من حكايات ماردين / نادية خلوف
صفحة 1 من اصل 1
من حكايات ماردين / نادية خلوف
قبل أن نبدأ الحكاية . نبدأ في علم الجغرافيا الذي اختفى ربما من أحاديثنا , فلم يعد للأمكنة قيمتها في ذاكرتنا كما كانت سابقاً , مع الأخذ بمفهوم النسبية وليس التعميم دائماً .
ماردين حاضرة من بلاد الشام سابقاً , وتتبع تركيا جغرافياً في الوقت الحالي منذ اتفاقية " لوزان " , وحسب ياقوت الحموي في معجم البلدان : فإن زنوبيا التي كانت تحكم في مرحلة من التاريخ بلاد الشام , وكانت ماردين من بين الولايات التي تحكمها . أتى إليها رسول يقول لها : هناك تمرد قالت له : تمرد مارد ! قال : بل ماردين .
ماردين مدينة جبلية تتربع على قمة جبل باسمها تعلوها قلعة أثرية ويحيطها سور أثري يدعى ( البدن ) تحيط فيه ثلاثة أبواب لكل باب اسم خاص به وكان " حسب ياقوت الحموي " فيها جامعات , لكن تسمى مدارس تُدرّس الاختصاص في الفقه والحقوق والطب . في المدينة خليط من الأقوام والأديان , والجوامع الأثرية والكنائس . كل سكانها كانوا يعيشون بسلام في الماضي قبل المجازر في الدولة العثمانية . يتميز أهل ماردين بخفة الظل وروح التعليق والنكتة لدرجة أن أحدهم قال : " إذا لم نجد في جلساتنا من نعلق عليه . نعلق على أنفسنا " .
" عبدو الشبط" هو حرامي ماردين وكلمة " الشبط " معناها السرقة في لغتهم المحكية . سرقات عبدو كانت ليست كبيرة جداً وكانوا يتندرون بها أمامه أحياناً لدرجة أنه إن فاتتهم حكاية أطلعهم عليها بعد أن يضفي على نفسه صفة البطل النبيل
كل سرقات عبدو تتعلق بالمؤونة المجففة التي تخزن للشتاء حيث الجو القارس الذي يحلو فيه السهر قرب مدافئ الحطب , ومع أكلات دسمة أو فواكه مجففة كالمشمش والتين . هناك نوع من اللحوم المفرومة ناعماً , والمتبلة بالبهارات تجفف في أكياس صغيرة من القماش الأبيض وتعلق على حبال الغسيل مع بداية فصل البرد وتترك لتجف , وفيما بعد يتم استعمالها بطرق مختلفة كانت تدعى بلغتهم المحكية "شرادين " وهي موضوع الحكاية . يقول عبدو مسراً إلى صديقه : صنعت جارتنا الشرادين وعلقتها على الحبل . انتظرت بضعة أيام حتى جفت وكنت ألمسها كل يوم من مصطبة بيتنا. بدأت أحلم بها إلى أن جفت , وحان وقت تخزينها . طلبت من زوجتي أن تخبرالجيران بأننا سنسهر عندهم . عندما ذهبنا أخذت معي البندق واللوز والزبيب وصنعوا لنا الشاي بالقرفة , وفي منتصف السهرة أتى علي وجع في البطن , فاستأذنت ,وذهبت إلى بيت الخلاء , وعدت أكملت السهرة ,وانصرفنا وبينما نحن على حافة المصطبة قالت المرأة بدهشة : هناك من سرق شراديننا ! نظرت إليها وقلت : الحمد لله أنني كنت بينكم , وإلا لكنتم قلتم أن عبدو سرقها !
عبدو كان قد أخبر صديقه بعد انتهاء الفصل لينشر القصة ,ويعرف جيرانه من الذي سرقهم ولا يبقون في الحيرة ويسامحونه , ويقول عبدو : كلما ذهبت لأسهر عندهم منذ تلك المرة يقولون لي : هل عندك أوجاع في البطن ؟ أقول لا الحمد لله .
لكنني سرقت بعدها قسماً من زبيبهم .
ربما أعجبتكم القصة ! أو أعجبتكم شخصية عبدو , أو أكلات ماردين , وهي "بالمناسبة" لذيذة جداً , ومميزة .
ربما استطعت من خلال قصة عبدو أن أتحدث عن منطقة هامة في تاريخنا تستحق أن نعرف عنها بعض الكلمات للذكرى فقط ! .
نادية خلوف
العبيدي جو- المديـر العــام
-
عدد الرسائل : 4084
تاريخ التسجيل : 28/08/2008
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى