الخطبــــــــــــــــــــة البليغة
๑۩۩๑ المملكـــــــــــة الأدبيــــــــــــة ๑۩۩๑ :: الأدبيــة العـامـــة :: القصة والحكاية :: حنا خوري
صفحة 1 من اصل 1
الخطبــــــــــــــــــــة البليغة
لم يكن تعداد بيوتها العشرين ... وساكنوها لم يكن يتجاوزوا المئتين شيوخا وشبّانا ونســــــاء وأطفال . قرية بالأسم فقط ... سكانها طبقة معدومة منزوية عن العالم الآخر .. لا تمر فيها أيّة آلية والذي يملك دابّة للركوب ، كمن يملك سيارة فارهة يسهر على راحتها وهي بمثابة أحد أفراد الأسرة .. كيف لا ينتبه عليعا وهي التي تنقله من مكان الى آخر .
كانت الحياة في جارد هكذا .. كان اسم تلك القرية جارد بسيطة وبدائية اهلها يعيشون على الزراعة .. فهم لا ينزلون الى المدينة اطلاقا الاّ بعد موسم الحصاد .. وبعد ان يعلم كل واحد من السكان كم بلغت ثروته الموسمية عند عملية البيع لأحد التجار الذين يجوبون تلك القري للتجارة .. نعم بعد عملية البيع ومعرفة مدى ثروة كل شخص السنوية يتهيأ من يريد الذهاب الى المدينة فيعلم اهل القرية بالكامل ان فلان ذاهب الى المدينة في اليوم الفلاني . وان حمد سيشتري كذا وكذا وسيأكل ما لذّ وطاب من اصناف وانواع المأكولات في المدينة ، وهذا طبعا بعد ان يُؤمّن الحاجيات وما يلزم لعائلته طوال السنة .. وبعد ان يشتري ما يلزمه .. يجود على نفسه بقطعة من المشبّك الحلو ليتغزّل بوصف طعمها متى عاد الى بيته وأهله .. ويتفنّن بكيفية التهامه لتلك ـــ البلية الطيبة ــ طول السنة وفي أغلب السهرات .
ذهب طحــــــــــــــــــيمر الى البلد كسائر اهل القرية ليبتاع مستلزمات بيته كالعادة ، وكانت امّه أسمته بهذا الأسم الألمعي لما يحوي من معنى .. فكل حرف له معنى وتاريخ وواقعة .
فلما كانت امه حاملة به وفي ايامها الأخيرة .. وباعتبار ان المرأة في تلك الأزمان كانت اليد العاملة الوحيدة في المجتمع ، ويومها نفد الطحين في البيت فقامت والدته بعد ان ساعدها زوجها بوضع كيس القمح على ظهر الحمار وركبت هي ايضا تلك الآلية وذهبت لوحدها الى الطاحون .
وفي اثناء عودتها من الطاحون .. أتاها المخاض فولدت صاحبنا ولما وصلت الى البيت اسماه والده طحـــــــــــــــيمر اي بما معناه ولدته امه وهي راجعة من الطاحون على ظهر حمار فتأمّل عزيزي القارىْ بعمق معنى هذا الأسم الرائع .
نعم ذهب عزيزنا طحيمر الى المدينة وبعد ان أمّن كل احتياجياته وأكل ما استطاع من الكباب والشقف والعيران .. أحسّ بأوجاع عجيبة وغريبة في احشائه مما دفعته خبرته ان يتناول ما لا يقل عن نصف كغ من الطيب والناهي ـــ المشبّك ـ .
ولكن لم يستطع ان يتخلّص من تلك الأوجاع .. وبالكاد وصل الى عائلته وبيته وقبل ان يصبح عليه الصباح كان افندينا طحيمر قد فارق الحياة نتيجة التخمة الزائدة .
اجتمعت القرية على طحيمر ولم يكن فيها لا جامع ولا حتى رجل دين او شيخا ما ليصلّي عليه على الأقل .. حملوه على على النعش واتّجهوا الى المقبرة وينظروا في وجوه بعضهم البعض حائرين .. لا يعلمون كيف كيف هي المراسم قبل الدفن وهل يجوز دفن طحيمر هكذا ؟؟؟ ام كيف ؟؟
نظروا واذ هناك رجل مسن عليه علامات الوقار والكبر ، وقارنوه بجميعهم فكانت النتيجة انّه أكبرهم سنّا ... عندها طلبوا من العم ـــ حيزان ـــ ان يتولّى مراسم الدفن .
أجال شيخنا ووقورنا حيزان الفكرة في رأسه ولم يعد يعرف كيف يبدأ او من اين ؟؟؟ وهو الذي وصل الى الى هذه السن دون ان يُصلّي مرة واحدة او يدخل الى جامع او يسمع خطبة واحدة على الأقل ... وخانته ذاكرته فلم يعد يذكر اية آيــــــة يبدأ بها مراسم دفن العزيز طحيمر .
ولكن وباعتبار أن القرية بكاملها قد أوكلته هذه المهمّة المعقّدة ... ورأى صمتهم وسكوتهم وهم ينتظرون ما سيقوله ثم يوارونه الثرى .
قطّب علاّمتنا وشيخنا حيزان بين عينيه .. واتّخذ وضعيّة الخطيب ووقف على كومة التراب الذي حفروه من القبر واختلّ توازنه وكاد ان يسقط في الحفرة قبل طحيمر ولكن بعضهم سندوه فلم يقع ... وبعد ان جال نظره بالجموع وعلم انّه أفهمهم وأوسعهم علما وتعمّقا في امور الدين والدنيا ...
اتّجه الى الميت وخاطبه بصوت جهوري واختصر الدين كلّه بكلمات قليلة ... بل بجملة واحدة فقط .. ورفع من وتيرة صوته ليسمع القاصي والداني وقال مخاطبا طحيمر
تــــــــرى يا أخونا طحيــــــــــــــــــمر ان عملت خيرا .... ف وكاد واكيد خيرا ترى .
ولكن لا بالله ان كنت عملت شـــــــر ..... فابشر هناك اكل الخــــــ......
والســــــــــــــــــــــــــلام .
وبعد هذه الخطبة البليــــــــــــــــغة دُفِن طحــــــــــــيمر راضيا مرضيا
حنا خوري- يراع عامل
-
عدد الرسائل : 624
العمر : 79
البلد الأم/الإقامة الحالية : سوريا/ ألمانيا
الشهادة/العمل : متقاعد
تاريخ التسجيل : 01/10/2011
๑۩۩๑ المملكـــــــــــة الأدبيــــــــــــة ๑۩۩๑ :: الأدبيــة العـامـــة :: القصة والحكاية :: حنا خوري
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى