى