اختصار الأزمنة

أنا يزيد عاشور ، أبن الحسكة - أسميها الجزيرة - ولدت هناك وعلمتني الخطوة الأولى والحب الأول والضحكة الأولى .
أودعت ترابها قبور من أحب ، وشقوق جدرانها كل أسراري ، وتعلمت من الخابور الذي مزق عذرية الحقول معنى الفحولة ، سمعت أن هناك من يعبث بصندوق عرسها هذه الأيام ، وسمعت صوتاً من السماء يقول :

عليك البحث عن بوابات جديدة للريح
نوافذ لم تكن مُشرعة قبل الآن
لا ضيرفي اختزال الوقت قبيل الموت
هذا التقاعس في المُضي صوب النهر لن يُجديك نفعاً
لملم غلالك المُبعثرة وأعد للنهر أسماكه
البيادر التي حُصدت لم تكن لك
غادرتك الشمس حتى لو عادت بعد حين
يا فضاءات الوطن ، هناك ضوء وأزهار وحب يكفي الجميع
يا وجع الجزيرة ، كم من الوجوه والأسماء جاءت وغادرت ، وبقايا خطواتهم ما كنّستها الريح
يا جزيرة غامرة أنت بالدهشة والغواية والكآبة والرحيل
شرّع أبوابها للمطر والصبح والتراتيل
لم تكن جاحدة أزقتها ، رغم الحداد والعويل
ياجزيرة الخُبيزة والتفاح ما تعفّر بتربك غير الأصيل
وقت على وقت ، وجع على وجع ، والصبر عيل
يا جزيرة الخير دثري أحبابنا المُسجاة قبورهم بين الرُبى
اغفري هفوات من عبثو بصندوق عرسك
كنا صغاراً ياجزيرتنا
لم نكن ندري أن الذئاب نصف مُغمضة تنام
لم نكن ندري أن الترّبُص على أشُدّه
كنا صغاراً وقد جحدنا بحنوك الفتان
جحدنا بدفئك والشوارع والمدارس والجنان
جحدنا
لم نكن نعلم ياجزيرتنا حين شربنا ماءك كله أن لنا أخوة سيكونون عطشى
لم نكن ندري أن الخطوة التي سنهجرها ، سيجيء من يغرس فيها خُطىً جديدة
لم نسمع نواحك حينها وبك يا جزيرتنا كفرنا
نادمون يا شوارع ، يا كنائس ، يا جوامع ..يا الله..... يا مطر
يأكلنا الندم وتحرق أرواحنا الحسرة
نحن من غادر وكشفنا عوراتك للغرباء
عبثنّا بأوراق - قوجانك - ياجزيرة وتناسينا أنينك المحموم
الحبيبات الصغيرات ورحلات المدرسة والمريولة وأقلام الرصاص والرسوم الغاضبة على الجدران وللصبح متأخر يأتي .....
للقرى المفجوعة باليباس
عبثنا بأسرار انوثتك وإنسلت الحقول حينها من أصابعنا ولم نكترث
الندم شيء حارق
جفاف في الحلق وغصة في الروح ووحشة في الوقت
كنا نبحث عن إختصار الأزمنة
لم نمنحك الوقت الذي تستحقين
وها نحن تُغيبنا المنافي .... يأكلنا الندم
لا حصاد لنا هنا ، وهناك حرقنا المواسم كلها
ضاعت ايامنا هنا ونحن من ضيّعك هناك
هذا ما جنيناه يا جزيرتنا .... وما جنيت على أحد
يزيد عاشور

الاستاذ الجميل العبيدي جو
شكراً لاطراءك الجميل .. أعتز به ، وأعتز أكثر أنك ابن الجزيرة - عرفت ذلك الآن - والله الجزيرة رغم العجاج ما في منها - هي أمنا وعادة ما تكون الأم أجمل النساء
هذه ( فشة خُلق ) بتواضع أهديها لك يا أبن الجزيرة
-ضاعت أيام العمر ... يا جو ضاعت منا السنين
غربتنا الايام والهجر.....
الشوق يقتلنا
ويقتلنا الحنين
أيامك يا جزيريتنا الحلوة نرجعلها ولو بعد ين
شوقنا لشوارعها وبيوتها وحدائقها وناسها الطيبين
للناس والذرة المشوية والجانرك واللوزية والكاس مشتاقين
ذوبت أرواحنا الغربة يا جو.. وبعدنا صابرين
نسأل عن تل تمل .. تل عربوش تل هرمز وراس العين
عن كل ذرة تراب فيها....... عن محاسنها ومفاتنها وعن الحور العين
فتنة عيون البنات والخصر والفستان وحمرة الخدين
للعجور والمقثي والشنشيلو والجبس ع السكين
للموظف الطفران قاعد لاشغلي ولا عملي واذا طلبت منو خدمي يعصب ويسب ويقولك : عف عن ربي ...وراجعنا بعدين
ولك لبيكاب البلدية كل يوم العصر يفطسنا بريحة الدخان منشان يقضوا على البرغش والصراير والذبين
للكبيبات والشاورمة والكباب .. للكبي نيي واللحم وعجين
مشاقين والله مشتاقين
نشف قلبنا من الكورف والشوت بولاروالبيتزا والسردين
آخ على البرغل والفريكي والشوش بوراك واللحمة ع السكين
الله على الحلوي تتبختر ع الرصيف وعيونا تلحقها ونسأل بهبل... لك وين يا حلو .. وين
مشتاقين يا لعبيدي جو.....والله مشتاقين
لشارع المحطة والمسبح وسوق الخضرة والدكاكين
لأبو ريمون وجزيرة السمك والبستان والبيرة والتدخين
للرمان والعنب والتين
للفواكه وريحة الخُضرة و البساتين
للجوري والقرنفل والريحان والياسمين
هيك نصيبنا يا ابن البلد.. نتغرب عن بلدنا .. نعيش محرومين
تقبل تقديري ومحبتي
لك كل الخير