دمـــوع الحـــلاّج /محمد علي شمس الدين
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
دمـــوع الحـــلاّج /محمد علي شمس الدين
دمـــوع الحـــلاّج
محمد علي شمس الدين
«يا نسيم الروض خبّر للرشا . . . لم يزدني الوِردُ إلا عطشا»
(الحلاّج)
1
أعليتُ دموعي
كي تبصرها يا أللهُ
وقلتُ: أعيدُ لك الأمطارْ
فلتنشر غيمكَ حيث تشاء
فإن الغوثَ يعود إليكْ
والحزن يعود إليّ
وأنا
حين ربطتُ الريح بخيمة أوجاعي
جمّعتُ ينابيع الأرض ففاضت من ألمي
هذا ألمي
قُرباني لجمالِكَ، لا تغضب
فأنا لستُ قوياً حتى تنهرني بالموت
يكفي أن ترسلَ في طلبي
نسمةَ صيف فأوافيكْ
وتحرّك أوتار الموسيقى
لأموتَ وأحيا فيك
هذا ألمي
هذا ألمي
خفّف من وقع جمالك فوق فمي
2
»كم دمعةٍ فيكَ لي ما كنتُ أجريها
وليلة لستُ أفنى فيكَ أفنيها«
لكنني وأنا عانٍ ومُنتهبٌ
وحدي على وحشتي أطوي فيافيها
ساءلتُ »بابلَ« عن نار تؤرقها
والأرض تنشر موتاها وتُحييها
فلم تجبني، فلما غابَ شاهدها
أبصرتُ خيط دماها في سواقيها
وجئتُ »بابلَ« محمولاً على خشب
والريحُ تدفع ريحاً في نواصيها
فما رأيت على أبراجها قمراً
ولا سمعتُ أنيساً في مغانيها
3
أرسلتُ غزالاً نحو الشمس لينطحها
وأسلْتُ بكائي في القصبِ
ليس نبيذاً ما يعصره العصّارونَ
ولكن فيض دمي في العنبِ
سأهيم على وجهي أسأل عمّن يسقيني الماءَ
فلا أسمع غير طنين ذباب الأعراب على الكتب
من حولي سبعة أنهار
وبحار تذرعها الحيتانُ
وأذناب يخوت من ذهبِ
وأموت بصحرائي عطشاً.........
شرَدَ العقلُ
وأفلتتِ الكلماتُ
وجُنّ »المتدارَكُ« في »الخَبَبِ«
وسأُقتَلُ
أعلمُ يقتلني الأمراءُ
وأصلب
ما بين اللد ومكة والنقبِ
4
بنيتُ مسجد أوجاعي على جسدي
وطفتُ حوليَ بين الركنِ والحجرِ
إني إمام طواسيني، وخادمُها
وحامل الطائر المذبوح في السفرِ
أبكي عليه وأُبكيهِ وأرسلهُ
كما يسوق غماماً سائقُ المطرِ
5
صليتُ ببغداد صلاة الدمْ
ونثرتُ بغزة أوجاعي
وعبرت الجسر الواصل ما بين الموت وأضلاعي
دمعي أصل الطوفان
وقرباني جسدي
فاقطع إن شئتَ يدي
ستموج الغابة بالأغصانِ
ويعلو للأشجار عويلٌ
حتى يثقبَ سقفَ القبهْ
من لم يعرف وجع الإنسانِ وغربته في الأرضِ
فلن يعرف ربّه.
6
»للناس حجٌّ ولي حجٌّ إلى سكني
تُهدى الأضاحي وأهدي مهجتي ودمي«
يا عابر الجسدِ الصحراء خذ بيدي
وخفّف الوطء إنّ الوطْءَ في ألمي
تمشي وأمشي فهل يدري بنا زمنٌ
ساعاته الرمل والأيام كالعدمِ
يكفي من الأرض شبرٌ أنت حارسهُ
أقمتَ في البيت أم جاورتَ في الحرمِ
تغفو الرمال فأصحو والرمال مدى
جســمي لــها البــيد لكــنّ الهـوى سقمي
7
آخيتُ ما بين القفارِ وغربتي في الأرضِ أضلاعي
على خطين يمتدان من طرفِ الحجازِ إلى الشآمِ
فصرخةِ الرسامِ هذا الخوفُ لي
وأنا الذي حرّكتُ في الشجنِ الروايةَ
وانتدبتُ أصابع الشعراء كي تثبَ
القصيدةُ في فراغ جنونهم كالظبي
ها إني أنامُ على الحديدِ ولا أرى
كيما يُقبّلني القطارُ
8
يا رُبَّ ظبيٍ مشى في التيه مرتحلاً
ألفاً وعامين لم يبرحْ على عجلِ
تبعتُ خطوتَهُ والريح تدفعني
من »بابل« العصر حتى »مكة« الرُسلِ
لكنّ من عبَر الأيامَ شيّبهُ
عشق على الجمر
منسيٌّ على مَهَلِ
إن المحبين يذكي نار لوعتهم
سرٌّ يغور كأصل الدمعِ في المُقلِ
9
... وكأنني، يا ربِّ، قد أبصرتُ شمسكَ
مرةً أخرى مقنّعةً ويحجبها الجرادُ
ولا أرى
وكأنني وجّهتُ وجهي نحو قِبلتكَ
التي عاينتُها
لكنني عبثاً أفتش في الحجاز
عن المجاز وإنني
عاينتُ شمسكَ في »أريحا« وهي
تغطسُ في مياه البحر خائفة
فيندلع الدم النبويُّ في
شفق المغيبِ ولا أرى
هل »يوشعٌ« يُومي
ويرجعها إلى كبد السماءِ
لكي يصلّي؟
يا أُمنا يا شمسُ كيف أصون وجهكِ
من ثقوب عباءة الصحراءِ
كيف أعيدهم للضوء ثانية من
السيف الذي رقصوا به
وأزيل عن »آمونَ«
طُخمته الثقيلةَ
كي يعود إلى السماءِ؟
10
يا غـوث شـمس غياث الله غيثيني
أنا الضعيف كأعناق الرياحينِ
تُلقين في الأرض شمساً غير كابيةٍ
كالبرقِ يشــعل أحشـاءَ البساتينِ
إني رأيت ولي رؤيا مغامرةٌ
نجماً تألق في أقصى شراييني
رؤيا أخاف إذا ما قلتُ سيرتها
من إخوتي أن يخونوا أو يكيدوني
فأكتم حكايتها في القبر يا أبتِ
فالورد ينبض في أصلِ البراكينِ
11
... لكنني أبصرتُ تزهر في قميصك يا »حُسين«
شقائق النعمانِ تطلع من جبينك إبرةُ
الموتِ العميقةُ حرّةً مكسوّةً بدم الحياة
مَن يجعل الأفقَ الضريرَ مورّداً
ويهز أحشاءَ القرى بيديهِ كي
تلد الرياحُ وليدها »المنصورَ« من عُنُقِ
الذبيحةِ تستفيق على مكاشفة
الجبال بعريها
مَن ذا يعيد إلى السهولِ شواردَ الأنهار
يأمرها فتجتمعَ المياهُ على المياه؟
مَن ذا يهز »مقابر الأرقام« حتى ينهضَ
الموتى ويُعرفَ كلّ حيٍّ باسمه؟
مَن ذا هو الرجل الذي ألقى عباءته على »الجبل
الرفيعِ« وأيقظ »المتوسطَ« الغافي
فماج الموجُ
وانكشفت دلافينُ البحارِ؟
مَن ذا هو الرجل الملثم بالنبوءةِ
والمعمّمُ بالنهارِ؟
12
كادت سرائر سرّي أن تبوح بهِ
وكاد خوفي عليهِ لا يسمّيهِ؟
ينأى ويقربُ مجلواً ومستتراً
كالغيبِ أجملُ ما في الغيبِ ما فيهِ
مَن ذا هو الرجلُ العالي ولست أرى
إلا بريق نجومٍ في أعاليهِ؟
يلقي على السهل ظلاً من عباءته
فينبت العشب في أقصى حواشيهِ
يكاد يلمس قلبَ الماء مبسمُهُ
فيهطل الغيثُ إن صلّى بواديهِ
(الجنوب 2000 ـ 2008)
الأبيات بين مزدوجين »« منسوبة للحسين بن منصور الحلاّج.
عن السفير للشاعر محمد علي شمس الدين
العبيدي جو- المديـر العــام
-
عدد الرسائل : 4084
تاريخ التسجيل : 28/08/2008
رد: دمـــوع الحـــلاّج /محمد علي شمس الدين
العبيدى الجميل
لاختيارك البهاء
محبتى وتقديرى لجهدك
محبتى
محمود مغربى
لاختيارك البهاء
محبتى وتقديرى لجهدك
محبتى
محمود مغربى
مواضيع مماثلة
» جـادَكَ الـغيْثُ - لسان الدين بن الخطيب
» الدين الزائف / طاغور
» مصباح علاء الدين
» ما اروع هذا الدين وما اكرم رب العالمين
» ثلاثة رجال الدين... و امرأة عارية
» الدين الزائف / طاغور
» مصباح علاء الدين
» ما اروع هذا الدين وما اكرم رب العالمين
» ثلاثة رجال الدين... و امرأة عارية
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى