๑۩۩๑ المملكـــــــــــة الأدبيــــــــــــة ๑۩۩๑
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة
صراخ القبور /جبران خليل جبران 600298
إن كنت من أعضاءنا الأكارم يسعدنا أن تقوم بالدخول

وان لم تكن عضوا وترغب في الإنضمام الى اسرتنا
يشرفنا أن تقوم بالتسجيل
صراخ القبور /جبران خليل جبران 980591
العبيدي جو ادارة المملكة الأدبية


انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

๑۩۩๑ المملكـــــــــــة الأدبيــــــــــــة ๑۩۩๑
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة
صراخ القبور /جبران خليل جبران 600298
إن كنت من أعضاءنا الأكارم يسعدنا أن تقوم بالدخول

وان لم تكن عضوا وترغب في الإنضمام الى اسرتنا
يشرفنا أن تقوم بالتسجيل
صراخ القبور /جبران خليل جبران 980591
العبيدي جو ادارة المملكة الأدبية
๑۩۩๑ المملكـــــــــــة الأدبيــــــــــــة ๑۩۩๑
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

صراخ القبور /جبران خليل جبران

اذهب الى الأسفل

صراخ القبور /جبران خليل جبران Empty صراخ القبور /جبران خليل جبران

مُساهمة من طرف حسناء العمري 15/3/2011, 9:34 pm



تربع الامير على منصة القضاء فجلس عقلاء بلاده عن يمينه وشماله وعلى وجوههم المتجعدة تنعكس أوجه الكتب والأسفار. وانتصب الجند حوله ممتشقين السيوف رافعين الرماح. ووقف الناس أمامه بين متفرج أتى به حب الاستطلاع ومترقب ينتظر الحكم في جريمة قريبة وجميعهم قد أحنو رقابهم وخشعو ببصائرهم و أمسكو أنفاسهم كأن في عيني الامير قوة توعز الخوف وتوحي الرغبة الى نفوسهم وقلوبهم. حتى إذا اكتمل المجلس وأزفت ساعة الدينونة رفع الامير يده وصرخ قائلا : احضروا المجرمين أمامي واحدا واحدا وأخبروني بذنوبهم ومعاصيهم ففتح باب السجن وبانت جدرانه المظلمة مثلما تظهر حنجرة الوحش الكاسر عندما يفتح فكيه متثائبا. وتصاعدت من جوانبه قلقلة القيود والسلاسل متآلفة مع أنين الحبساء ونحيبهم. فحول الحاضرون أعينهم وتطاولت أعناقهم كأنهم يريدون مسابقة الشريعة بنواظرهم ليروا فريسة الموت خارجة من أعماق ذلك القبر.

وبعد هنيهة خرج من السجن جنديان يقودان فتى مكتوف الساعدين يتكلم وجهه العابس وملامحه المنتقبضة عن عزة في النفس وقوة في القلب. وأوقفاه وسط المحكمة وتراجعا قليلا الى الوراء. فأحدق به الامير دقيقة ثم سأل قائلا : وما جريمة هذا الرجل المنتصب امامنا برأس مرفوع كأنه في موقف الفخر لا في قبضة الدينونة ، فأجابه رجل من أعوانه قائلا : هو قاتل شرير قد اعترض بالامس قائدا من قواد الامير وجندله صريعا اذ كان ذاهبا بمهمة بين القرى وقد قبض عليه و السيف المغمد بدماء القتيل مازال مشهورا في يده.

فتحرك الامير غضبا فوق عرشه وتطاريت سهام الحنق من عينيه وصرخ بأعلى صوته قائلا : ارجعوه الى الظلمة وأثقلوا جسده بالقيود وعندما يجيئ فجر الغد اضربوا عنقه بحد سيفه ثم اطرحوا جثته في البرية لتجردها العقبان والضواري وتحمل الرياح رائحة نتانها الى أنوف أهله ومحبيه.
أرجعوا الشاب الى السجن والناس يتبعونه بنظرات الأسف والتنهيدات العميقة لأنه كان فتى في ربيع العمر حسن المظهر قوي البنية.

يتبع ..
محبتي
حسناء
صراخ القبور /جبران خليل جبران 6476





عدل سابقا من قبل حسناء العمري في 17/3/2011, 2:19 am عدل 1 مرات
حسناء العمري
حسناء العمري
المشرفـة العامـة
المشرفـة العامـة

انثى
عدد الرسائل : 2439
العمر : 50
البلد الأم/الإقامة الحالية : مملكة الابداع المملكة الأدبية
الشهادة/العمل : موظفة
الهوايات : كتابة الخواطر و الرسم وقراءة الشعر العربي والعالمي
تاريخ التسجيل : 16/05/2009

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

صراخ القبور /جبران خليل جبران Empty رد: صراخ القبور /جبران خليل جبران

مُساهمة من طرف حسناء العمري 17/3/2011, 2:14 am



و خرج الجنديان ثانية من السجن يقودان صبية جميلة الوجه ضعيفة الجسد قد وشح معانيها اصفرارا اليأس والقنوط وغمرت عينيها العبرات وألوت عنقها الندامة والحسرة
فنظر إليها الامير قائلا : وما فعلت هذه الامرأة المهزولة الواقفة أمامنا وقوف الظل بجانب الحقيقة ؟
فأجابه أحد الجنود قائلا هي امرأة عاهرة قد فاجأها بعلها ليلا فوجدها بين ذراعي خليلها فأسلمها للشرطة بعد أن فر أليفها هاربا . فأحدق الأمير بها وهي مطرقة خجلا ثم قال بشدة وقساوة : أرجعوها الى الظلمة ومددوها على فراش من الشوك لعلها تذكر المظجع التي دنسته بعيبها و أسقوها الخل ممزوجا بنقيع العلقم عساها تذكر طعم القبل المحرمة. وعند مجيئ الفجر جروها عارية الى خارج المدينة وأرجموها بالحجارة واتركو جسدها هناك لكي تتنعم بلحماته الذئاب وتنخر عظامه الديدان والحشرات.
توارت الصبية بظلمة السجن والحاضرون ينظرون اليها بين معجب بعدل الامير ومتأسف على جمال وجهها الكئيب ورقة نظراتها المحزنة

وظهر الجنديان ثالثة يقودان كهلا ضعيفا يسحب ركبته المرتعشتين كأنهما خرقتان من أطراف ثوبه البالي ويلتفت جزعا الى كل ناحية ومن نظراته الموجعة تنبعث خيالات البؤس والفقر والتعاسة.
فالتفت الامير نحوه وقال بلهجة الاشمئزاز وما ذنب هذا القذر كالميت بين الاحياء. فأجابه أحد الجنود قائلا هو لص سارق قد دخل الدير ليلا فقبض عليه الرهبان الاتقياء ووجدوا طي أثوابه آنية مذابحهم المقدسة .
فنظر إليه الامير نظرة النسر الجائع الى عصفور مكسور الجناحين وصرخ قائلا : أنزلوه الى أعماق الظلمة وكبلوه بالحديد وعند مجيئ الفجر جروه الى شجرة عالية واشنقوه بحبل من الكتان واتركوه جسده معلقا بين الارض والسماء فتنثر العناصر أصابعه الأثيمة نثرا وتذري الرياح أعضاءه نتفا.
أرجعو اللص الى السجن والناس يهمسون بعضهم في آذان بعض قائلين : كيف هذا الضعيف الكافر على اختلاس آنية الدير المقدسة.
ونزل الأمير عن كرسي القضاء فاتبعه العقلاء والمتشرعون وسار الجند خلفه وأمامه وتبدد شمل المتفرجين وخلا ذلك المكان إلا من عويل المسجونين وزفرات القانطين المتمايلة كالخيلات على الجدران .

يتبع ..
محبتي
حسناء
صراخ القبور /جبران خليل جبران 3d89045c51


حسناء العمري
حسناء العمري
المشرفـة العامـة
المشرفـة العامـة

انثى
عدد الرسائل : 2439
العمر : 50
البلد الأم/الإقامة الحالية : مملكة الابداع المملكة الأدبية
الشهادة/العمل : موظفة
الهوايات : كتابة الخواطر و الرسم وقراءة الشعر العربي والعالمي
تاريخ التسجيل : 16/05/2009

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

صراخ القبور /جبران خليل جبران Empty رد: صراخ القبور /جبران خليل جبران

مُساهمة من طرف حسناء العمري 1/4/2011, 3:48 pm




جرى كل ذلك و أنا واقف هناك وقوف المرآة أمام الاشباح السائرة مفكرا بالشرائح التي وضعها البشر للبشر، متأملا بما يحسه عدلا ، متعمقا بأسرار الحياة باحثا عن معنى الكيان.
حتى إذا ما تضعضعت أفكاري مثلما تتوارى خطوط الشفق بالضباب. خرجت من ذلك المكان قائلا لذاتي الاعشاب تمتص الثراب، والخروف يلتهم الاعشاب، و الذئب يفترس الخروف، ووحيد القرن يقتل الذئب، و الاسد يصيد وحيد القرن، والموت يفني الاسد.
فهل توجد قوة تتغلب على الموت فتجعل سلسلة هذه المظالم عدلا سرمديا. أتوجد قوة تقبض بكفها على جميع عناصر الحياة و تضمها الى ذاتها مبتسمة مثلما يرجع البحر جميع السواقي الى أعماقه مترنما؟ أتوجد قوة توقف القاتل و المقتول و الزانية وخليلها و السارق و المسروق منه أمام محكمة اسمى و أعلى من محكمة الامير.

و في اليوم التالي خرجت من المدينة و سرت عن الحقول حيث تبيح للنفس ما تسره للنفس، و يميت طهر الفضاء جراثم اليأس و القنوط التي تولدها الشوارع الضيقة و المنازل العظمة. ولما بلغت طرف الوادي ألتفت فإذا بأجواق كثيرة من العقبان و الغربان و النسور تتطاير ثارة و تهبط طورا و قد ملأت الفضاء بنعابها و صفيرها وحفيف أجنحتها. فتقدمت قليلا مستطلعا فرأيت أمامي جثة رجل معلقة على شجرة عالية وجثة امرأة عارية مطروحة على الحجارة التي رجمت بها وجثة فتى غارقة بالدماء المجبولة بالثراب و قد فصل رأسها عنها. ووقفت وهول المشهد يغشي بصيرتي بنقاب كثيف مظلم و نظرت فلم أرى سوى خيال الموت المريع منتصبا من الجثت الملطخة بالدماء. و أصغيت فلم أسمع غير عويل العدم ممزوجا بنعاب الغربان الجاثمة حول فريسة شرائح البشر.


يتبع...
مودتي
حسناء

صراخ القبور /جبران خليل جبران 23-96


حسناء العمري
حسناء العمري
المشرفـة العامـة
المشرفـة العامـة

انثى
عدد الرسائل : 2439
العمر : 50
البلد الأم/الإقامة الحالية : مملكة الابداع المملكة الأدبية
الشهادة/العمل : موظفة
الهوايات : كتابة الخواطر و الرسم وقراءة الشعر العربي والعالمي
تاريخ التسجيل : 16/05/2009

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

صراخ القبور /جبران خليل جبران Empty رد: صراخ القبور /جبران خليل جبران

مُساهمة من طرف حسناء العمري 13/4/2011, 4:46 pm



ثلاثة من أبناء آدم كانو بالامس على أحضان الحياة فاصبحو اليوم في قبضة الموت.
ثلاثة أساؤا بعرف البشر الى الناموس فمدت الشريعة العمياء يدها وسحقتهم بقساوة.
ثلاثة جعلهم الجهل مجرمين لانهم ضعفاء فجعلتهم الشريعة امواتا لانها قوية
رجل فتك برجل آخر فقال الناس هذا قاتل ظالم وعندما فتك به الامير قال الناس هذا امير عادل.
ورجل حاول أن يسلب الدير فقال الناس هذا لص شرير وعندما سلبه الامير حياته قالو هذا أمير فاضل.
و امرأة خانت بعلها فقال الناس هي زانية عاهرة و لكن عندما سيرها الامير عارية و رجمها على رؤوس الاشهاد وقالو هذا أمير شريف
سفك الدماء محرم و لكن من حلله الامير؟
سلب الاموال جريمة و لكن من جعل سلب الارواح فضيلة؟
خيانة النساء قبيحة و لكن من صير رجم الاجساد جميلا؟


