ضفائر الغابة : ومضات ساطعة
4 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
ضفائر الغابة : ومضات ساطعة
قراءة في مجموعة قصص قصيرة جدا
(ضفائر الغابة ) ومضات ناطقة بالتنديد
لواقع ينضح سوءا
صدر للقاص المغربي المميز( محمد فاهي) مجموعته القصصية القصيرة جدا ( ضفائر الغابة)
عن منشورات أزمنة / عمان الأردن ، تتضمن ثلاثا وستين قصة قصيرة جدا ، في سبع وسبعين صفحة ، والأخ محمد فاهي من الكتاب المغاربة المشهورين ، الذين استطاعوا ان يؤسسوا لهم بصمة قصصية ملموسة في هذا الفن الصعب جدا ، والعسير على الانقياد لإرادة المسّّير ، حيث التركيز والتكثيف والحذف والرمز ، وقول الأشياء الكثيرة في كلمات قصار ، قصصه ومضات ساحرة، تستهوي القراء، وتدفعهم إلى إمعان النظر في واقعنا المأزوم ، القدرة على انتقاء الألفاظ تتجلى واضحة ، في قصص المجموعة ، التي تجمع بين القصيدة النثرية والسرد ، بأسلوب فريد ممتع ، ، ففي قصة ( حجر على الطريق) يكثر الرمز لأطفال تعساء لا يملكون القدرة على استعمال المحفظة ، ويستعيضون بالكيس ، يملؤهم الخوف من ترقب خروج كلب ، ويمضي العمر والأطفال يتلفتون، تشدهم حبال سميكة ، لا قدرة لهم باجتيازها ، قضبان لا مرئية ، وسجون داخل نفس الإنسان وخارجها والحجر الذي وضعوه بأنفسهم في الطريق ، ينظر إليهم بشزر ، حائلا بينهم وبين ما يبتغونه من جمال ، وكأنه الشوك يعترض ورود الحياة:
في الطريق الى المدرسة كنت أضع حجرا وأقول :
عندما أعود مساء، سوف أتذكر ان طفلا مر من هنا ، يحمل كيسا عوض محفظة، يلتفت يمينا وشمالا خوفا من كلب يخرج من جهة ما ، لكنه عندما يؤوب والظلام قد أخذ يمسح معالم الجبال القريبة يقول للحجر:
آه
أيها الحجر
أنت الذي
في اليوم الأخير ، يمر على الحجر المنتصب عنوة، يتوقف عنده قليلا، يشعر كأنما ينظر إليه بشزر
فيمضي متلفتا
متلكئا كأنه مشدود بحبل
يمضي بعيدا في العمر
يضع هذه القصة ويقول.......
في قصة ( ضفائر الغابة) التي اختار القاص عنوانها للمجموعة ، تطالعنا قصة متنوعة الدلالات ، لها أكثر من تفسير ، تختلف القراءات في شأنها ، لأي شيء ترمز الطيور ؟ و دائخة أيضا ؟ ولماذا لم يربح احد الثلاثة الرهان ؟ وما نوع الطائرة التي كانت تغير على الحقول ؟ وبأمر من كانت تطير ؟ لتحاذي هامات القطن ؟
جمعنا الطيور الدائخة وقتلناها ضفائر للغابة
تراهنا على ثلاثة:
إما إنها حزينة
إما إنها في عيد
وإما إنها ستزف وهي بعد صغيرة.
البيت الصغير الذي يلوح من الغابة قصدناه ، وجدنا حلقة الأصحاب ، يتندرون.
قال ( كلاص) لصديقه :
- راسك مثل رأس حمار في حقل ، هارب من طيارة.
ضحكنا واتجهنا إلى الحقل.
كانت الطائرة تستدير بعيدا ، تنعطف فجأة ، ثم تغير على هامات الحقول وقد بدا حجمها أكبر ، وراءها خيط كبير ، عندما تحاذي هامات القطن ، تغطس أكثر وتسكت عن الهدير.
لم يربح احدنا الرهان ، لكننا ركبنا طائرات من قصب ، وصرنا نعدو وكأننا نطير
في قصة ( لا تكن نسرا) رمز من يقضي العمر كله، مناضلا يجمع الرزق ، ويبني المستقبل لبنة بعد لبنة ، يسير بتأن يثير الإعجاب ، من ثقة بالنفس متمكنة ، ومن دراية كبيرة في صنع الحياة ، فلا تكن نسرا تعتدي على الحيوات الأخرى، وتسلب منها ما بقيت تكافح من اجله، كفاح الأبطال وتستمر في نضالها الطويل ، حتى وان اعترضت طريقها الصعوبات :
انظر فقط
كيف
ت
ل
ت
ق
ط
حمامة
حبة وراء حبة وراء حبة....
ورا.....ح.........اّ...... ب
وفي قصة ( سندباد) يستخدم القاص الرمز بمهارة ، لتغير صنوف العيش ، ومواجهة الصعاب ، وتبدل الرفاق وتشتت المجتمعات ، فما الذي واجهته مجموعة الأربعة أشخاص ، هل رمز بهم للأسرة ؟ أب وأم وطفلان ؟ يواجهون مفترق الطرق ، وكل منهم يسير الى وجهة ،تختلف عن وجهة صاحبه ، وهكذا الحياة ، لا تستقيم على امر واحد ، ومن العسير جدا أن يظل المتفقون على اتفاقهم ، والقصة تتضمن الكثير من الدلالات
ماذا حدث
أيها السندباد
في مفترق
الطرق
حيث كنتم أربعة
طفل
طفلة
امرأة
وأنت ؟
في قصة ( احمر واسود): تتجلى رغبة الإنسان ان يكون حرا مستقلا ، غير خاضع لأحد ، يمثل نفسه ، لا يسعى الى الهيمنة على أشخاص معينين ، وسلبهم حرياتهم ، كما انه لايود ان يكون تابعا للآخرين ، متحدثا باسمهم ، والرغبة ان تكون حرا وتحترم حرية الآخرين أيضا، وان بدت أمر يسيرا، إلا انه صعب التحقق كثيرا، في مجتمعاتنا التي اعتادت، على نوعين من الناس، إما خاضعا للأخر وناطقا عنه ، او مسيطرا على الآخرين سالبا منهم إرادتهم ، وهؤلاء الأحرار المنادون بالحرية، لهم ولغيرهم كثيرا ما تعرضوا للاضطهاد ،لأنهم يبدون غامضين ، في أغلب الأوقات ، شجعانا يدافعون عن وجهات نظرهم بالعيش المستقل:
مرة أخرى
أشاطرك الهجوم علي.
برمح السياسة من قبل.
وبسم اللسان من بعد.
ولا ذنب لي.
سوى إنني لم أكن عبدك.
ولن أصبح سيدك.
أما دمي.
فسألعقه بلساني
كي لا يقطر قلمي
بالحبر الأسود وحده
فانظر أين أنت
بعد أن ينجلي الغبار
في قصة ( مقايضة) تتضح بصورة جلية، رغبة الإنسان ان يكون نفسه ، وليس شخصا آخر ، فهو مستعد أن يدفع كل شيء، من اجل ان يحافظ على استقلاليته ورغبته ان يكون وحيدا، في الوقت الذي يريد ، في عالم يعيش فيه الكثيرون ، فاقدين لشروط العيش الكريم والاستقلال بالرأي وقول ما نعتقد، انه الحق دون ان تعترض طريقنا الصعوبات ، او يضع احدهم الأحجار ، المادية والمعنوية ، للحيلولة دون تحقيق ذواتنا وتمثيل أنفسنا ، رغم أن محاولاتنا الكثيرة تقابل أحيانا، بعواء الذئاب حين يجدون أنفسهم عاجزين عن إخضاعنا لسلطاتهم مهما فعلوا:
بعد صبر طويل، وقف عليه وقال :
كم تريد
كي لا تنبح
على وحدتي.......
فترديني غريبا
يا شبيه
كلب الخيمة ؟
أجابه بضحكة ساخرة
مثل عواء ذئب
في قصة ( وحدة) تبدو الرغبة واضحة في ان يكون الإنسان نفسه ، فهو مستعد أن يموت ،على ان يعيش بين ذئاب لا يحترمون آدميته ، ويتوقع منهم أن ينهشوا لحمه ، ويقضوا على وحدته ، ورغبته ان يكون إنسانا يعيش وحيدا، على ان يكون مجرد ذئب فاقد الهوية والمضمون
والقصة تمثل مطاردة بين إنسان، يحرص كل الحرص على الحفاظ على إنسانيته ، وبين مجموعة من المخلوقات، تأبى ان يظل احدها مختلفا عنهم،
تجري وراءه محاولة النيل من إصراره ، ولكن محاولاتها تذهب عبثا، أمام إرادته القوية ، فهو يصرخ والإعياء مسيطر عليه، ان الأفضل له ان يموت غريبا ، على أن يهرس بأنيابهم المفترسة:
كان هاربا ، وهم وراءه
صاح من أعلى التل ، وهو يكاد يسقط من الإعياء :
أموت
وليس بينكم
تنهشون
وحدتي
....... بأنيا
......... بكم
في قصة ( غابة أحلام) تستحيل الأحلام العريضة، الى حيوانات ذات قرون تنخس الناس جهة الكلية ، وتتضح لنا الحياة رهيبة ، تحكم على أناسها بموت الأحلام، واستحالة ان يكون الواقع، اقل سوءا مما نعيشه ، حتى ان أخذنا ممحاة، ومسحنا مالا نريده ، راسمين ما نحب من الأشياء الوردية الجميلة:
أخذ ممحاة كبيرة
محا السيارة وراكبها
عوض السيارة رسم غابة ، وعوض الراكب رسم حيونا
حدق طويلا
حيوان يتقدم الى غابة أحلامه ، أحس بقرنه ينخسه جهة الكلية.....
أفاق.....
كانت مرآة السيارة تدفعه في بطنه.
المهاجر سمع كل السباب ونعوت الحيوانات، رغم الأغنية الصاخبة المنبعثة من سيارته في الساحة المكتظة
في قصة ( انتظار) يتبين ذلك الانتظار الرهيب ،الذي نحيا جميعا خاضعين له ، كل حياتنا انتظار ، لأشياء عديدة ، بعضها يتحقق لنا ونكتشف أن انتظارنا له كان ناجحا ، وأكثر الأمور لا يمكن تحققها في حياة عدمية ، تظل عابسة في وجه بني البشر ، ويبقى الانتظار ذا سطوة كبيرة ، لا قبل للناس جميعا بالتخلص منه ، فمن ينقذ الأطفال المسجونين في غرفة الصف من قسوة بعض الأساتذة ، ومن يمكن ان يحقق للمرء تلك الأماني البسيطة ، التي تراوده باستمرار؟ ، وكيف يمكن ان نخلق جمال الحياة دون انتظار شروق الشمس، ومجيء الصباح و موعد الغروب؟ ومجيء سيارة قادمة من بعيد ، تحمل معها الحبيب المنتظر، أو تحقق بعض الطموحات:
انتظر أن تدق
أن يرن الهاتف
أن يتدافع الأولاد متسابقين
انتظرت الغنم أن يصفر الراعي
انتظر الراعي أن تأذن الشمس
انتظرت الخيمة ان تشتعل النار
وانتظرت هي بين المضارب
أن ينكشف نور
نور سيارة
يأتي من بعيد
كل شيء يتحدث بهذه القصص الجميلة ، الأحجار والجبال والعمارة تتحدث ( وبلسان سكانها )عن متاعبها الكثيرة ، وتستمع الى ما يدور من قصص، تأتيها من وراء البحار وتنام مطمئنة في الليل حتى إذا ما حل الصباح، تعثرت بالكلاب الضالة والعربات اليدوية، في هذه القصة الجميلة ، التي تتكرر حوادثها ، باستمرار في مدننا ، نستمع الى ذلك الحديث:
في الليل تفتح العمارة آذانها المقعرة.
تسمع قصة سعيدة تأتيها من وراء البحار
وتنام
في الصباح تتعثر بعربات يدوية وبعض الكلاب الضالة
تقف في رتل طويل أمام مخبزة ( محماد)
تلعن في سرها ( بالفرنسية) اختلالا في الصف
في اليقظة ترى نباشا يغتصبها ، كان قد وصل باكرا إلى صندوق القمامة
بسرعة أخذ يعزل القنينات الفارغة والعلب.....
احتفظ بثياب داخلية....... مزق أخرى ، لاعنا في نفسه( بدارجة خشنة)
تتواصل قصص الشباب المقهورين ، الذين لم يعيشوا حيواتهم ، وذاقوا المرارة حتى الثمالة ، وانطوت أيامهم ، يابسة جافة ، قد هجرها ينبوع الحياة ، في ( أبواب) نجد الرغبة العارمة في حياة طبيعية ، سرعان ما تندثر من شدة ما تواجه من انكسارات :
أمسى ينتبه الى قلبه المفتوح مثل ترعة كبيرة
عبرت منه كثيرات وكأنهن سائرات في النوم
عندما سمع طرقات على قلبه
وهي تدق بأصابعه المترقرقة
كان قد أغلق الباب
من الداخل جاء صوته المتعب:
- ( ما كاين حد).
قصص قصيرة جدا ، برع الكاتب في التكثيف بمهارة، تدل على طول الخبرة وقوة المران ، والقدرة على انتقاء اللفظة الموحية ، ولكن من هم قراء هذا القاص المبدع ؟ ومن له القدرة على الغوص في روعة هذا السرد للتمتع بجمال اللؤلؤ ؟ والقاص قد ابدع في التكثيف والحذف والإتيان بالصور الشعرية؟
ففي القصة القصيرة جدا ( حب) كلمات قليلة ، تعبر عن خيبة متلاحقة ،بحجم الكون عن أبطال، يسقطون صرعى مضرجين من نبال حب عاثر ، وما أكثره في حياتنا الخالية من الحب الصحيح:
رآه البحر يقترب ، يجري حافيا
ويجري
ليسقط في الرمل
مضرجا هكذا بحب عابر
انها قصص واقعية، زمنها قروننا اليابسة التي لا نماء فيها ، ومكانها ارض ممتدة من الماء إلى الماء ، تكثر الخيرات ويقضي المرء محروما من كل المزايا التي تبهج ، ورغم كل شيء يواصل النضال
من إصدارات الكاتب
- منديل للبحر : مجموعة قصصية 2002 – مطبعة المتقي برنتر- المحمدية
- حكاية صفراء لقمر النسيان- رواية- - الطبعة الاولى2003- مطبعة وليلي- مراكش- منشورات غرب ميديا- القنيطرة الطبعة الثانية 2007- دار الحرف
- صباح الخير ايتها الوردة – رواية – الطبعة الأولى 2006- مطبعة المتقي برينتر- المحمدية – الناشر :مكتبة الفن- القنيطرة – الطبعة الثانية2007 – دار الحرف
صبيحة شبر
(ضفائر الغابة ) ومضات ناطقة بالتنديد
لواقع ينضح سوءا
صدر للقاص المغربي المميز( محمد فاهي) مجموعته القصصية القصيرة جدا ( ضفائر الغابة)
عن منشورات أزمنة / عمان الأردن ، تتضمن ثلاثا وستين قصة قصيرة جدا ، في سبع وسبعين صفحة ، والأخ محمد فاهي من الكتاب المغاربة المشهورين ، الذين استطاعوا ان يؤسسوا لهم بصمة قصصية ملموسة في هذا الفن الصعب جدا ، والعسير على الانقياد لإرادة المسّّير ، حيث التركيز والتكثيف والحذف والرمز ، وقول الأشياء الكثيرة في كلمات قصار ، قصصه ومضات ساحرة، تستهوي القراء، وتدفعهم إلى إمعان النظر في واقعنا المأزوم ، القدرة على انتقاء الألفاظ تتجلى واضحة ، في قصص المجموعة ، التي تجمع بين القصيدة النثرية والسرد ، بأسلوب فريد ممتع ، ، ففي قصة ( حجر على الطريق) يكثر الرمز لأطفال تعساء لا يملكون القدرة على استعمال المحفظة ، ويستعيضون بالكيس ، يملؤهم الخوف من ترقب خروج كلب ، ويمضي العمر والأطفال يتلفتون، تشدهم حبال سميكة ، لا قدرة لهم باجتيازها ، قضبان لا مرئية ، وسجون داخل نفس الإنسان وخارجها والحجر الذي وضعوه بأنفسهم في الطريق ، ينظر إليهم بشزر ، حائلا بينهم وبين ما يبتغونه من جمال ، وكأنه الشوك يعترض ورود الحياة:
في الطريق الى المدرسة كنت أضع حجرا وأقول :
عندما أعود مساء، سوف أتذكر ان طفلا مر من هنا ، يحمل كيسا عوض محفظة، يلتفت يمينا وشمالا خوفا من كلب يخرج من جهة ما ، لكنه عندما يؤوب والظلام قد أخذ يمسح معالم الجبال القريبة يقول للحجر:
آه
أيها الحجر
أنت الذي
في اليوم الأخير ، يمر على الحجر المنتصب عنوة، يتوقف عنده قليلا، يشعر كأنما ينظر إليه بشزر
فيمضي متلفتا
متلكئا كأنه مشدود بحبل
يمضي بعيدا في العمر
يضع هذه القصة ويقول.......
في قصة ( ضفائر الغابة) التي اختار القاص عنوانها للمجموعة ، تطالعنا قصة متنوعة الدلالات ، لها أكثر من تفسير ، تختلف القراءات في شأنها ، لأي شيء ترمز الطيور ؟ و دائخة أيضا ؟ ولماذا لم يربح احد الثلاثة الرهان ؟ وما نوع الطائرة التي كانت تغير على الحقول ؟ وبأمر من كانت تطير ؟ لتحاذي هامات القطن ؟
جمعنا الطيور الدائخة وقتلناها ضفائر للغابة
تراهنا على ثلاثة:
إما إنها حزينة
إما إنها في عيد
وإما إنها ستزف وهي بعد صغيرة.
البيت الصغير الذي يلوح من الغابة قصدناه ، وجدنا حلقة الأصحاب ، يتندرون.
قال ( كلاص) لصديقه :
- راسك مثل رأس حمار في حقل ، هارب من طيارة.
ضحكنا واتجهنا إلى الحقل.
كانت الطائرة تستدير بعيدا ، تنعطف فجأة ، ثم تغير على هامات الحقول وقد بدا حجمها أكبر ، وراءها خيط كبير ، عندما تحاذي هامات القطن ، تغطس أكثر وتسكت عن الهدير.
لم يربح احدنا الرهان ، لكننا ركبنا طائرات من قصب ، وصرنا نعدو وكأننا نطير
في قصة ( لا تكن نسرا) رمز من يقضي العمر كله، مناضلا يجمع الرزق ، ويبني المستقبل لبنة بعد لبنة ، يسير بتأن يثير الإعجاب ، من ثقة بالنفس متمكنة ، ومن دراية كبيرة في صنع الحياة ، فلا تكن نسرا تعتدي على الحيوات الأخرى، وتسلب منها ما بقيت تكافح من اجله، كفاح الأبطال وتستمر في نضالها الطويل ، حتى وان اعترضت طريقها الصعوبات :
انظر فقط
كيف
ت
ل
ت
ق
ط
حمامة
حبة وراء حبة وراء حبة....
ورا.....ح.........اّ...... ب
وفي قصة ( سندباد) يستخدم القاص الرمز بمهارة ، لتغير صنوف العيش ، ومواجهة الصعاب ، وتبدل الرفاق وتشتت المجتمعات ، فما الذي واجهته مجموعة الأربعة أشخاص ، هل رمز بهم للأسرة ؟ أب وأم وطفلان ؟ يواجهون مفترق الطرق ، وكل منهم يسير الى وجهة ،تختلف عن وجهة صاحبه ، وهكذا الحياة ، لا تستقيم على امر واحد ، ومن العسير جدا أن يظل المتفقون على اتفاقهم ، والقصة تتضمن الكثير من الدلالات
ماذا حدث
أيها السندباد
في مفترق
الطرق
حيث كنتم أربعة
طفل
طفلة
امرأة
وأنت ؟
في قصة ( احمر واسود): تتجلى رغبة الإنسان ان يكون حرا مستقلا ، غير خاضع لأحد ، يمثل نفسه ، لا يسعى الى الهيمنة على أشخاص معينين ، وسلبهم حرياتهم ، كما انه لايود ان يكون تابعا للآخرين ، متحدثا باسمهم ، والرغبة ان تكون حرا وتحترم حرية الآخرين أيضا، وان بدت أمر يسيرا، إلا انه صعب التحقق كثيرا، في مجتمعاتنا التي اعتادت، على نوعين من الناس، إما خاضعا للأخر وناطقا عنه ، او مسيطرا على الآخرين سالبا منهم إرادتهم ، وهؤلاء الأحرار المنادون بالحرية، لهم ولغيرهم كثيرا ما تعرضوا للاضطهاد ،لأنهم يبدون غامضين ، في أغلب الأوقات ، شجعانا يدافعون عن وجهات نظرهم بالعيش المستقل:
مرة أخرى
أشاطرك الهجوم علي.
برمح السياسة من قبل.
وبسم اللسان من بعد.
ولا ذنب لي.
سوى إنني لم أكن عبدك.
ولن أصبح سيدك.
أما دمي.
فسألعقه بلساني
كي لا يقطر قلمي
بالحبر الأسود وحده
فانظر أين أنت
بعد أن ينجلي الغبار
في قصة ( مقايضة) تتضح بصورة جلية، رغبة الإنسان ان يكون نفسه ، وليس شخصا آخر ، فهو مستعد أن يدفع كل شيء، من اجل ان يحافظ على استقلاليته ورغبته ان يكون وحيدا، في الوقت الذي يريد ، في عالم يعيش فيه الكثيرون ، فاقدين لشروط العيش الكريم والاستقلال بالرأي وقول ما نعتقد، انه الحق دون ان تعترض طريقنا الصعوبات ، او يضع احدهم الأحجار ، المادية والمعنوية ، للحيلولة دون تحقيق ذواتنا وتمثيل أنفسنا ، رغم أن محاولاتنا الكثيرة تقابل أحيانا، بعواء الذئاب حين يجدون أنفسهم عاجزين عن إخضاعنا لسلطاتهم مهما فعلوا:
بعد صبر طويل، وقف عليه وقال :
كم تريد
كي لا تنبح
على وحدتي.......
فترديني غريبا
يا شبيه
كلب الخيمة ؟
أجابه بضحكة ساخرة
مثل عواء ذئب
في قصة ( وحدة) تبدو الرغبة واضحة في ان يكون الإنسان نفسه ، فهو مستعد أن يموت ،على ان يعيش بين ذئاب لا يحترمون آدميته ، ويتوقع منهم أن ينهشوا لحمه ، ويقضوا على وحدته ، ورغبته ان يكون إنسانا يعيش وحيدا، على ان يكون مجرد ذئب فاقد الهوية والمضمون
والقصة تمثل مطاردة بين إنسان، يحرص كل الحرص على الحفاظ على إنسانيته ، وبين مجموعة من المخلوقات، تأبى ان يظل احدها مختلفا عنهم،
تجري وراءه محاولة النيل من إصراره ، ولكن محاولاتها تذهب عبثا، أمام إرادته القوية ، فهو يصرخ والإعياء مسيطر عليه، ان الأفضل له ان يموت غريبا ، على أن يهرس بأنيابهم المفترسة:
كان هاربا ، وهم وراءه
صاح من أعلى التل ، وهو يكاد يسقط من الإعياء :
أموت
وليس بينكم
تنهشون
وحدتي
....... بأنيا
......... بكم
في قصة ( غابة أحلام) تستحيل الأحلام العريضة، الى حيوانات ذات قرون تنخس الناس جهة الكلية ، وتتضح لنا الحياة رهيبة ، تحكم على أناسها بموت الأحلام، واستحالة ان يكون الواقع، اقل سوءا مما نعيشه ، حتى ان أخذنا ممحاة، ومسحنا مالا نريده ، راسمين ما نحب من الأشياء الوردية الجميلة:
أخذ ممحاة كبيرة
محا السيارة وراكبها
عوض السيارة رسم غابة ، وعوض الراكب رسم حيونا
حدق طويلا
حيوان يتقدم الى غابة أحلامه ، أحس بقرنه ينخسه جهة الكلية.....
أفاق.....
كانت مرآة السيارة تدفعه في بطنه.
المهاجر سمع كل السباب ونعوت الحيوانات، رغم الأغنية الصاخبة المنبعثة من سيارته في الساحة المكتظة
في قصة ( انتظار) يتبين ذلك الانتظار الرهيب ،الذي نحيا جميعا خاضعين له ، كل حياتنا انتظار ، لأشياء عديدة ، بعضها يتحقق لنا ونكتشف أن انتظارنا له كان ناجحا ، وأكثر الأمور لا يمكن تحققها في حياة عدمية ، تظل عابسة في وجه بني البشر ، ويبقى الانتظار ذا سطوة كبيرة ، لا قبل للناس جميعا بالتخلص منه ، فمن ينقذ الأطفال المسجونين في غرفة الصف من قسوة بعض الأساتذة ، ومن يمكن ان يحقق للمرء تلك الأماني البسيطة ، التي تراوده باستمرار؟ ، وكيف يمكن ان نخلق جمال الحياة دون انتظار شروق الشمس، ومجيء الصباح و موعد الغروب؟ ومجيء سيارة قادمة من بعيد ، تحمل معها الحبيب المنتظر، أو تحقق بعض الطموحات:
انتظر أن تدق
أن يرن الهاتف
أن يتدافع الأولاد متسابقين
انتظرت الغنم أن يصفر الراعي
انتظر الراعي أن تأذن الشمس
انتظرت الخيمة ان تشتعل النار
وانتظرت هي بين المضارب
أن ينكشف نور
نور سيارة
يأتي من بعيد
كل شيء يتحدث بهذه القصص الجميلة ، الأحجار والجبال والعمارة تتحدث ( وبلسان سكانها )عن متاعبها الكثيرة ، وتستمع الى ما يدور من قصص، تأتيها من وراء البحار وتنام مطمئنة في الليل حتى إذا ما حل الصباح، تعثرت بالكلاب الضالة والعربات اليدوية، في هذه القصة الجميلة ، التي تتكرر حوادثها ، باستمرار في مدننا ، نستمع الى ذلك الحديث:
في الليل تفتح العمارة آذانها المقعرة.
تسمع قصة سعيدة تأتيها من وراء البحار
وتنام
في الصباح تتعثر بعربات يدوية وبعض الكلاب الضالة
تقف في رتل طويل أمام مخبزة ( محماد)
تلعن في سرها ( بالفرنسية) اختلالا في الصف
في اليقظة ترى نباشا يغتصبها ، كان قد وصل باكرا إلى صندوق القمامة
بسرعة أخذ يعزل القنينات الفارغة والعلب.....
احتفظ بثياب داخلية....... مزق أخرى ، لاعنا في نفسه( بدارجة خشنة)
تتواصل قصص الشباب المقهورين ، الذين لم يعيشوا حيواتهم ، وذاقوا المرارة حتى الثمالة ، وانطوت أيامهم ، يابسة جافة ، قد هجرها ينبوع الحياة ، في ( أبواب) نجد الرغبة العارمة في حياة طبيعية ، سرعان ما تندثر من شدة ما تواجه من انكسارات :
أمسى ينتبه الى قلبه المفتوح مثل ترعة كبيرة
عبرت منه كثيرات وكأنهن سائرات في النوم
عندما سمع طرقات على قلبه
وهي تدق بأصابعه المترقرقة
كان قد أغلق الباب
من الداخل جاء صوته المتعب:
- ( ما كاين حد).
قصص قصيرة جدا ، برع الكاتب في التكثيف بمهارة، تدل على طول الخبرة وقوة المران ، والقدرة على انتقاء اللفظة الموحية ، ولكن من هم قراء هذا القاص المبدع ؟ ومن له القدرة على الغوص في روعة هذا السرد للتمتع بجمال اللؤلؤ ؟ والقاص قد ابدع في التكثيف والحذف والإتيان بالصور الشعرية؟
ففي القصة القصيرة جدا ( حب) كلمات قليلة ، تعبر عن خيبة متلاحقة ،بحجم الكون عن أبطال، يسقطون صرعى مضرجين من نبال حب عاثر ، وما أكثره في حياتنا الخالية من الحب الصحيح:
رآه البحر يقترب ، يجري حافيا
ويجري
ليسقط في الرمل
مضرجا هكذا بحب عابر
انها قصص واقعية، زمنها قروننا اليابسة التي لا نماء فيها ، ومكانها ارض ممتدة من الماء إلى الماء ، تكثر الخيرات ويقضي المرء محروما من كل المزايا التي تبهج ، ورغم كل شيء يواصل النضال
من إصدارات الكاتب
- منديل للبحر : مجموعة قصصية 2002 – مطبعة المتقي برنتر- المحمدية
- حكاية صفراء لقمر النسيان- رواية- - الطبعة الاولى2003- مطبعة وليلي- مراكش- منشورات غرب ميديا- القنيطرة الطبعة الثانية 2007- دار الحرف
- صباح الخير ايتها الوردة – رواية – الطبعة الأولى 2006- مطبعة المتقي برينتر- المحمدية – الناشر :مكتبة الفن- القنيطرة – الطبعة الثانية2007 – دار الحرف
صبيحة شبر
صبيحة شبر- كاتبـة
-
عدد الرسائل : 7
الشهادة/العمل : اديبة / كاتبة / قاصة
تاريخ التسجيل : 23/09/2008
رد: ضفائر الغابة : ومضات ساطعة
الأستاذة صبيحة
اشكركِ جدا لهذه القراءة المميزة..
اشكركِ جدا لتسليط ومضتكِ الرئعة
على المجموعة القصصية الساحرة للكاتب المغربي "محمد فاهي" (ضفائر الغابة)
أشكر سخائكِ
مع المودة
gao
اشكركِ جدا لهذه القراءة المميزة..
اشكركِ جدا لتسليط ومضتكِ الرئعة
على المجموعة القصصية الساحرة للكاتب المغربي "محمد فاهي" (ضفائر الغابة)
أشكر سخائكِ
مع المودة
gao
العبيدي جو- المديـر العــام
-
عدد الرسائل : 4084
تاريخ التسجيل : 28/08/2008
رد: ضفائر الغابة : ومضات ساطعة
مررت من هنا فرأيت
الأنوار مسلطة بشدة على قاص وكاتب رائع
من قبل كاتبة أروع
فاضطررت للوقوف
لأنصتُ إليها
فأعجب
وأطرب
أهلا بكِ أستاذة صبيحة معنا في أول مشاركاتكِ
شكرا لكِ
سلمى
الأنوار مسلطة بشدة على قاص وكاتب رائع
من قبل كاتبة أروع
فاضطررت للوقوف
لأنصتُ إليها
فأعجب
وأطرب
أهلا بكِ أستاذة صبيحة معنا في أول مشاركاتكِ
شكرا لكِ
سلمى
سلمى شومري- مـشــرفـــــة
-
عدد الرسائل : 255
البلد الأم/الإقامة الحالية : أترا د سورايه
الهوايات : معاقرة التاريخ والادب
تاريخ التسجيل : 04/09/2008
رد: ضفائر الغابة : ومضات ساطعة
الغيث يبدأ من نقطة
ويشتدّ التكاثف حتى يغرق الأرض العطشى
وهناك يرسم أثناء الهطول
أنامل معطاءة دَفِقة كالسيول
الأستاذة صبيحة أهلا بك
وليم
ويشتدّ التكاثف حتى يغرق الأرض العطشى
وهناك يرسم أثناء الهطول
أنامل معطاءة دَفِقة كالسيول
الأستاذة صبيحة أهلا بك
وليم
وليم جبران- سـوري عتيق
-
عدد الرسائل : 253
البلد الأم/الإقامة الحالية : أتري بريخا
الشهادة/العمل : متقاعد
الهوايات : الثقافات والآداب والتاريخ
تاريخ التسجيل : 04/09/2008
رد: ضفائر الغابة : ومضات ساطعة
العبيدي جو كتب:الأستاذة صبيحة
اشكركِ جدا لهذه القراءة المميزة..
اشكركِ جدا لتسليط ومضتكِ الرئعة
على المجموعة القصصية الساحرة للكاتب المغربي "محمد فاهي" (ضفائر الغابة)
أشكر سخائكِ
مع المودة
gao
أخي العزيز العبيدي جو
كلماتك الجميلة أسعدتني كثيرا
الشكر الجزيل لك
دمت بخير
كلماتك الجميلة أسعدتني كثيرا
الشكر الجزيل لك
دمت بخير
صبيحة شبر- كاتبـة
-
عدد الرسائل : 7
الشهادة/العمل : اديبة / كاتبة / قاصة
تاريخ التسجيل : 23/09/2008
رد: ضفائر الغابة : ومضات ساطعة
سلمى شومري كتب:مررت من هنا فرأيت
الأنوار مسلطة بشدة على قاص وكاتب رائع
من قبل كاتبة أروع
فاضطررت للوقوف
لأنصتُ إليها
فأعجب
وأطرب
أهلا بكِ أستاذة صبيحة معنا في أول مشاركاتكِ
شكرا لكِ
سلمى
العزيزة سلمى شومري
اشكرك كثيرا على كلماتك الرائعة
وترحيبك الزاهي
دمت بخير
اشكرك كثيرا على كلماتك الرائعة
وترحيبك الزاهي
دمت بخير
صبيحة شبر- كاتبـة
-
عدد الرسائل : 7
الشهادة/العمل : اديبة / كاتبة / قاصة
تاريخ التسجيل : 23/09/2008
رد: ضفائر الغابة : ومضات ساطعة
وليم جبران كتب:الغيث يبدأ من نقطة
ويشتدّ التكاثف حتى يغرق الأرض العطشى
وهناك يرسم أثناء الهطول
أنامل معطاءة دَفِقة كالسيول
الأستاذة صبيحة أهلا بك
وليم
الأخ العزيز وليم جبران
الشكر الجزيل على المرور الجميل
وعلى الكلمات العابقة بالأريج
دمت بخير
الشكر الجزيل على المرور الجميل
وعلى الكلمات العابقة بالأريج
دمت بخير
صبيحة شبر- كاتبـة
-
عدد الرسائل : 7
الشهادة/العمل : اديبة / كاتبة / قاصة
تاريخ التسجيل : 23/09/2008
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى