هيلين كيلر ... المرأة المعجزة / ليلى عبد الرحمن السلطان

هيلين كيلر ... المرأة المعجزة

* ليلى عبد الرحمن السلطان – ص.ب 506 – الحسكة – سـوريا

* << إنّ العمى ليس بشيء , وإنّ الصّمم ليس بشيء , فكلّنا في حقيقة الأمر عُميٌ وصُمٌّ عن الجلائل الخالدة في هذا الكون العظيم ولكنّ الطبيعة تترفّق بنا , حتى وفي أشدِّ مظاهر قسوتها قد منحتنا نحنُ الذين لا نملك سوى خمس حواس ضئيلة عاجزة _ حاسّةً سادسة _ هي وحدها التي تستطيع أن ترى ما لا تراهُ العيون , وتسمع ما لا تسمعهُ الأذان , وتدرك ما لا تدركهُ العقول , وهذهِ الحاسّة التي تُغنينا عن الحواس الأُخرى هي دليلنا في هذه الحياة وعزاؤنا في هذا العالم >> , بهذه الفلسفة كانت هيلين كيلرالتي فقدت سمعها وبصرها في الثانية من عمرها تعبِّرُ عن حبها للحياة .

ولدت هيلين في مدينة (( توسكومبيا )) بولاية (( ألاباما )) الأمريكية في السابع والعشرين من يونيو عام ( 1880 م ) وكانت ولادتها مثل ولادة جميع الأطفال الأسوياء ولم يكن في حياتها أي قصور , وعندما بلغت الشهر السابع عشر أُصيبت بمرض (( الحُمّى القُرمزيّة )) فأفقدها بصرها وسمعها فعاشت في ظلامٍ وسكونٍ شاملين , ونسيت ما كانت تعرفهُ من كلماتٍ قليلة , وفقدت قدرتها على النُّطق .

في هذه الحالة من الظلام الحالك والصّمت المُطبق سيطرت على الطفلة (هيلين ) كآبة شديدة فأضحت فريسةً للاضطراب والحيرة , وغدت فتاةً شرِسة وعدوانية تُكسِّرُ الأواني والنّوافذ وتؤذي نفسها فقد أشعلت النار في نفسها وفي ستائر البيت عدّة مرّات وقال ذووها: (( ليتها ماتت )) لقد كانت مثل حيوانٍ مؤذٍ ومُخرِّب .

عُهِدَ بأمرها إلى المربية (( آن مانسفيلد سوليفان )) التي كانت هي الأخرى قد أصيبت بفقدان البصر , وفي الرابعة عشرة من عمرها دخلت معهد (( بركنس )) للمكفوفين في مدينة (( بوسطن )) حيث تعلّمت لغةً يدويّةً لمسية للتفاهم مع الأطفال الصّم البُكم العُمي لقد برهنت هذه المربية على منتهى التضحية والاهتمام بتعليم هيلين خاصةً بعد أن اكتشفت فيها التوقُّد والذّكاء والألمعيّة فبدأت بتدريبها بوضعِ يدها على بعض الأشياء وتخُطُّ الحروف على يديها أو تضغط على كفّها , وسرعان ما ظهر نبوغ هذه الطفلة المنكوبة رغم فقدانها لثلاث حواس وأخذ عقلها يتفتّح لمعرفة ما حولها من أشياء , بعد ذلك ذهبت إلى معهدٍ لتعليم الكلام بطريقة برايل وسرعان ما كشفت عن قدراتٍ مدهشة فدرست الحِساب والجغرافيا وعلم الحيوان والنّبات .

وفي عام ( 1900 م ) اجتازت هيلين الاختبار النهائي في اليونانية واللاتينية والألمانية , وفي الجبر والهندسة , وكانت أول فتاة ذات ثلاث عاهات تلتحق بالجامعة فكانت أسطورةً بين فتياتها , وفي خلال دراستها الجامعية نشرت كتابها (( قصة حياتي )) وكتابها (( التّفاؤل )) تحدثت فيهما عن مشاعر البهجة والإقبال التي دفعتها إلى الإسهام في حياة المجتمع , وفي هذا تقول : << بالرّغم من شعوري بالعجز عن أن أكون ذاتَ أثرٍ فعّال في ميادينَ شتّى أرى أنَّ مجال العمل واسعٌ لا نهاية لهُ >> .

وفي الرابعة والعشرين من عمرها تخرّجت بدرجة الشّرف وكانت تكتب للصُّحف , وتُحاضر في الجامعات , وقامت بتأليف عدّة كتُب تُرجِمت إلى أكثر من خمسين لغة , ومثّلت في السّينما , وأجادت الرّقص , ولعبت الشّطرنج , ومارست ركوب الخيل , وأتقنت خمس لغات .

ظلت هيلين كيلر تكرِّسُ حياتها من أجل هؤلاء الذين شاركوها (( عالم الظلام )) حتى توفيت في يونيو ( 1968 م ) قبل شهر من بلوغها سن الثامنة والثمانين وبذلك طويت صفحة أعظم نجاح فردي في تاريخ الإنسانية في القرن العشرين , لقد ألّفت خلال حياتها ثمانية عشر كتاباً , وكان كل كتاب يمنح الآخرين الأمل والسّعادة , ورغم حرمانها من الحواس الثلاث فإنّها نبشت في صخرِ العجز فتفجّرَ ينبوع الأمل والنّجاح , وقد ساعدت هيلين كيلر زملائها من المُعوَّقين بجمع مبالغ مالية , وبذلك صارت نموذجاً للنّجاح يحتذي به المعوّقين وغير المعوّقين على السّواء .

هذه هي حياة (( هيلين كيلر )) وهذه شخصيتها الفريدة , الفذّة , وما تسلّحت به من إيمانٍ عميق , وإرادةٍ صلبة , وصبرٍ وعزمٍ فائقين , وتفاؤلٌ وأملٌ لا ينطفىء نورهما فكانت قصة حياتها أشبه بالمُعجِزات .

__________________________________

* المصادر :

(1)_ (( معاقون وليسوا عاجزين )) عدنان السبيعي , دار الفكر بدمشق , الطبعة الأولى حزيران 2000 م .
(2)_ مجلة (( الدّوحة )) القطرية , العدد (( 27 )) إبريل 1978 م .
(3)_ مجلة (( الخليج الجديد )) قطر , العدد (( 84 )) شباط 1983 م .

الـــــى العــزيز الاخ وليــم جبران :

سلمت يداك على النشر عزيزي وليم

وتحية أبعثها الى الاخت ليلى عبد الرحمن السلطان

و أقول لها نص رائع جدا ليلى

مع كل الاحترام والتقدير لليلى و وليم

مع محبتي

حسناء