أتقابل الشر بالشر أعضم و تقول هذه هي الشريعة. وتقاتل الفساد بفساد أعم و نهتف هذا هو الناموس. و نغالب الجريمة بجريمة أكبر و نصرخ هذا هو العدل ؟
أما صرع الامير عدوا في غابر حياته؟ اما سلب مالا و عقارا من أحد تابعيه الضعفاء؟ أما راود امراة جميلة عن نفسها؟ هل كان معصوما من هذه المحرمات فجاز له إعدام القاتل و شنق السارق و رجم الزانية؟
ومن هم الذين رفعوا هذا اللص على الشجرة؟ أملائكة نزلوا من السماء ام رجال يغتصبون و يسرقون كل ما تصل اليه ايديهم؟ ومن قطع رأس هذا القاتل؟ أأنبياء هبطوا من العلاء أم جنود يقتلون و يسفكون الدماء أينما حلو؟
ومن رجم هذه الزانية؟ أنساك طاهرون أتو من صوامعهم أم بشر يأتون المنكرات ويفعلون الرذائل مختبئن بستائر الظلام؟
الشريعة وما هي الشريعة؟ من رآها نازلة من نور الشمس من أعماق السماء؟ و أي بشر رأى قلب الله فعلم مشيئته في البشر.و في أي جيل من الاجيال بار الملائكة بين الناس قائلين " احرمو الضعفاء نور الحياة. وأقنو الساقطين بحد السيف. ودوسو الخطأة بأقدام من حديد"


يتبع...
مودتي
حسناء
صراخ القبور /جبران خليل جبران 3d89045c51

حسناء العمري
حسناء العمري
المشرفـة العامـة
المشرفـة العامـة

انثى
عدد الرسائل : 2439
العمر : 50
البلد الأم/الإقامة الحالية : مملكة الابداع المملكة الأدبية
الشهادة/العمل : موظفة
الهوايات : كتابة الخواطر و الرسم وقراءة الشعر العربي والعالمي
تاريخ التسجيل : 16/05/2009

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

صراخ القبور /جبران خليل جبران Empty رد: صراخ القبور /جبران خليل جبران

مُساهمة من طرف حسناء العمري 14/4/2011, 6:49 pm




وظلت هذه الافكار تزاحم على فكرتي و تتساهم عواطفي حتى سمعت وطء أقدام قريبة مني فنظرت و إذ بصبية قد ظهرت بين الاشجار و اقتربت من الجثت التلاثة متحذرة متلفتة بخوف الى كل ناحية.حتى إذا ما رأت رأس الفتى المقطوع صرخت جزعا وركعت بجانبه و طوقته بزنديها المرتجفتين ، و أخذت تستفرغ الدموع من عينيها، وتلامس شعره الجعدي بأطراف أصابعها وتنتحب بصوت عميق جارح من صميم الكبد، ولما أنهكها البكاء و غلبتها الحسرات، أسرعت تحفر الثراب بيديها حتى إذا ما حفرت قبرا وسيعا وجرت اليه الفتى المصروع ومددته على مهل موجع ووضعت رأسه المضرج بالدماء عن كتفيه وبعد ان غمرته بالتراب غرست نصل السيف الذي قطع عنقه على قبره واذا همت بالانصراف تقدمت نحوها فاجفلت و ارتعشت خوفا ثم اطرقت والدمع السخين يتساقط كالمطر من مقلتيها وقالت متنهدة: اشكني الى الامير إن شئت فخير لي ان اموت والحق بمن خلصني من قبضته العار من ان أترك جسده طعاما لقشاعم الطير والوحوش و الكواسر. فاجبتها قائلا لا تخافي مني ايتها المسكينة فانا قد ندبت حظ فتاك بل خبريني كيف انقدك من قبضة العار
فقالت والغصص تقطع صوتها : جاء قائد الامير الى حقولنا ليتقاضى الضرائب و يجمع الجزية و لما رآني نظر الى نظرة استحسان مخيفة ثم فرض ظريبة باهضة على حقل والدي الفقير يعجز الغني من دفعها فقبض علي ليقتادني قهرا الى صرح الامير بدلا من الذهب فاسترحمته بدموعي فلم يجفل و و استحلفته بشيخوخة والدي فلم يرحم فصرخت مستغيثة برجال القرية فجاء هذا الشاب وهو خطيبي وخلصني من بين يديه القاسيتين فاستشاط غضبا وهمّ و أن يفتك به فسبقه الشاب وامتشق سيفا قديما معلقا على الحائط وصرعه به مدافعا عن حياته و عن عرضي، ولكبر نفسه لم يفر هاربا كالقتلة المجرمين بل لبث واقفا بقرب جثة القائد الظلوم حتى جاء الجند وساقوه الى السجن مكبلا بالقيود
قالت هذا ونظرت الى نظرة تذيب الفؤاد وتثير الشجون وولت مسرعة و رنات صوتها الموجعة تولد بين تموجات الاثير الهتزازا وارتعاشا.

يتبع...
مودتي
حسناء
صراخ القبور /جبران خليل جبران 3d89045c51

حسناء العمري
حسناء العمري
المشرفـة العامـة
المشرفـة العامـة

انثى
عدد الرسائل : 2439
العمر : 50
البلد الأم/الإقامة الحالية : مملكة الابداع المملكة الأدبية
الشهادة/العمل : موظفة
الهوايات : كتابة الخواطر و الرسم وقراءة الشعر العربي والعالمي
تاريخ التسجيل : 16/05/2009

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

صراخ القبور /جبران خليل جبران Empty رد: صراخ القبور /جبران خليل جبران

مُساهمة من طرف حسناء العمري 3/5/2011, 12:40 am





وبعد هنيهة،نظرت فرأيت فتى في ربيع العمر يتقدم ساترا وجهه بأثوابه حتى اذا ما بلغ جثة المراة الزانية وقف بقربها وخلع عباءته وستر بها أعضاءها العارية وأخد يحفر الارض بخنجر كان معه ثم حملها بهدوء وواراها الثراب ساكبا مع كل حفنة قطرة من أجفانه. ولما انتهى من عمله جنى بعض الزهور الثابتة هناك ووضعها على القبر منحي الرأس منخفض الطرف. وإذا هم بالذهاب أوقفته قائلا : ما نسبة هذه المراة الساقطة إليك حتى سعيت مخالف إرادة الامير ومخاطرا بحياتك لكي تحمي جسدها المرضوض من طيور السماء الجوارح.
فنظر إلي و أجفانه المقرحة من البكاء و السهر تتكلم عن شدة حزنه ولوعته وبصوت مخنوق ترافقه التنهيدات الأليمة قال : انا هو ذلك الرجل التعس الذي رجمت من اجله – أحببتها وأحبتني منذ كنا صغيرين نلعب بين المناز .نمونا ونما الحب معنا حتى صار سيدا قويا نخدمه بعواطف قلبينا فيستميلنا إليه ونهابه بسرائر روحينا فيضما الى صدره.
ففي يوم كنت غائبا عن المدينة زوجها والدها كرها من رجل تكرهه ولما رجعت و سمعت بالخبر تحولت أيامي الى ليل طويل حالك وصارت حياتي نزاعا مرا متواصلا و بقيت أصارع عواطفي وأغالب ميول نفسي حتى تغلبت علي وقادتني مثلما يقود البصير ضريرا أعمى، فذهبت الى حبيبتي سرا وأقصى مرامي أن أرى نور عينيها وأسمع نغمة صوتها فوجدتها منفردة تندب حظها وترثي ايامها فجلست و السكينة حديثنا والعفاف ثالثنا و لم تمر ساعة حتى دخل زوجها ولما رآني أوعزت اليه نياته القذرة فقبض على عنقها الاملس بكفيه القاسيتين وصرخ بأعلى صوته : تعالوا انظروا الزانية وعشيقها، فهرول الجيران ثم جاء الجند مستطلعين الخبر فاسلمها الى ايديهم الخشنة فاقتادوها محلولة الشعر ممزقة الاثواب أما أنا فلم يمسني أحد بضرر لان الشريعة العمياء والتقاليد الفاسدة تعاقب المرأة إذا سقطت اما الرجل فتسامحه.

وعاد الشاب نحو المدينة ساترا وجهه باثوابه ولبثت انا ناظرا متأملا متنهدا وجثة اللص المشنوق ترتجف قليلا كلما هز الهواء أغصان الشجرة كأنها تسترحم بحراكها أرواح الفضاء لتهبط وتمددها على صدر الارض بجانب قتيل المروءة و شهيدة الحب


صراخ القبور /جبران خليل جبران E-73aabf10c8577c6a9c4dd24f89285f00


يتبع ..
مع خالص الحب
حسناء
حسناء العمري
حسناء العمري
المشرفـة العامـة
المشرفـة العامـة

انثى
عدد الرسائل : 2439
العمر : 50
البلد الأم/الإقامة الحالية : مملكة الابداع المملكة الأدبية
الشهادة/العمل : موظفة
الهوايات : كتابة الخواطر و الرسم وقراءة الشعر العربي والعالمي
تاريخ التسجيل : 16/05/2009

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

صراخ القبور /جبران خليل جبران Empty رد: صراخ القبور /جبران خليل جبران

مُساهمة من طرف حسناء العمري 3/5/2011, 4:13 pm



وبعد ساعة ظهرت امراة ضعيفة الجسم ترتدي خرقا بالية ووقفت بقرب ال المشنوق تفرغ صدرها باكية ثم تسلقت الشجرة و قطمت حبل الكتان بأسنانها فسقط الميت على الارض سقوط الثوب البليل فنزلت المراة وحفرت قبرا بجانب القبرين ووضعته فيه وبعد أن غمرته بالتراب أخذت قطعين من الخشب وصنعت منهما صليبا وغرسته فوق رأسه, ولما تحولت نحو الوجهة التي جاءت منها. اوقفتها قائلا:
(ما غرّك أيتها المرأة فجئت تدفنين لصا سارقا) فنظرت إلي بعينين غارقتين مكحولتين بأشباح الكآبة والشقاء وقالت ( هو زوجي الصالح ورفيقي الحنون ووالد اطفالي. خمسة اطفال يتضورون جوعا اكبرهم في الثامنة وأصغرهم رضيعا لم يفطم .. لم يكن زوجي لصا بل كان زارعا يفلح أرض الدير ويتغلها ولا يحصل من الرهبان إلا على رغيف نتقاسمه عن المساء ولا تبقى منه لقمة الى الصباح. مذ كان فتى وهو يسقي بعرق جبينه حقول الدير ويزرع عزم ساعديه في بساتينه ولما ضعف واتهبت اعوام العمل قواه وراودت الامراض جسمه. أبعدوه قائلين (لم يعد الدير محتاجا إليك اذهب الآن وعندما يشب أبناؤك ابعثهم إلينا لكي ياخذو مكانك في الحقل) فبكى وأبكاني واسترحمهم بأسم يسوع واستحلفهم بالملائكة والقديسين فلم يرحموه ولم يشفقو عليه وعليّ وعلى صغارنا العراة الجائعين.
فذهب يطلب عملا في المدينة وعاد مطرودا لان سكان تلك القصور لا يستخدمون إلا الفتيان الأقوياء. ثم جلس على قارعة الطريق مستعطيا فلم يحسن الناس إليه بل كانو يمرون به قائلين ( الصدقة لا تجوز على مغلوب التواني والكسل)
ففي ليلة وقد برح العوز بنا حتى صار اطفالنا يتلوون جوعا على الثراب والرضيع بينهم يمص ثدي ولا يجد لبنا تغيرت ملامح زوجي وذهب مستترا بالظلام ودخل قبوا من أقبية الدير حيث يخزن الرهبان غلة الحقول وخمر الكروم وحمل زنبيلا من الدقيق على ظهره وهم بالرجوع إلينا لكنه لم يسر بضعة خطوات حتى استيقظ القسس من رقادهم وقبضوا عليه و أوسعوه ضربا وشتما و عندما جاء الصباح أسلموه إلى الجند قائلين ( هو لص شرير جاء ليسرق آنية الدير الذهبية) فاقتاده الجند الى السجن ثم الى المشنقة ليملأوا اجواف العقبان من جسده لانه حاول ان يملأ أجواف صغاره الجياع من فضلات الغلة التي جناها باتعابه إذ كان خادما للدير)
وذهبت المراة الفقيرة ولكلامها المتقطع أشباح محزنة تتصاعد وتتسارع الى كل ناحية كأنها اعمدة من الدخان يتلاعب بها الهواء


ووقفت بين القبور الثلاثة وقفة مؤبن ارتج عليه وانعقد لسانه لوعة فانسكب دمعه متكلما عن عواطفه وحاولت الالتفكر و التأمل فعصتني نفسي لأن التنفس كالزهرة تضم أوراقها امام الظلمة ولا تعطى أنفاسها لخيالات الليل.
وقفت ومن دقائق تراب تلك القبور ينبثق صراخ التظلم انبثاق الضباب من خلايا الاودية ويتموج حول مسامعي لبوحي إلى الكلام
وقفت ساكنا ولو فهم الناس ما تقوله السكينة لكانو أقرب الى الآلهة منهم الى كواسر الغاب
وقفت متنهدا ولو لامست شعلات تنهيداتي أشجار ذلك الحقل لتحركت وتركت اماكنها وزحفت كتائب كتائب وحاربت بقضبانها الامير وجنوده وهدمت بجذوعها جدران الدير على رؤوس رهبانه


وقفت ناظرا ومع نظراتي تنسكب حلاوة الشفقة ومرارة الحزن على جوانب تلك القبور الجديدة – قبر دافع بحياته عن شرف عذراء ضعيفة وأنقذها من بين أظافر ذئب كاسر فقطعو عنقه جزاء شجاعته. وقد اغمدت تلك الصبية سيفه بتراب قبره ليبقى هناك رمزا يتكلم امام وجه الشمس عن مصير الرجولة في دولة الحيف والغباوة- وقبر صبية لا مس الحب نفسها قبل ان تغتصب المطامع جسدها فرجمت لان قلبها أبى إلا أن يكون أمينا حتى الموت. وقد وضع حبيبها باقة من زهور الحقل فوق جسدها الهامد لتتكلم بذبولها وفنائها البطيئ عن مصير النفوس التي يقدسها الحب بين قوم أعمدتهم المادة واخرسهم الجهل- وقبر فقير يائس أوهت ساعديه حقول الدير فطرده الرهبان ليستعيضوا عنها بسواعد غيره. فطلب الخبز لصغاره بالعمل فم يجده. ثم رجاه بالتسول فلم ينله. وعندما دفعه اليأس إلى استرجاع قليل من الغلة التي جمعها باتعابه وعرق جبينه قبضوا عليه وفتكوا به وقد وضعت أرملته صليبا على قبره ليستشهد من سكينة الليل نجوم السماء على ظلم رهبان يحولون تعاليم النصارى إلى سيوف يقطعون بها الرقاب ويمزقون بحدودها السنينة اجساد المساكين و الضعفاء
وتوارت الشمس إذ ذاك وراء الشفق كأنها ملت متاعب البشر وكرهت ظلمهم. وابتدأ المساء يحيك من خيوط الظل والسكون نقابا دقيقا يلقيه على جسد الطبيعة
فرفعت عيني الى العلاء وبسطت يدي نحو القبور وماعليها من الرموز وصرخت باعلى صوتي (هذا هو سيفك أيتها الشجاعة فقد أغمد بالتراب. وهذه هي زهورك أيا الحب فقد لفحتها النيران. وهذا هو صليبك يا يسوع الناصري فقد غمرته ظلمة الليل).


( انتهت )

صراخ القبور /جبران خليل جبران E-b172c3c56299c9587b49d472d0352e33

مع خالص الحب
حسناء



حسناء العمري
حسناء العمري
المشرفـة العامـة
المشرفـة العامـة

انثى
عدد الرسائل : 2439
العمر : 50
البلد الأم/الإقامة الحالية : مملكة الابداع المملكة الأدبية
الشهادة/العمل : موظفة
الهوايات : كتابة الخواطر و الرسم وقراءة الشعر العربي والعالمي
تاريخ التسجيل : 16/05/2009

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى