لوحة "يسوع ابن الإنسان" لجبران خليل جبران
صفحة 1 من اصل 1
لوحة "يسوع ابن الإنسان" لجبران خليل جبران
لوحة "يسوع ابن الإنسان" لجبران خليل جبران
فراس حج محمد/فلسطين ..مادونا عسكر/لبنان
نكمل مشوارا بدأناه مع جبران المفكر الشاعر والفنان، إنه جبران المبدع، ونختار لهذه الوقفة اليوم لوحة يسوع ابن الإنسان، الذي جسد فيها جبران الجانب الإنساني من شخصية سيدنا المسيح عليه السلام.
يقول جبران عن السيد المسيح في كتابه العواصف: "الإنسانيّة ترى يسوع الناصري مولوداً كالفقراء عائشاً كالمساكين مهاناً كالضّعفاء فتبكيه وترثيه وتندبه، وهذا كل ما تفعله لتكريمه.
منذ تسعة عشر جيلاً والبشر يعبدون الضّعف بشخص يسوع، ويسوع كان قويّا ولكنّهم لا يفهمون معنى القوّة الحقيقيّة. ما عاش يسوع مسكيناً خائفاً، بل عاش ثائراً....
لم يكن يسوع طائراً مكسور الجناحين، بل كان عاصفة هوجاء تكسر بهبوبها جميع الأجنحة المعوجّة."
هكذا عاين "جبران" يسوع المسيح فعبّر عن حقيقته كتابة ورسماً. فالحروف المنقولة عن ما باحت به روح جبران عن يسوع ابن الإنسان، تزاوجت ولوحة فحميّة بسيطة بملامحها، عظيمة في معانيها. ولا يظهر فيها وجه السّيّد بالكامل وإنّما نرى ناحية واحدة من الوجه ممّا يدلّ على أنّ النّاس عرفوا ناحية واحدة من شخص يسوع. أمّا الوجه الآخر والأعمق فإمّا لم يفهموه وإمّا كان أقوى وأصعب من أن يقتبلوه، والأصحّ أنّهم لم يقتبلوه. فالمسيح بإنسانيّته الكاملة دخل عمق إنسانيّة الإنسان وأحاط بكلّ نواحيها، فأدرك الضّعف الإنسانيّ كما أدرك قوّته. ولكنّ القوّة الإنسانيّة بحسب المسيح والبعيدة كلّ البعد عن مفهوم الإنسان عامّة للقوّة، تكمن في قدرة الإنسان على الحبّ، وليس على إبراز المقدّرات الجسديّة. بالتّالي سيُفهم هذا الحبّ على أنّه ضعف وخنوع واستسلام، في حين أنّه العامل الأوّل والأساس لمقومات الإنسانيّة الحقّة.
فقوّة الحبّ دفعت بيسوع للتّمرّد والثّورة على كلّ فساد في المجتمع، وبالدّرجة الأولى ثورة على الذّات الإنسانيّة المقيّدة بقيود شتّى، والمستعبدة والمنسحقة أمام أصنام بشريّة. قوّة الحبّ جعلت يسوع ينحني على الإنسان ليرفعه إلى مستوى الإنسانيّة الكاملة، فيعلّمه أوّلاً أنّ الإنسان ما لم يتنفّس حبّاً لن يقوى على التّغيير والتّحرّر. والتّحرّر يبدأ من داخل الذّات، فكراً وروحاً، وليس من خارجها. ثانياً، ما لم يرتبط الإنسان ارتباطاً وثيقاً بأخيه الإنسان، لن يتمكّن من تحويل الغابة الّتي يعيش فيها إلى مجتمع متحضّر يحيا فيه بكرامة.
تعكس عينا يسوع الغارقتان في تأمّل الوجع الإنسانيّ، حبّا عظيماً يقتحم النّفس الإنسانيّة ليحرّرها ويسمو بها، فيزيل أوجاعها بقوّة الحبّ وليس بقوّة الجسد. وإن يرمز الشّعر المنسدل إلى الزّهد والانقطاع عن العالم، فهو يدخل في إطار الانقطاع عن ما يؤدّي بالذّات الإنسانيّة إلى أن تسجن نفسها في الأحقاد والضّغائن فتشّوّه ملامحها الجميلة.
نظرة رصينة ومتّزنة، يبعد عنها الحبّ كلّ اضطراب وقلق، فتمنح النّاظر إليها إحساساً بالأمان. كما أنّها نظرة مباشرة، أي على مستوى كلّ النّاس، فالحبّ وإن سكن فينا منعنا من المحاباة والتّمييز بين الأفراد.
لعلّ أول ما يلفت انتباه المقابل والناظر للوحة انتصاب تلك القامة، على ما صوره جبران بها، ليوحي بقوة الفكرة الإنسانية التي تتكامل مع قوة الجسد، ولا نعني بها قوة التجبر والتسلط بل قوة الصبر والاحتمال والمناضلة في سبيل كسر كل جانح معوجّ، فكان انتصاب القامة ملمحا دالا وحقيقيا لما كانت عليه حياة يسوع عليه من أرواحنا أجلّ السلام.
لقد أفاض جبران من فكره الكثير في هذه اللوحة، فدقق عزيزي القارئ لترى كيف صور اليدين. إنها صورة تعيد إلى الأذهان صورة تلك اليد التي رسمها جبران في لوحة بعنوان الحياة شعلة، لها نفس الملامح مع وجود فيض نوراني باهر يحيط حول يديه ليقول برمزيتها أجمل المعاني وأرق الأفكار في جميل التعامل الإنساني مع البشرية، فمن اعتقد أن البشرية لا تحتاج إلى النور واليد الحانية فهو واهم. ومن ظنّ أنّ البشرية لا تحتاج إلى من ينقذها من وهدة سواد أفكارها المتناقضة مع رسالة يسوع فإنه فعلا مخادع، لذلك كان البياض في اليدين كأنه النور الذي يحمل للبشرية الهدى وإنارة الطريق، لاسيما وأن يسوع عليه السلام يحدق للأمام بنظرة ثاقبة وقوية.
إن قوّة يسوع ابن الإنسان، في قلبه الّذي يمنح العقل نوراً يفيض عنه منطقاً سليماً ومتّزناً. فالحبّ لا يستبعد العقل كما يظنّ البعض، وإنّما هو النّور الّذي يمحو كلّ غشاوة فينير له الطّريق، ليسير في النّور ما دام له النّور.
وجه يسوع ابن الإنسان هو وجه الكرامة الإنسانيّة المستنيرة بالحبّ، والّتي تسير في هذا العالم بخطى ثابتة، تقتحم أبواب الموت دون مهابة وتنتصر عليه.
هكذا كانت حياة يسوع ابن الإنسان مثالا إنسانيا بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، ولعلنا ونحن نحاول قراءة جبران الفنان في هذه اللوحة الخالدة بمكوناتها البسيطة والعميقة في آن نؤكد دور الإنسانية وسرها بأن الحياة لن تكون بغير رسالة المحبة التي عاشها يسوع ابن الإنسان ليكون مع الإنسان في همومه مرشدا له عبر رسالة إنسانية خالدة، فهل ستدرك البشرية عظمة أن نكون معا ونناضل سوية من أجل إنسان يفهم رسالته الإنسانية التي خصه الله بها من خلال شخصية يسوع ابن الإنسان؟
منقول
فراس حج محمد/فلسطين ..مادونا عسكر/لبنان
نكمل مشوارا بدأناه مع جبران المفكر الشاعر والفنان، إنه جبران المبدع، ونختار لهذه الوقفة اليوم لوحة يسوع ابن الإنسان، الذي جسد فيها جبران الجانب الإنساني من شخصية سيدنا المسيح عليه السلام.
يقول جبران عن السيد المسيح في كتابه العواصف: "الإنسانيّة ترى يسوع الناصري مولوداً كالفقراء عائشاً كالمساكين مهاناً كالضّعفاء فتبكيه وترثيه وتندبه، وهذا كل ما تفعله لتكريمه.
منذ تسعة عشر جيلاً والبشر يعبدون الضّعف بشخص يسوع، ويسوع كان قويّا ولكنّهم لا يفهمون معنى القوّة الحقيقيّة. ما عاش يسوع مسكيناً خائفاً، بل عاش ثائراً....
لم يكن يسوع طائراً مكسور الجناحين، بل كان عاصفة هوجاء تكسر بهبوبها جميع الأجنحة المعوجّة."
هكذا عاين "جبران" يسوع المسيح فعبّر عن حقيقته كتابة ورسماً. فالحروف المنقولة عن ما باحت به روح جبران عن يسوع ابن الإنسان، تزاوجت ولوحة فحميّة بسيطة بملامحها، عظيمة في معانيها. ولا يظهر فيها وجه السّيّد بالكامل وإنّما نرى ناحية واحدة من الوجه ممّا يدلّ على أنّ النّاس عرفوا ناحية واحدة من شخص يسوع. أمّا الوجه الآخر والأعمق فإمّا لم يفهموه وإمّا كان أقوى وأصعب من أن يقتبلوه، والأصحّ أنّهم لم يقتبلوه. فالمسيح بإنسانيّته الكاملة دخل عمق إنسانيّة الإنسان وأحاط بكلّ نواحيها، فأدرك الضّعف الإنسانيّ كما أدرك قوّته. ولكنّ القوّة الإنسانيّة بحسب المسيح والبعيدة كلّ البعد عن مفهوم الإنسان عامّة للقوّة، تكمن في قدرة الإنسان على الحبّ، وليس على إبراز المقدّرات الجسديّة. بالتّالي سيُفهم هذا الحبّ على أنّه ضعف وخنوع واستسلام، في حين أنّه العامل الأوّل والأساس لمقومات الإنسانيّة الحقّة.
فقوّة الحبّ دفعت بيسوع للتّمرّد والثّورة على كلّ فساد في المجتمع، وبالدّرجة الأولى ثورة على الذّات الإنسانيّة المقيّدة بقيود شتّى، والمستعبدة والمنسحقة أمام أصنام بشريّة. قوّة الحبّ جعلت يسوع ينحني على الإنسان ليرفعه إلى مستوى الإنسانيّة الكاملة، فيعلّمه أوّلاً أنّ الإنسان ما لم يتنفّس حبّاً لن يقوى على التّغيير والتّحرّر. والتّحرّر يبدأ من داخل الذّات، فكراً وروحاً، وليس من خارجها. ثانياً، ما لم يرتبط الإنسان ارتباطاً وثيقاً بأخيه الإنسان، لن يتمكّن من تحويل الغابة الّتي يعيش فيها إلى مجتمع متحضّر يحيا فيه بكرامة.
تعكس عينا يسوع الغارقتان في تأمّل الوجع الإنسانيّ، حبّا عظيماً يقتحم النّفس الإنسانيّة ليحرّرها ويسمو بها، فيزيل أوجاعها بقوّة الحبّ وليس بقوّة الجسد. وإن يرمز الشّعر المنسدل إلى الزّهد والانقطاع عن العالم، فهو يدخل في إطار الانقطاع عن ما يؤدّي بالذّات الإنسانيّة إلى أن تسجن نفسها في الأحقاد والضّغائن فتشّوّه ملامحها الجميلة.
نظرة رصينة ومتّزنة، يبعد عنها الحبّ كلّ اضطراب وقلق، فتمنح النّاظر إليها إحساساً بالأمان. كما أنّها نظرة مباشرة، أي على مستوى كلّ النّاس، فالحبّ وإن سكن فينا منعنا من المحاباة والتّمييز بين الأفراد.
لعلّ أول ما يلفت انتباه المقابل والناظر للوحة انتصاب تلك القامة، على ما صوره جبران بها، ليوحي بقوة الفكرة الإنسانية التي تتكامل مع قوة الجسد، ولا نعني بها قوة التجبر والتسلط بل قوة الصبر والاحتمال والمناضلة في سبيل كسر كل جانح معوجّ، فكان انتصاب القامة ملمحا دالا وحقيقيا لما كانت عليه حياة يسوع عليه من أرواحنا أجلّ السلام.
لقد أفاض جبران من فكره الكثير في هذه اللوحة، فدقق عزيزي القارئ لترى كيف صور اليدين. إنها صورة تعيد إلى الأذهان صورة تلك اليد التي رسمها جبران في لوحة بعنوان الحياة شعلة، لها نفس الملامح مع وجود فيض نوراني باهر يحيط حول يديه ليقول برمزيتها أجمل المعاني وأرق الأفكار في جميل التعامل الإنساني مع البشرية، فمن اعتقد أن البشرية لا تحتاج إلى النور واليد الحانية فهو واهم. ومن ظنّ أنّ البشرية لا تحتاج إلى من ينقذها من وهدة سواد أفكارها المتناقضة مع رسالة يسوع فإنه فعلا مخادع، لذلك كان البياض في اليدين كأنه النور الذي يحمل للبشرية الهدى وإنارة الطريق، لاسيما وأن يسوع عليه السلام يحدق للأمام بنظرة ثاقبة وقوية.
إن قوّة يسوع ابن الإنسان، في قلبه الّذي يمنح العقل نوراً يفيض عنه منطقاً سليماً ومتّزناً. فالحبّ لا يستبعد العقل كما يظنّ البعض، وإنّما هو النّور الّذي يمحو كلّ غشاوة فينير له الطّريق، ليسير في النّور ما دام له النّور.
وجه يسوع ابن الإنسان هو وجه الكرامة الإنسانيّة المستنيرة بالحبّ، والّتي تسير في هذا العالم بخطى ثابتة، تقتحم أبواب الموت دون مهابة وتنتصر عليه.
هكذا كانت حياة يسوع ابن الإنسان مثالا إنسانيا بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، ولعلنا ونحن نحاول قراءة جبران الفنان في هذه اللوحة الخالدة بمكوناتها البسيطة والعميقة في آن نؤكد دور الإنسانية وسرها بأن الحياة لن تكون بغير رسالة المحبة التي عاشها يسوع ابن الإنسان ليكون مع الإنسان في همومه مرشدا له عبر رسالة إنسانية خالدة، فهل ستدرك البشرية عظمة أن نكون معا ونناضل سوية من أجل إنسان يفهم رسالته الإنسانية التي خصه الله بها من خلال شخصية يسوع ابن الإنسان؟
منقول
العبيدي جو- المديـر العــام
-
عدد الرسائل : 4084
تاريخ التسجيل : 28/08/2008
مواضيع مماثلة
» لوحة "يسوع ابن الإنسان" لجبران خليل جبران
» لم يكن يسوع وديعاً / جبران خليل جبران
» مقاطع من قصيدة المحبة لجبران خليل جبران
» قصيدة البلاد المحجوبة لجبران خليل جبران
» بدايات في حياة الأديب الكبير جبران خليل جبران
» لم يكن يسوع وديعاً / جبران خليل جبران
» مقاطع من قصيدة المحبة لجبران خليل جبران
» قصيدة البلاد المحجوبة لجبران خليل جبران
» بدايات في حياة الأديب الكبير جبران خليل جبران
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى