ليل الحسكة
2 مشترك
๑۩۩๑ المملكـــــــــــة الأدبيــــــــــــة ๑۩۩๑ :: أقـــــلام نـشـــطــة :: دعونا قليلا نستريح / سنعود... :: سلام أيها الخابور / يزيد عاشور
صفحة 1 من اصل 1
ليل الحسكة
تخفت الأصوات عادة عند الحادية عشرة ليلاً الا من بعض السيارات الصفراء القبيحة وبعض المارين على عجل بعض المطاعم الصغيرة على الشوارع والتي تبيع الصندويشات السريعة تشوبها بعض الحركة والتي ما تلبث أن تختفي عند منتصف الليل فقط الأصوات العالية الصادرة من بعض الحانات تلوث صمت المدينة وغالباً ما تكون ضحكات عدوانية تشعر أنها صدرت من رأس غاضب أكثر منه فرحاً ....
عادة ماكنت في أحد تلك الأماكن التي يكثر فيها العرق وتزدحم فيها الأصوات ودخان السكائر .. يختلط سماء الحانة بشتيمة مخنوقة أو مصطلحات مُسبقة الصنع مثل البروليتارية والأيديولوجية وغيرها فتصلك رسالة من يتحلّق على الطاولة المجاورة ... بعض فقر وبعض غضب وقليل من الشيوعية ....
عادة ما أودع أصدقائي عند الثانية صباحاً وأختار أن أمشي وحيد في طرقات الحسكة .. أنظر للأبواب الميتة وأعرف أسماء من هم خلف الأبواب ... المحال .. أعرف أصحابها وأعرف من هو الطيب ومن هو النصّاب ... أعرف كل حفرة في الطريق حتى أني قد منحت بعض تلك الحفر أسماء وصارت علاقتي بها مؤنسنة ولم تعد مجرد أشياء ...
كان مشواري متوحد جزء مهم وأساسي من السكرة ... أحساس أمتلكته فقط وحدي .. حين أتجول في المدينة النائمة فيمنحني هذا التجوال أحساس فريد بأن المدينة كلها .. ملكي ... أنا سيدها أمضي وحيد في شوارعها أتوقف انّى شئت وقد أتّبول على أي جدار ( مرة تبولت على قفل أحد أبواب المحلات لأنني كنت لا أحب مالكه ) لم يكن لنشوتي حدود الا بعض سيارات البيجو البيضاء الطويلة وكنت أعرف أنها سيارات الأمن .. غالباً ما تتوقف ليمتد رأس قبيح من أحدى نوافذها ويسألني بصوت لا يخلو من ريبة ... شو .... لوين ؟؟؟ أحياناً أضطر للوقوف والشرح وأضهار هويتي وأحياناً أكون أكثر حظاً فأكتفي بأجابات مقتضبة وأتابع سيري .... لم أكن أتذّمر من تلك السيارات ولا من الأسئلة السخيفة ... لقد تعودت عليها بفعل التكرار والعادة ....
دائماً كنت أختار الخابور كمحطة أخيرة لي ... أجلس قرب الناعورة ... أسمع نوحها وهي تتألم منذ ولدت تحمل بين صفائحها ماء النهر لترميه متكاسلة على مجرى ضيق يقوم بلملمة الماء وأقتياده الى ساقية تنتهي الى الحقل المجاور ... ثم لا شيء غير صمت الخابور الملغوم ... وأنكسار بعض أضواء المدينة القريبة على سطح الماء .. فتبدو كأنما تعلن عن افتتاح حفل صغير بكرنفال اللون المضطرب على سطح الماء ... أنا والخابور والمدينة النائمة خلف ضهري .... أنها حسكتي ... وهذا خابوري ... يعرفني وهو مستلق كحيوان مفترس يعرف صاحبه ويكتفي بتحريك ذيله بمودة حين يلتقيه ....
الحسكة كانت لأهلها في النهار ... وفي الليل كانت لي .........
سمعت أن الناعورة قد ماتت وأن الخابور أصابه مرض عضال فبات هزيل أول الأمر ثم لم يحتمل فراق الناعورة .... فمات هو الآخر ...
أغمض عيني هذه الأيام وأحاول أن أصطحبني الى شوارع الحسكة مثل زمان ... لكنني أفشل في أستحضار الشوارع والى أين تنتهي ... نسيت أسماء الحفر ... لم أعد أشعر بفحولة الخابور ... والناعورة بالكاد أتذكر كيف هو شكل قبرها المُلقى بأهمال دون شاهدة هناك .... الموت بدأ يعرف طريقه الى ذاكرتي ... كثيرة هي الخلايا التي ماتت في جسدي ... وفي أنتظار أن يموت ما تبقى منّي .... سأحلم قدر ما أستطيع بليل الحسكة وبالناعورة والخابور ..............
عادة ماكنت في أحد تلك الأماكن التي يكثر فيها العرق وتزدحم فيها الأصوات ودخان السكائر .. يختلط سماء الحانة بشتيمة مخنوقة أو مصطلحات مُسبقة الصنع مثل البروليتارية والأيديولوجية وغيرها فتصلك رسالة من يتحلّق على الطاولة المجاورة ... بعض فقر وبعض غضب وقليل من الشيوعية ....
عادة ما أودع أصدقائي عند الثانية صباحاً وأختار أن أمشي وحيد في طرقات الحسكة .. أنظر للأبواب الميتة وأعرف أسماء من هم خلف الأبواب ... المحال .. أعرف أصحابها وأعرف من هو الطيب ومن هو النصّاب ... أعرف كل حفرة في الطريق حتى أني قد منحت بعض تلك الحفر أسماء وصارت علاقتي بها مؤنسنة ولم تعد مجرد أشياء ...
كان مشواري متوحد جزء مهم وأساسي من السكرة ... أحساس أمتلكته فقط وحدي .. حين أتجول في المدينة النائمة فيمنحني هذا التجوال أحساس فريد بأن المدينة كلها .. ملكي ... أنا سيدها أمضي وحيد في شوارعها أتوقف انّى شئت وقد أتّبول على أي جدار ( مرة تبولت على قفل أحد أبواب المحلات لأنني كنت لا أحب مالكه ) لم يكن لنشوتي حدود الا بعض سيارات البيجو البيضاء الطويلة وكنت أعرف أنها سيارات الأمن .. غالباً ما تتوقف ليمتد رأس قبيح من أحدى نوافذها ويسألني بصوت لا يخلو من ريبة ... شو .... لوين ؟؟؟ أحياناً أضطر للوقوف والشرح وأضهار هويتي وأحياناً أكون أكثر حظاً فأكتفي بأجابات مقتضبة وأتابع سيري .... لم أكن أتذّمر من تلك السيارات ولا من الأسئلة السخيفة ... لقد تعودت عليها بفعل التكرار والعادة ....
دائماً كنت أختار الخابور كمحطة أخيرة لي ... أجلس قرب الناعورة ... أسمع نوحها وهي تتألم منذ ولدت تحمل بين صفائحها ماء النهر لترميه متكاسلة على مجرى ضيق يقوم بلملمة الماء وأقتياده الى ساقية تنتهي الى الحقل المجاور ... ثم لا شيء غير صمت الخابور الملغوم ... وأنكسار بعض أضواء المدينة القريبة على سطح الماء .. فتبدو كأنما تعلن عن افتتاح حفل صغير بكرنفال اللون المضطرب على سطح الماء ... أنا والخابور والمدينة النائمة خلف ضهري .... أنها حسكتي ... وهذا خابوري ... يعرفني وهو مستلق كحيوان مفترس يعرف صاحبه ويكتفي بتحريك ذيله بمودة حين يلتقيه ....
الحسكة كانت لأهلها في النهار ... وفي الليل كانت لي .........
سمعت أن الناعورة قد ماتت وأن الخابور أصابه مرض عضال فبات هزيل أول الأمر ثم لم يحتمل فراق الناعورة .... فمات هو الآخر ...
أغمض عيني هذه الأيام وأحاول أن أصطحبني الى شوارع الحسكة مثل زمان ... لكنني أفشل في أستحضار الشوارع والى أين تنتهي ... نسيت أسماء الحفر ... لم أعد أشعر بفحولة الخابور ... والناعورة بالكاد أتذكر كيف هو شكل قبرها المُلقى بأهمال دون شاهدة هناك .... الموت بدأ يعرف طريقه الى ذاكرتي ... كثيرة هي الخلايا التي ماتت في جسدي ... وفي أنتظار أن يموت ما تبقى منّي .... سأحلم قدر ما أستطيع بليل الحسكة وبالناعورة والخابور ..............
يزيد عاشور- كاتب و أديب
-
عدد الرسائل : 152
العمر : 62
البلد الأم/الإقامة الحالية : sweden/ syr
الشهادة/العمل : ......
تاريخ التسجيل : 15/04/2011
رد: ليل الحسكة
أستاذ يزيديزيد عاشور كتب:عادة ماكنت في أحد تلك الأماكن.............
يختلط سماء الحانة بشتيمة مخنوقة أو مصطلحات مُسبقة الصنع.............
فتصلك رسالة من يتحلّق على الطاولة المجاورة ...
بعض فقر وبعض غضب وقليل من الشيوعية ....
........................
سمعت أن الناعورة قد ماتت وأن الخابور أصابه مرض عضال...........
أغمض عيني هذه الأيام وأحاول أن أصطحبني الى شوارع الحسكة مثل زمان ...
لكنني أفشل في أستحضار الشوارع والى أين تنتهي ...
نسيت أسماء الحفر ... لم أعد أشعر بفحولة الخابور ...
والناعورة بالكاد أتذكر كيف هو شكل قبرها المُلقى بأهمال دون شاهدة هناك ....
الموت بدأ يعرف طريقه الى ذاكرتي ...
كثيرة هي الخلايا التي ماتت في جسدي ...
وفي أنتظار أن يموت ما تبقى منّي .... سأحلم قدر ما أستطيع بليل الحسكة وبالناعورة والخابور.
ياريت يرجع ليل الحسكة كما كنت عهدته ونحن رضيانين فيه
ادمعت عيوني
اشتقنا لك.. عد يا اخي
وخليك معنا
محبتي
جو
العبيدي جو- المديـر العــام
-
عدد الرسائل : 4084
تاريخ التسجيل : 28/08/2008
๑۩۩๑ المملكـــــــــــة الأدبيــــــــــــة ๑۩۩๑ :: أقـــــلام نـشـــطــة :: دعونا قليلا نستريح / سنعود... :: سلام أيها الخابور / يزيد عاشور
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى