سعيد نفاع يقيم مأتما في الجنة
صفحة 1 من اصل 1
سعيد نفاع يقيم مأتما في الجنة
سعيد
الكتاب: مأتم في الجنة /104 صفحات من الحجم الوسط
سعيد نفاع / اواخر 2011 / اصدار خاص /
من بديهيات ادبنا المحلي الاندماج بين السياسة والإبداع الثقافي.واستعراض ابرز الكتاب والشعراء في ثقافتنا، نجد ان السياسة كانت تشكل خبزهم اليومي وليس مجرد مناسبات للتعبير عن موقف.
قرأت للكاتب سعيد نفاع سابقا. لم يكن يكثر من النشر، ترك الحزب الشيوعي ثم انضم لحزب التجمع ليصل الى الكنيست ، ثم ليترك التجمع ويواصل نشاطه السياسي كبرلماني مستقل.
هذا جانب واحد من نشاطه الذي طغى في السنوات الثلاث الماضية على شخصيته، ولكنه سريعا ما استعاد توازنه الإبداعي ، والى جانب المقالات السياسية نشر قصصا .
من جوانب شخصيته الأخرى انه محامي عمل في المحاماة قبل الكنيست، وطبعا الى جانب المحاماة واصل الكتابة الأدبية... ويبدو أن الأدب يحتل حيزا من نفسه أعظم من المحاماة، رغم ان شخصية المحامي تظهر في الكثير من المقاطع السردية ، عبر صياغتها بما يشبه المرافعة القضائية. سعيد نفاع اصدر عددا من الكتب حول قضايا محلية ، الى جانب القصص القصيرة ودراسة عن العرب الدروز والحركة الوطنية الفلسطينية. ومجموعته القصصية الأخيرة التي نحن في صددها صدرت اواخر 2011 تحمل اسما ملفتا للإنتباه:" مأتم في الجنة".
اجل ، وهل يملك الفلسطيني ، طفلا كان او بالغا ان يدخل الجنة الا مقتولا او مشردا في هذا الزمن العربي السيئ؟!
مأتم في الجنة اطلق علية سعيد صفة "قصص وحكايات قصيرة" أي ميز سلفا بين القصة الفنية والسرد الحكائي الذي يحمل روح القصة ولكنه لا يرقى الى العمل الدرامي الذي يفترض ان يدمج بين النص القصصي والفكرة القصصية.
في قصة مأتم في الجنة، واعتقد انها لوحة قصصية مؤثرة ومعبرة واجواءها قريبة من أجواء الشعر ، مما يضفي على النص حلما شعريا ولغة مموسقة وصورا لا يمكن تخيلها الا بذهن موسيقي .
المأتم قصة غير عادية، يكسر فيها سعيد النمطية الدارجة. ربما لا يجدد كثيرا في الصياغة القصصية، لكنه لا يجتر الأساليب الدارجة مثل بداية وسط عقدة حل نهاية.. المأتم هو حالة مستمرة وليس من الممكن ان ينتهي المأتم قصصيا ما دام متواصلا في الواقع اليومي المأساوي للشعب الفلسطيني.
النص مليء بالألم. ينجح سعيد بنقله للقارئ. وهنا لا بد من ملاحظة، ان سعيد ينهج في هذا النص على اساس ما اسميه ب "القصة كموضوع فكري" وليس كنص حكائي ممتع فقط. وفي الفكر الامتاع أكبر ولكنه يحتاج الى قارئ من نوع آخر. قارئ لا يقرأ بنصف وعي وبعين مغلقة. ليس لأن النص معقد، بل هو نص سردي متدفق وقريب للروح وسهل، ولكن لفهم المضمون المأتمي في الجنة، يجب الإنتباه للتفاصيل.سعيد يكتب باحساس والم ، ويتجاوز الوجدانية الى فضاء اوسع. في لحظات يكاد النص يبدو بيانا ، او مرافعة قانونية ضد القمع الدموي الذي يعتبر الأطفال أيضا هدفا للقتل. المفارقة الكبيرة التي تطرحها القصة ان الأطفال في الجنة، لم يصلوا لأن الله اختارهم، بل لأنهم أرسلوا عنوة وهم في قمة براءتهم وعشقهم للحياة.
ماذا يفعلون بالجنة؟
انهم يقيمون الأعراس للوافدين قتلا بايدي الأعداء، ويقيمون المآتم للوافدين قتلا بايدي اهاليهم.
رسالة قوية واضحة في مضمونها.
سعيد لا يغرق في نصوصه بالديباجة اللغوية التي لاحظتها لدى الكثيرين، لدرجة انها تثقل على النص وتقتل دراميته.هنا نجده يسرد بلغة سهلة وجمل قصيرة ، تشبه تدفق المياه ، ويثبت انه صاحب تجربة ورؤية فكرية للفن القصصي. وملاحظتي الوحيدة هنا انه لا ينتبه في بعض قصصه الى اهمية عناصر الدهشة القصصية في مطلع النص ، بحيث على القارئ ان يتقدم في القراءة لتنشأ الاثارة او الدهشة في مرحلة متقدمة من الصياغة.
قد يقول قائل ان مبنى بعض القصص ناقص. ويبدو لي ان سعيد كان متنبها لذلك، لذا سجل على الغلاف تحت اسم المجموعة "قصص وحكايات" .. ورغم ذلك جعل حكاياته قريبة جدا من روح الصياغة القصصية.
سعيد كابن لقرية بيت جن، تلك القرية الشامخة مع شموخ جارها الجرمق،والتي تتميز باجواء بيئية ساحرة،أترث بالتأكيد على المفاهيم الجمالية في سرد سعيد وفي بناء صوره القصصية التي أضفت على نصوص المجموعة بعضا من جمال الطبيعة للجرمق الرابض في اعالي الجليل. وبنفس الوقت جعلت النصوص اقرب لواقع الحياة ببساطة الاسترسال في النص واختيار التعابير اللغوية.
كذلك نجد ان التعابير العبرية التي أضحت تحتل حيزا من لساننا ، في استعمالاتنا اليومية، تطل برأسها عبر بعض الصور القصصية كما في قصته : "الخائن".
في قصة "الشلحة" يعيدنا سعيد الى عادات تراثية ، والى ايام سياسة التقشف والتقنين والكوبونات (كرتات الإعاشة) التي سادت اسرائيل حتى سنوات الستين. كان الحصول على المؤن والمأكولات المختلفة، يتم عن طريق طوابع وحصص محددة سلفا ، ذلك طبعا قبل الوفرة التي حلت على الدولة لدرجة التخمة.
ولكن الهدف كان الشلحة.. والقصة تستعيد ايام التقنين التي جعلت التهريب من لبنان وغيرها عملية مربحة، يتوفر عن طريقها الكثير من الضروريات ، خاصة في الأعراس والليالي الملاح.كانت المهربات الطيبة تصل من لبنان. وهو يجمع الخيوط ليشرح لنا مسالة الشلحة التي هي آخر ما يستر الجسد، فالشلحة لها ضرورتها في ليلة الدخلة، حيث تثبت العروس بكارتها ، ويثبت العريس رجولته.والطريقة تعليق الشلحة النسائية المضرجة بالبقع الحمراء(دم ليلة الدخلة) على مدخل بيت العريس.
علم الانتصار العربي الوحيد الذي اعرفه، اعادني سعيد الى ذكرياته وصوره التراثية.
من هذه القصة انتقلت فورا لقصة احمل بعض ذكريات عن موضوعها:"ورق الدخان الشامي" العنوان ذكرني بايام شبابي الباكر عندما كان تهريب ورق الدخان للف السجائر يعتبر جريمة يعاقب عليها القانون، سعيد اعادني لتلك الذكريات عبر هذه القصة ، حيث ورق السجائر الشامي اكتسب شهرة وتميز عن غيره من اوراق الدخان. في القصة يطرح سيرة مهرب يلقي الجنود عليه القبض. ويبدو من النص انها حكاية متداوله قام سعيد بتسجيلها وهي اقرب حقا للأدب التسجيلي، مع ان سعيد اعطاها شكلا سرديا قصصيا .
قصة القاضي هي اقرب الى الطرفة ويظهر واضحا انها حكاية متداولة او حكمة جعل لها سعيد قواما قصصيا.
من الدفاتر القديمة يقدم سعيد في مجموعته اربعة قصص كتبت بين 1972 و 1975.ملاحظتي ان مبناها القصصي يميل الى السرد العادي التقليدي والمباشرة فيها أقوى من قصصه الأحدث.، بينما في نصوصه الجديدة وخاصة في قصة مأتم في الجنة نلاحظ نقلة نوعية في البناء الدرامي واللغة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
nabiloudeh@gmail.com
نفاع يقيم مأتما في الجنة
نبيـــل عـــودة
نبيـــل عـــودة
الكتاب: مأتم في الجنة /104 صفحات من الحجم الوسط
سعيد نفاع / اواخر 2011 / اصدار خاص /
من بديهيات ادبنا المحلي الاندماج بين السياسة والإبداع الثقافي.واستعراض ابرز الكتاب والشعراء في ثقافتنا، نجد ان السياسة كانت تشكل خبزهم اليومي وليس مجرد مناسبات للتعبير عن موقف.
قرأت للكاتب سعيد نفاع سابقا. لم يكن يكثر من النشر، ترك الحزب الشيوعي ثم انضم لحزب التجمع ليصل الى الكنيست ، ثم ليترك التجمع ويواصل نشاطه السياسي كبرلماني مستقل.
هذا جانب واحد من نشاطه الذي طغى في السنوات الثلاث الماضية على شخصيته، ولكنه سريعا ما استعاد توازنه الإبداعي ، والى جانب المقالات السياسية نشر قصصا .
من جوانب شخصيته الأخرى انه محامي عمل في المحاماة قبل الكنيست، وطبعا الى جانب المحاماة واصل الكتابة الأدبية... ويبدو أن الأدب يحتل حيزا من نفسه أعظم من المحاماة، رغم ان شخصية المحامي تظهر في الكثير من المقاطع السردية ، عبر صياغتها بما يشبه المرافعة القضائية. سعيد نفاع اصدر عددا من الكتب حول قضايا محلية ، الى جانب القصص القصيرة ودراسة عن العرب الدروز والحركة الوطنية الفلسطينية. ومجموعته القصصية الأخيرة التي نحن في صددها صدرت اواخر 2011 تحمل اسما ملفتا للإنتباه:" مأتم في الجنة".
اجل ، وهل يملك الفلسطيني ، طفلا كان او بالغا ان يدخل الجنة الا مقتولا او مشردا في هذا الزمن العربي السيئ؟!
مأتم في الجنة اطلق علية سعيد صفة "قصص وحكايات قصيرة" أي ميز سلفا بين القصة الفنية والسرد الحكائي الذي يحمل روح القصة ولكنه لا يرقى الى العمل الدرامي الذي يفترض ان يدمج بين النص القصصي والفكرة القصصية.
في قصة مأتم في الجنة، واعتقد انها لوحة قصصية مؤثرة ومعبرة واجواءها قريبة من أجواء الشعر ، مما يضفي على النص حلما شعريا ولغة مموسقة وصورا لا يمكن تخيلها الا بذهن موسيقي .
المأتم قصة غير عادية، يكسر فيها سعيد النمطية الدارجة. ربما لا يجدد كثيرا في الصياغة القصصية، لكنه لا يجتر الأساليب الدارجة مثل بداية وسط عقدة حل نهاية.. المأتم هو حالة مستمرة وليس من الممكن ان ينتهي المأتم قصصيا ما دام متواصلا في الواقع اليومي المأساوي للشعب الفلسطيني.
النص مليء بالألم. ينجح سعيد بنقله للقارئ. وهنا لا بد من ملاحظة، ان سعيد ينهج في هذا النص على اساس ما اسميه ب "القصة كموضوع فكري" وليس كنص حكائي ممتع فقط. وفي الفكر الامتاع أكبر ولكنه يحتاج الى قارئ من نوع آخر. قارئ لا يقرأ بنصف وعي وبعين مغلقة. ليس لأن النص معقد، بل هو نص سردي متدفق وقريب للروح وسهل، ولكن لفهم المضمون المأتمي في الجنة، يجب الإنتباه للتفاصيل.سعيد يكتب باحساس والم ، ويتجاوز الوجدانية الى فضاء اوسع. في لحظات يكاد النص يبدو بيانا ، او مرافعة قانونية ضد القمع الدموي الذي يعتبر الأطفال أيضا هدفا للقتل. المفارقة الكبيرة التي تطرحها القصة ان الأطفال في الجنة، لم يصلوا لأن الله اختارهم، بل لأنهم أرسلوا عنوة وهم في قمة براءتهم وعشقهم للحياة.
ماذا يفعلون بالجنة؟
انهم يقيمون الأعراس للوافدين قتلا بايدي الأعداء، ويقيمون المآتم للوافدين قتلا بايدي اهاليهم.
رسالة قوية واضحة في مضمونها.
سعيد لا يغرق في نصوصه بالديباجة اللغوية التي لاحظتها لدى الكثيرين، لدرجة انها تثقل على النص وتقتل دراميته.هنا نجده يسرد بلغة سهلة وجمل قصيرة ، تشبه تدفق المياه ، ويثبت انه صاحب تجربة ورؤية فكرية للفن القصصي. وملاحظتي الوحيدة هنا انه لا ينتبه في بعض قصصه الى اهمية عناصر الدهشة القصصية في مطلع النص ، بحيث على القارئ ان يتقدم في القراءة لتنشأ الاثارة او الدهشة في مرحلة متقدمة من الصياغة.
قد يقول قائل ان مبنى بعض القصص ناقص. ويبدو لي ان سعيد كان متنبها لذلك، لذا سجل على الغلاف تحت اسم المجموعة "قصص وحكايات" .. ورغم ذلك جعل حكاياته قريبة جدا من روح الصياغة القصصية.
سعيد كابن لقرية بيت جن، تلك القرية الشامخة مع شموخ جارها الجرمق،والتي تتميز باجواء بيئية ساحرة،أترث بالتأكيد على المفاهيم الجمالية في سرد سعيد وفي بناء صوره القصصية التي أضفت على نصوص المجموعة بعضا من جمال الطبيعة للجرمق الرابض في اعالي الجليل. وبنفس الوقت جعلت النصوص اقرب لواقع الحياة ببساطة الاسترسال في النص واختيار التعابير اللغوية.
كذلك نجد ان التعابير العبرية التي أضحت تحتل حيزا من لساننا ، في استعمالاتنا اليومية، تطل برأسها عبر بعض الصور القصصية كما في قصته : "الخائن".
في قصة "الشلحة" يعيدنا سعيد الى عادات تراثية ، والى ايام سياسة التقشف والتقنين والكوبونات (كرتات الإعاشة) التي سادت اسرائيل حتى سنوات الستين. كان الحصول على المؤن والمأكولات المختلفة، يتم عن طريق طوابع وحصص محددة سلفا ، ذلك طبعا قبل الوفرة التي حلت على الدولة لدرجة التخمة.
ولكن الهدف كان الشلحة.. والقصة تستعيد ايام التقنين التي جعلت التهريب من لبنان وغيرها عملية مربحة، يتوفر عن طريقها الكثير من الضروريات ، خاصة في الأعراس والليالي الملاح.كانت المهربات الطيبة تصل من لبنان. وهو يجمع الخيوط ليشرح لنا مسالة الشلحة التي هي آخر ما يستر الجسد، فالشلحة لها ضرورتها في ليلة الدخلة، حيث تثبت العروس بكارتها ، ويثبت العريس رجولته.والطريقة تعليق الشلحة النسائية المضرجة بالبقع الحمراء(دم ليلة الدخلة) على مدخل بيت العريس.
علم الانتصار العربي الوحيد الذي اعرفه، اعادني سعيد الى ذكرياته وصوره التراثية.
من هذه القصة انتقلت فورا لقصة احمل بعض ذكريات عن موضوعها:"ورق الدخان الشامي" العنوان ذكرني بايام شبابي الباكر عندما كان تهريب ورق الدخان للف السجائر يعتبر جريمة يعاقب عليها القانون، سعيد اعادني لتلك الذكريات عبر هذه القصة ، حيث ورق السجائر الشامي اكتسب شهرة وتميز عن غيره من اوراق الدخان. في القصة يطرح سيرة مهرب يلقي الجنود عليه القبض. ويبدو من النص انها حكاية متداوله قام سعيد بتسجيلها وهي اقرب حقا للأدب التسجيلي، مع ان سعيد اعطاها شكلا سرديا قصصيا .
قصة القاضي هي اقرب الى الطرفة ويظهر واضحا انها حكاية متداولة او حكمة جعل لها سعيد قواما قصصيا.
من الدفاتر القديمة يقدم سعيد في مجموعته اربعة قصص كتبت بين 1972 و 1975.ملاحظتي ان مبناها القصصي يميل الى السرد العادي التقليدي والمباشرة فيها أقوى من قصصه الأحدث.، بينما في نصوصه الجديدة وخاصة في قصة مأتم في الجنة نلاحظ نقلة نوعية في البناء الدرامي واللغة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
nabiloudeh@gmail.com
نبيل عودة- أديب، قاص، ناقد
-
عدد الرسائل : 118
العمر : 77
البلد الأم/الإقامة الحالية : الناصرة
تاريخ التسجيل : 27/09/2008
مواضيع مماثلة
» عيد سعيد
» تعالو جميعا نقول لملكنا الغالي جو وسيد المملكة عيد ميلاد سعيد
» (حبيبتي)
» فطر سعيد.. كل عام وأنتم بخير
» خذني بعينيك - سعيد عقل
» تعالو جميعا نقول لملكنا الغالي جو وسيد المملكة عيد ميلاد سعيد
» (حبيبتي)
» فطر سعيد.. كل عام وأنتم بخير
» خذني بعينيك - سعيد عقل
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى