هذه البلاد شقة مفروشة
صفحة 1 من اصل 1
هذه البلاد شقة مفروشة
هذه البلاد شقة مفروشة
هـذي البـلادُ شـقَّـةٌ مَفـروشـةٌ ، يملُكُها شخصٌ يُسَمّى عَنترَهْ
يسـكَرُ طوالَ الليل عنـدَ بابهـا ، و يجمَعُ الإيجـارَ من سُكّـانهـا
وَ يَطلُبُ الزواجَ من نسـوانهـا ، وَ يُطلقُ النـارَ على الأشجـار
و الأطفـال … و العيـون … و الأثـداء …والضفـائر المُعَطّـرَهْ
...
هـذي البـلادُ كلُّهـا مَزرَعَـةٌ شخصيّـةٌ لعَنـترَهْ
سـماؤهـا .. هَواؤهـا … نسـاؤها … حُقولُهـا المُخضَوضَرَهْ
كلُّ البنايـات – هنـا – يَسـكُنُ فيها عَـنتَرَهْ
كلُّ الشـبابيك علَيـها صـورَةٌ لعَـنتَرَهْ
كلُّ الميـادين هُنـا ، تحمـلُ اسـمَ عَــنتَرَهْ
عَــنتَرَةٌ يُقـيمُ فـي ثيـابنـا … فـي ربطـة الخـبز
و فـي زجـاجـة الكُولا ، وَ فـي أحـلامنـا المُحتَضـرَهْ
مـدينـةٌ مَهـجورَةٌ مُهَجّـرَهْ
لم يبقَ – فيها – فأرةٌ ، أو نملَـةٌ ، أو جدوَلٌ ، أو شـجَرَهْ
لاشـيء – فيها – يُدهشُ السّـياح إلاّ الصـورَةُ الرسميّـة المُقَرَّرَهْ
للجـنرال عَــنتَرَهْ
فـي عرَبـات الخَـسّ ، و البـطّيخ
فــي البـاصـات ، فـي مَحطّـة القطـار ، فـي جمارك المطـار
فـي طوابـع البريـد ، في ملاعب الفوتبول ، فـي مطاعم البيتزا
و فـي كُلّ فئـات العُمـلَة المُزَوَّرَهْ
فـي غرفَـة الجلوس … فـي الحمّـام .. فـي المرحاض
فـي ميـلاده السَـعيد ، فـي ختّـانه المَجيـد
فـي قُصـوره الشـامخَـة ، البـاذخَـة ، المُسَـوَّرَهْ
مـا من جـديدٍ في حيـاة هـذي المـدينَـةُ المُسـتَعمَرَهْ
فَحُزنُنـا مُكّرَّرٌ ، وَمَوتُنـا مُكَرَّرٌ ،ونكهَةُ القهوَة في شفاهنـا
مُكَرَّرَهْ …
فَمُنذُ أَنْ وُلدنـا ،و نَحنُ مَحبوسُونَ فـي زجـاجة الثقافة المُـدَوَّرَهْ
وَمُـذْ دَخَلـنَا المَدرَسَـهْ ،و نحنُ لانَدرُسُ إلاّ سيرَةً ذاتيّـةً
واحـدَهً
تـُخبرنـا عـن عَضـلات عَـنتَرَهْ
وَ مَكـرُمات عَــنتَرَهْ … وَ مُعجزات عَــنتَرَهْ
ولا نرى في كلّ دُور السينما إلاّ شريطاً عربيّاً مُضجراً يلعبُ فيه
عَنتَرَهْ
لا شـيء – في إذاعَـة الصـباح – نهتـمُّ به
فـالخـبَرُ الأوّلُــ – فيهـا – خبرٌ عن عَــنترَهْ
و الخَـبَرُ الأخـيرُ – فيهـا – خَبَرٌ عن عَــنتَرَهْ
لا شـيءَ – في البرنامج الثـاني – سـوَى
عـزفٌ – عـلى القـانون – من مُؤلَّفـات عَــنتَرَهْ
وَ لَـوحَـةٌ زيتيّـةٌ من خـربَشــات عَــنتَرَهْ
و بـاقَـةٌ من أردَئ الشـعر بصـوت عـنترَهْ
هذي بلادٌ يَمنَحُ المُثَقَّفونَ – فيها – صَوتَهُم ،لسَـيّد المُثَقَّفينَ
عَنتَرَهْ
يُجَمّلُونَ قـُبحَهُ ، يُؤَرّخونَ عصرَهُ ، و ينشُرونَ فكرَهُ
و يَقـرَعونَ الطبـلَ فـي حـروبـه المُظـفَّرَهْ
لا نَجـمَ – في شـاشَـة التلفـاز – إلاّ عَــنتَرَهْ
بقَـدّه المَيَّـاس ، أو ضحكَـته المُعَبـرَهْ
يـوماً بزيّ الدُوق و الأمير … يـوماً بزيّ الكادحٍ الفـقير
يـوماً عـلى طـائرَةٍ سَـمتيّـةٍ .. يَوماً على دبّابَة روسيّـةٍ
يـوماً عـلى مُجَـنزَرَهْ
يـوماً عـلى أضـلاعنـا المُكَسَّـرَهْ
لا أحَـدٌ يجـرُؤُ أن يقـولَ : " لا " ، للجـنرال عَــنتَرَهْ
لا أحَـدٌ يجرؤُ أن يسـألَ أهلَ العلم – في المدينَة – عَن حُكم عَنتَرَهْ …
إنَّ الخيارات هنا ، مَحدودَةٌ ،بينَ دخول السَجن ،أو دخول المَقبَرَهْ ..
لا شـيء فـي مدينَة المائة و خمسين مليون تابوت سوى
تلاوَةُ القُرآن ، و السُرادقُ الكبير ، و الجنائز المُنتَظرَهْ
لا شيء ،إلاَّ رجُلٌ يبيعُ - في حقيبَةٍ - تذاكرَ الدخول للقبر ، يُدعى
عَنتَرهْ …
عَــنتَرَةُ العَبسـيُّ … لا يَترُكنـا دقيقةً واحدَةً
فـ مَرّةَ ، يـأكُلُ من طعامنـا … و َمـرَّةً يشرَبُ من شـرابنـا
وَ مَرَّةً يَندَسُّ فـي فراشـنا … وَ مـرَّةً يزورُنـا مُسَـلَّحاً
ليَقبَضَ الإيجـار عن بلادنـا المُسـتأجَرَهْ
* * * * *
نزار قباني
سلمى شومري- مـشــرفـــــة
-
عدد الرسائل : 255
البلد الأم/الإقامة الحالية : أترا د سورايه
الهوايات : معاقرة التاريخ والادب
تاريخ التسجيل : 04/09/2008
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى